دانييل ديمارتينو بووث * في السنوات التي سبقت عصر طفرة الاقتصاد العالمي الأخيرة، لم يكن السفر على قائمة أنشطة الأثرياء المتكررة. ومع ترسخ الأداء الاقتصادي وارتفاع الأصول المالية إلى مستويات عالية جديدة، ازدهر الاستثمار في قطاع السفر. ووفقاً لمجلس السفر والسياحة العالمي، فإن واحداً من كل 10 عمال في جميع أنحاء العالم، أو ما مجموعه 330 مليوناً، كانوا يعملون في قطاع السفر والسياحة قبل تفشي «كوفيد-19». وفي السنوات الخمس التي انتهت بنهاية عام 2019، كان القطاع مصدراً لواحدة من كل خمس وظائف على مستوى العالم.لكن محرك النمو هذا توقف كلياً عن الدفع بعد تفشي الوباء. وعلى عكس ما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر، يبدو أن الندب التي لحقت بالسفر والسياحة ستكون دائمة حيث تلغي الشركات ميزانيات السفر الضخمة، وتستغني عن تبادل الزيارات بهدف اكتساب الخبرات. وجاء في تقرير الوظائف الأمريكي الأخير أن العديد من هذه الوظائف لن تعود في أي وقت قريباً،هذا إن عادت.ويمكـــن ربط القــــوة السابقــــة لقطاع السفر والترفيه بمجموعة من العوامل الديموغرافية، والاقتصادية. فقد أدى عدم المساواة في الدخل إلى تركيز مستويات قياسية من الثروة في مجموعة صغيرة من الممولين، والشركات التي تنفق بحرية على رحلات الترفيه، والعمل. وفي الوقت نفسه، بدأ جيل الستينات من القرن الماضي بالتقاعد بأعداد كبيرة بينما ساد جيل الألفية الذي اعتاد اتباع أساليب حياة تتبنى السفر منهجاً. أضف إلى ذلك ظهور الطبقة الوسطى المزدهرة في الصين، التي كانت حريصة على رؤية العالم خارج حدود البلاد.ولا شك في أن التراجع الهائل في رحلات الأعمال من شأنه إلحاق الأضرار بالاقتصاد العالمي. فقد صممت نماذج أعمال شركات الطيران والفنادق استناداً لوجود مسافرين لديهم أرصدة مخصصة للسفر والترفيه بشكل ثابت. ويمكن استقراء نتائج تلك التحولات في منحنى الاستثمار في الأسهم، حيث كشفت دراسة لشركة «تريب» أن حجم الأوراق المالية المعززة بالرهن العقاري بلغ 86 مليار دولار، من أصل قيمة سوق العقارات البالغ 489 مليار دولار، منذ شهر مارس/ آذار، وبلغ نصيب كل من كاليفورنيا وفلوريدا 10% من الإجمالي. وتركز أكثر من نصف هذه القروض في العقارات كاملة الخدمات، ما يعكس الإقبال على العقارات الراقية التي تلبي احتياجات الأثرياء، ورجال الأعمال.وحذرت جمعية السفر الأمريكية في تقرير رفعته للكونجرس نهاية يوليو/ تموز، من الأضرار التي لحقت بالقطاع بعد فقدان ثمانية ملايين وظيفة، أو أكثر من نصف الوظائف المدعومة بالسفر قبل الوباء. وتسببت إعادة الانفتاح المبكر للعديد من قطاعات الاقتصاد في الدولة بتقليص السفر خلال أكثر المواسم ازدحاماً. ومنذ ذروة ما بعد الوباء في 4 يوليو/ تموز، انخفضت الرحلات الجوية بنسبة 5% وانخفضت الرحلات بالسيارة بنسبة 12%. أما معدلات السفر بشكل عام فقد انخفضت بنسبة 51%، ما أدى إلى خسارة إيرادات بقيمة 309 مليار دولار.وعلى الصعيد العالمي، فإن البلدان الأكثر تضرراً هي الأكثر عدداً. ووفقاً لمجلس السياحة العالمي، فإن الدول الخمس الأكثر اعتماداً على السياحة هي الدول الأكثر تضرراً، وتشمل المكسيك وإسبانيا وإيطاليا والصين وأستراليا. وقد تسبب سوء تعامل المكسيك مع الوباء وظهور الموجة الثانية من الفيروس في إسبانيا، بتفاقم أزمات قطاع السفر في هذه البلدان.وجاء في تقرير لمعهد التمويل الدولي، أن العديد من الأسواق الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على السفر والسياحة سوف تتلاشى. وعلى سبيل المثال، شكّل السفر أكثر من خُمس اقتصاد جامايكا في عام 2018. ونظراً لطبيعة انتشار الوباء على الخارطة الديموغرافية، ومع توقف شركات ملاحة بحرية بارزة عن العمل، تتزايد مخاطر كف جيل بـأكمله عن السفر، بعد أن كان يمثل العمود الفقري لحركة السفر، والسياحة العالمية. ورغم أن الاقتصاد الأمريكي أقل تأثراً بهذه المشاكل، حيث تمثل عائدات السياحة 8.6% فقط من الناتج الإجمالي، إلا أن مجلة «يو إس إيه توداي» قالت في تقرير لها إن قدرة السفر على خلق فرص العمل أكبر بكثير من قدرة غيره من القطاعات الأخرى. فكل مليون دولار من مبيعات سلع وخدمات السفر تولد ثماني وظائف لهذا القطاع بشكل مباشر. في المقابل، تولد كل مليون دولار من إجمالي مبيعات القطاعات غير الزراعية خمس وظائف في المتوسط.هذه المعطيات تفيد بأن تأثير تلاشي القطاع سوف يختلف من بلد لآخر. ويتجلى تأثير عامل الخوف في الرحلات الجوية العالمية التي ارتفعت بنسبة 17% قبل شهر، لكنها تراجعت منذ ذلك الحين، وانخفضت بنسبة 7% في الأسبوع الماضي.ولا شك في أن الموظفين الأكبر سناً تحملوا النصيب الأكبر من فقدان الوظائف بسبب الوباء، حيث فقد 2.33 مليون فوق سن 55 وظائفهم في الأشهر الخمسة حتى يوليو/ تموز، مقابل 1.97 مليون تم تسريحهم من فئة الأعمار دون سن 25. وهذا يبين حجم الكارثة التي تنتظر القطاع في السنوات المقبلة.* «بلومبيرج»
مشاركة :