تونس – عمقت مواقف أطلقتها أحزاب وازنة برلمانيا، بشكل مسبق، الهواجس والمخاوف من مصير حكومة هشام المشيشي وقدرتها على نيل الثقة في البرلمان بالرغم من كونها مسنودة بالثقل الشعبي للرئيس قيس سعيد. ولم تنتظر حركة الشعب (16 مقعدا برلمانيا)، وكتلة الإصلاح الوطني (16 مقعدا برلمانيا)، الإعلان عن التركيبة الحكومية، حيث قررتا منح الثقة لهذه الحكومة في مسعى لتفكيك الأزمة السياسية الحادة في البلاد، وفتح الباب أمامها للتعاطي مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. من جانبه قال النائب البرلماني مصطفى بن أحمد، القيادي في حزب تحيا تونس (10 مقاعد برلمانية)، لـ “العرب”، إن حزبه سبق له أن أعلن في وقت سابق عن دعمه للمشيشي، وهو بذلك سيُصوت من حيث المبدأ لصالح منح الثقة لحكومة المشيشي، بانتظار الاطلاع على تشكيلتها وبرنامجها. مصطفى بن أحمد: حكومة المشيشي لن تكون أفضل من الحكومات السابقة مصطفى بن أحمد: حكومة المشيشي لن تكون أفضل من الحكومات السابقة واعتبر مصطفى بن أحمد أن من ينتظر أن تكون الحكومة القادمة أفضل من الحكومات السابقة “إما واهم أو يكذب على نفسه وعلى الناس، لأن الكل يعرف أن الحكومة القادمة ستكون وليدة عوامل الفشل الحزبي وهزالة القانون الانتخابي ومطبات دستور 2014”. ومع ذلك، تتالت المواقف الرافضة للحكومة الجديدة، والمؤيدة لها، وسط غموض وانقسام يُنذران بتغييرات جذرية في خارطة التحالفات السياسية، ولم تتمكن تحركات ربع الساعة الأخير من تبديدهما بما يفتح ثغرة قد تنتهي بتغيير المواقف نحو استبعاد شبح سيناريو حكومة الحبيب الجملي الذي بات يُلاحق المشيشي، ويتربص بتشكيلة حكومته. وفشل الحبيب الجملي، الذي كلفته حركة النهضة الإسلامية بتشكيل الحكومة على قاعدة نتائج انتخابات عام 2019، في نيل ثقة البرلمان، خلال جلسة عامة عُقدت في العاشر من يناير الماضي، حيث حصل على ثقة 72 نائبا فقط، مقابل معارضة 134 آخرين واحتفاظ 3 نواب بأصواتهم. وساهمت حركة اللقاءات الثنائية بين المشيشي والأحزاب السياسية المعنية بملف تشكيل الحكومة التي جرت خلال الـ48ساعة الماضية، في جعل هذا السيناريو مُرشحا لأن يتكرر من جديد، حيث انتهت إلى نقطة بدايتها. ويتضح ذلك من خلال إعلان حزب التيار الديمقراطي (22 مقعدا برلمانيا) عن رفضه منح الثقة للحكومة الجديدة، لأنها بحسب رئيس مجلسه الوطني، مجدي بن غزالة، ستكون “حكومة هشة، وليس لديها هوية”. وبدوره، أعلن ائتلاف الكرامة (19 مقعدا برلمانيا) المقرب من حركة النهضة الإسلامية، عن رفضه منح الثقة لحكومة المشيشي، تماما مثل حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري (3 مقاعد برلمانية)، الذي أكد أنه سيُصوت في البرلمان ضد منحها الثقة. وبالتوازي مع ذلك اتسم موقف حزب قلب تونس (27 مقعدا برلمانيا) بالضبابية والغموض، حيث اعتبر رئيس كتلته النيابية، أسامة الخليفي، أن قصر قرطاج يصر على إسقاط حكومة المشيشي المُرتقبة عبر ما أسماه بـ”سياسة الاستفزاز”، مُحذرا من أن ذلك “عبث ودفع إلى المجهول”. وبين هذا الموقف وذاك، اختارت حركة النهضة (54 مقعدا برلمانيا) اللعب على الحبال في مناورة مكشوفة، حيث قال رئيسها راشد الغنوشي إن حركته “ضد تشكيل حكومة كفاءات مطلقا ومبدئيا باعتبارها مسألة مجانبة للديمقراطية وعبثا بالاستحقاق الانتخابي ونتائجه”. لكنه أبقى الباب مفتوحا أمام إمكانية مراجعة هذا الموقف، عندما قال إن “هذا الموقف أولي بانتظار قرار مجلس الشورى الذي سيُعقد مساء الاثنين لتحديد الموقف النهائي من هذه المسألة”. Thumbnail وكثرت التكهنات والمعطيات حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الموقف، حيث أرجعت بعض الترجيحات ذلك إلى تحفظ النهضة على عدد من الأسماء المرشحة لحقائب وزارية، منها اسم المحامي توفيق شرف الدين المرشح لتولي حقيبة الداخلية، باعتباره أحد المُقربين من الرئيس قيس سعيد. غير أن هذا الموقف الموارب لا يحجب حقيقة أن حركة النهضة تتقاذفها حاليا عدة مواقف مُتباينة، حيث أكد حمدي الزواري، عضو مجلس شورى حركة النهضة، هذه الحقيقة قائلا “هناك مواقف مُختلفة بخصوص الحكومة المرتقبة، منها من يرى أهمية تمرير الحكومة القادمة باعتبارها حكومة ضرورة، ومنها من يُعارض ذلك، ويدعو إلى إسقاطها”. ومنها من يرى ضرورة أن تعمل حركة النهضة على تشكيل ائتلاف برلماني يضم كلا من حركة النهضة وحزب التيار الديمقراطي وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة وكتلة المستقبل، بما يُحقق تشكيل جبهة برلمانية بنحو 120 نائبا، بحيث يتم تمرير حكومة المشيشي، لكن مع جعلها حكومة أقلية. ويُرجح المراقبون أن تختار حركة النهضة هذا التوجه لعدة اعتبارات؛ أبرزها أن مثل هذه الجبهة البرلمانية، إذا تم تشكيلها بنجاح، ستُمكن الحركة من كسر عزلتها السياسية، إلى جانب منحها أوراقا جديدة للمناورة، وخاصة أنها تُدرك أن عنوان المرحلة القادمة سيكون الصدام السياسي مع الرئيس قيس سعيد. وتتعلق هذه المعركة ظاهريا بتشكيل الحكومة، لكنها تُخفي في تفاصيلها وعناوينها معركة أخرى سياسية مُتشعبة، ذلك أن مُجمل المعطيات تشير إلى أن الحكومة الجديدة وبكل صيغها وتوزيع حقائبها هي من هندسة الرئيس سعيد والدوائر المُقربة منه، الأمر الذي يبقي الباب مفتوحا على كل الاحتمالات. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :