المهاجر.. «مُجبرٌ أخاك لا بطل»

  • 8/22/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في منتصف القرن العشرين، شرع العلماء في دراسة قطيع من الذئاب على جزيرة «آيل رويال» في بحيرة «لايك سوبريار»، أكبر البحيرات الكبرى في أميركا الشمالية. وعلى مدى العقود اللاحقة، أصيبت تلك الذئاب بتشوهات في العمود الفقري والعيون، ربما نتيجة التزاوج بينها وانعزالها عن العالم الخارجي، ثم سرعان ما بدأت صحتها تتدهور. لكن في عام 1997، تمكن وافد جديد –ذئب ذكر– من الوصول إلى الجزيرة. وكان وصوله إيذاناً بتحول كبير في أعداد قطيع الذئاب المحلي، الذي عرف تنشيطاً وتجدداً في صفوفه. فكان استمرار الحياة متوقفاً على الهجرة. الكاتبة والصحفية الأميركية «سونيا شاه» تسوق العديد من القصص المماثلة في كتابها الجديد «الهجرة الكبيرة التالية.. جمال الحياة المتنقلة ورعبها». وفي هذا الكتاب الذي يتمحور حول ميلنا البشري إلى الحركة والتنقل، وينقل نماذج ومشاهد للهجرة البشرية والحيوانية، من قرى في جبال الهمالايا، إلى جزر يونانية، إلى تلال جنوب كاليفورنيا القاحلة، تحاجج شاه بأن الهجرة ميزة متجذرة في البشر وعالم الحيوان، وأكثر ترسخاً وانتشاراً مما نميل لاعتقاده، وأساسية لبقائنا. وفي عالمنا المعاصر الحافل بالاضطرابات السياسية والبيئية، كثيراً ما تُصوَّر الهجرة على أنها أزمة خطيرة. ولا شك أن الأعداد المرتفعة للمهاجرين واللاجئين تصيب المرء بالدوار: ذلك أن 60 مليون شخص فروا مؤخراً من الحروب، أو القمع، أو تأثيرات تغير المناخ، وهو عدد يمكن أن يرتفع إلى مليار نسمة بحلول عام 2050، كما أننا بتنا متعودين على سياسيين يمينيين متطرفين يصوِّرون المهاجرين على أنهم مجرمون ومغتصبون وقطاع طرق يغزون سواحل الغرب. غير أن «شاه» تعرِض حججاً مضادة لتفنيد الفكرة القائلة بأن الهجرة تعني كارثة اجتماعية. ومن خلال حبكها تاريخ التنقل البشري مع قصص من الطبيعة، تعيد صياغة الهجرة، ليس بوصفها استثناءً في عالم ثابت غير متحرك، وإنما كقاعدة بيولوجية وثقافية، قاعدة ينبغي احتضانها، وليس الخوف منها. وفي هذا السياق، تكتب شاه: «على مدى قرون، قمعنا حقيقة غريزة الهجرة، وشيطناها باعتبارها نذيراً للإرهاب. وبنينا قصة حول ماضينا وأجسادنا والعالم الطبيعي، حيث الهجرة هي الوضع غير الطبيعي. إنه وهم. وحينما يسقط، يتغير العالم بأسره». الحيز الأكبر من الكتاب أفردته شاه للغوص في جذور أسطورة العالم الجامد هذه، وتأثيراته على السياسة والخطاب العام. ويتعقب الكتاب كيف ساهم هذا التركيز المبكّر على الاختلافات الجغرافية بين الأنواع في ظهور «علم الأعراق» وحركة تحسين النسل في القرنين التاسع عشر والعشرين. فبينما كان ملايين المهاجرين من أوروبا وآسيا والكاريبي وأميركا الوسطى.. يصلون إلى موانئ نيويورك، كان أفراد النخب القلقة، مثل ماديسون غرانت، يثيرون الخوف بشأن «التهجين» و«الأصول الوراثية» لأجساد المهاجرين، التي «ستلوّث» الصفات الجينية للأمة، على ما يفترض! وتصف شاه سعياً محموماً بين منظّري العرق لإيجاد مبررات علمية تدعم أيديولوجياتهم، أو حل سحري يمكن أن يضع حداً للهجرة. لكن مثل هذه الأبحاث كانت تخيب وتفشل عموماً، أو لا تتحقق أبداً، أو تُضعف فرضيات العنصريين، غير أن تصوير المهاجرين على أنهم ضارون وأقل مرتبةً من الناحية البيولوجية، تسرّب ووجد طريقه إلى الثقافة الشعبية والسياسية مع ذلك. وساعد كتاب غرانت الذي صدر عام 1916 بعنوان «موت العرق العظيم»، وأعلن ما اعتبرها مخاطر قلب التراتبية العرقية من خلال الهجرة، على خروج قانون 1924 الذي قيَّد بشكل جذري هجرة غير البيض إلى الولايات المتحدة، وكان بمثابة نموذج لأدولف هيتلر، الذي سماه «كتابه المقدس». كتاب: الهجرة الكبيرة التالية المؤلفة: سونيا شاه الناشر: بلومزبري بابليشينغ تاريخ النشر: يونيو 2020 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»

مشاركة :