تحركات سياسية وحزبية متسارعة لتحديد مصير حكومة الفخفاخ | الجمعي قاسمي | صحيفة العرب

  • 7/2/2020
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

تونس- ارتفعت وتيرة التحركات الحزبية، واللقاءات السياسية المُرتبطة بمصير الحكومة التونسية، برئاسة إلياس الفخفاخ، وأخذت شكلا غير مسبوق فرضته تطورات ما بات يُعرف بقضية “الفخفاخ غيت” المُتعلقة بشبهة تضارب المصالح، التي تفجرت في وجه الفخفاخ بعد نحو 100 يوم فقط على تشكيل حكومته. وألقت هذه القضية التي تسببت في عاصفة سياسية مازالت متواصلة على أكثر من واجهة، بأعباء قانونية وأخرى أخلاقية، كشفت عن رهانات مُتباينة تشابكت فيها الحسابات السياسية بالمصالح الحزبية المُتضاربة، الأمر الذي عمق مأزق الائتلاف الحكومي الذي يُعاني أصلا من التصدع. وساهمت مناورات حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي، التي وصلت إلى حد “مُضايقة وابتزاز” رئيس الحكومة، بحسب زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب، في الدفع بمصير حكومة الفخفاخ نحو مسار غامض قد يفرض على مُجمل الفاعلين السياسيين واقعا جديدا بمعادلات وتوازنات لم تكن في الحسبان. ولم تترك مُناورات حركة النهضة، وما رافقها من تصعيد سياسي، وصل فيه التسخين في المواقف إلى حده الأقصى، المجال للحديث عن تفاهمات وتوافقات مُرتقبة، رغم المحاولات الجارية لحسم جملة المعطيات المُتأرجحة المُرتبطة بمصير الحكومة الحالية ورئيسها إلياس الفخفاخ، الذي تتقاذفه الانتقادات والاتهامات من كل جانب. وبدأت تلك المحاولات بلقاء جمع مساء الثلاثاء بين إلياس الفخفاخ والرئيس قيس سعيد، ثم تلاه لقاء ثان جمع الأربعاء بين الفخفاخ ونورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي التقى أيضا مساء الأربعاء بالرئيس قيس سعيد، الذي أصبح معنيا بتبعات هذا المأزق الحكومي الذي يتسم في كثير من جوانبه بتصعيد لا يأخذ بعين الاعتبار التحديات الكبرى التي تواجه البلاد. ولم تتسرب أي معلومات عن لقاء الفخفاخ وسعيد، تماما مثل لقاء الفخفاخ والطبوبي، لكن تصريحات الطبوبي التي أدلى بها بعد هذا اللقاء كشفت عن رفض لهذا الواقع السياسي، حيث أكد فيها على “ضرورة تجاوز التجاذبات وتباين وجهات النظر السياسية وتداعياتها السلبية التي لا تخدم المصلحة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد”. ويعكس هذا التأكيد حجم التباينات السياسية التي تعددت فيها الرهانات بتعدد الاتجاهات والمصالح الحزبية، حتى بات المشهد العام في البلاد أمام سلسلة من الافتراضات التي توزعت على طول المساحة المستجدة في التطورات السياسية، التي تنحو إلى إعادة رسم المواقف بما يتناسب مع المشهد الحزبي بتلوناته المختلفة. وفي هذا السياق، تبدو الوقائع المرافقة لتلك المحاولات والتحركات في مسار لا يتعارض مع ترتيب الأولويات في علاقة ببقاء حكومة الفخفاخ أو رحيلها، وفق حسابات ومعادلات ُتعددة، أفرزت لغاية الآن ثلاثة سيناريوهات باتت تزدحم بها القراءات السياسية التي لا تستبعد مع ذلك حدوث مفاجآت في منتصف الطريق. ويتعلق السيناريو الأول بتمسك إلياس الفخفاخ بالبقاء في منصبه غير آبه بالانتقادات والاتهامات الموجهة له، والاتكاء في ذلك على دعم حركة النهضة الإسلامية التي لا تُخفي رغبتها في هذا السيناريو الذي يجعل الفخفاخ وحكومته تحت سيطرتها. وهذا السيناريو مطروح بقوة، وتسعى حركة النهضة إلى فرضه بشتى الطرق، ليتسنى لها ليس فقط إحكام قبضتها على الحكومة، وإنما أيضا إبعاد بعض الأحزاب من الائتلاف الحكومي، وخاصة منها حركة الشعب، وإدخال أخرى، منها قلب تونس، إلى جانب تقليص مساحة المناورة لدى الرئيس قيس سعيد، وإضعاف موقفه الذي أصبح يُزعجها. وتخشى غالبية الأحزاب والقوى السياسية هذا السيناريو، حيث تعالت الأصوات المُحذرة من إمكانية لجوء الفخفاخ إلى الارتماء في أحضان حركة النهضة، والمطالبة بتدخل الرئيس قيس سعيد لدفع الفخفاخ إلى الاستقالة لتفويت الفرصة على مُخططات حركة النهضة، وإفشال مناورتها لتفادي دخول البلاد في نفق المجهول. ويجد هذا السيناريو صدى له في تلك التحركات واللقاءات السياسية، باعتباره أحد المخارج من المأزق الراهن بأقل تكلفة سياسية، خاصة وأنه يتعارض مع مناورات حركة النهضة، كما أنه يُبقي على أوراق ملف تشكيل الحكومة بيد الرئيس قيس سعيد، الذي يُخول له الدستور في صورة استقالة الفخفاخ تعيين من يراه مناسبا لتشكيل حكومة جديدة. أما السيناريو الثالث فهو يتعلق بإقدام الرئيس قيس سعيد على سحب ثقته من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، باعتبار أنه هو الذي اختاره وكلفه بتشكيل الحكومة، حتى أن النائب الصافي سعيد لم يتردد في توجيه رسالة مفتوحة إلى الرئيس سعيد، طالبه فيها بسحب الثقة من الفخفاخ “من أجل شرف تونس وشرف رئيسها وديمقراطيتها”. وجاء في رسالته مخاطبا الرئيس قيس سعيد “…أطلب منك بكل لياقة، سحب ثقتك من الرجل الذي اخترته لرئاسة الحكومة منذ نحو ستة أشهر…فالفخفاخ قد خسر كل رصيده دفعة واحدة …ثم بدأ في استهلاك رصيدك الانتخابي…”. ويعني سحب الثقة هنا، لجوء الرئيس قيس سعيد إلى الفصل 99 من الدستور الذي يُتيح له الطلب من البرلمان التصويت من جديد على الثقة لمواصلة الحكومة لنشاطها، وذلك في صورة رفض الفخفاخ الاستقالة، وعدم تقديم لائحة لوم ضده في البرلمان. هذه هي السيناريوهات المطروحة حاليا، والتي تبقى واردة ما لم يطرأ أي جديد خلال الأيام القليلة القادمة، رغم أن المراقبين يستبعدون مع ذلك السيناريو الثالث، أي ذهاب الرئيس قيس سعيد إلى خيار استخدام الفصل 99 من الدستور، ما يعني أن مصير الحكومة ورئيسها سيبقى يترنح في دائرة الخلافات السياسية المُتشابكة قبل أن تحسمه حسابات المصالح الحزبية.

مشاركة :