يتجه الكثير من المصورين الصحافيين في مصر إلى شركات الإعلانات ومؤسسات مختلفة، باتت بحاجة إلى مصورين محترفين من أجل التسويق، للنأي بأنفسهم عن المشكلات التي يواجهونها بعد تشديد القيود على التصوير في الشارع. القاهرة - لجأ مصورون صحافيون إلى التصوير الآمن متمثلا في تصوير الإعلانات والمؤتمرات الصحافية والمنتجات المختلفة والترويج للفنانين، كحل لأزمة بطالة سببها التحول الذي يشهده الإعلام من صحافة الصورة إلى الفيديو، إضافة إلى مشكلات التصوير في الشارع، جراء قوانين الإعلام التي تشترط الحصول على تصريح مسبق قبل عملية التصوير. وتوجه مصورون أعضاء في نقابة الصحافيين للتعاقد مباشرة مع شركات متخصصة في هذه المجالات بعيدا عن الصحافة ومغامرات الشارع، التي لا تضمن الحرية والأمان في ظل الصورة الذهنية التي ترسخت بأن الكاميرا تبحث عن المشكلات لكشفها. وذهب البعض من العاملين في المجال باتجاه مسايرة التطورات التي أفسحت المجال أمام حاجة الصورة والفيديو إلى متخصصين في معالجتها قبل نشرها على المواقع الإلكترونية، وانغمس قطاع من المصورين في عمليات المونتاج والمونتير للفيديوهات التي بحاجة إلى متخصصين في صحافة الفيديو، بعيدا عن الصورة التقليدية. وقال محمود إبراهيم، وهو اسم مستعار لصحافي يعمل بمؤسسة حكومية بمصر، إن مهنة التصوير الصحافي طرأت عليها اختلافات عديدة ولم يعد عمل المصور يرتبط فقط بطلبات التصوير التي يُكلف بها من صحيفته. وقد يقتصر دوره أحيانا على عمل مونتاج بسيط للصورة التي تصل إلى الصحيفة من جهات مختلفة تمهيدا لنشرها بشكل احترافي، واختار البعض التصوير التجاري الذي يحقق أرباحا للمصور دون أن يتعرض للمضايقات من رجال الشرطة والمواطنين. وأضاف لـ”العرب”، أن شركات الإعلانات ومؤسسات مختلفة، باتت بحاجة إلى مصورين محترفين من أجل التسويق، وأنه التحق بالفعل بالعمل داخل شركة دعاية وإعلان بجانب عمله الصحافي، وعدد من زملائه يقتصر عملهم على تصوير الأعمال الفنية والمسرحيات ومباريات كرة القدم التي لا تشهد أزمات مماثلة لما يتعرضون له في الشارع من احتكاكات، تصل لحد المطاردات والاعتقال. ويفكر الصحافي الشاب جديا في ترك مهنة التصوير الصحافي والتفرغ للأعمال التجارية، التي تضمن له نجاحا لا يستطيع غيره من المصورين أن ينافسوه، فهو لديه رؤية نقدية للأشياء تساعده على توجيه الصورة بشكل جاذب يتماشى مع الصور التجارية، كما أن عمله في مجالات عدة يمكنه من النجاح في الشركات الخاصة التي يكون عملها سهلا مقارنة بالتصوير الصحافي، الذي أصبح محفوفا بالمخاطر. وأمام تقلص مساحات عمل المصورين، والتي زادت خلال تفشي فايروس كورونا وهدوء موجات الصخب السياسي في الشارع، بحث المصور الصحافي بالأهرام (حكومية)، نادر أسامة، عن وسيلة جديدة يمكنه من خلالها الاستفادة من خبرته بمجال التصوير وأنشأ قسم “فوتو اديتور” أو ما يعرف بـ”ديسك الصور” لتحسين جودة الصور المنشورة. وأوضح الصحافي الذي عمل بمجال التصوير الصحافي لمدة 15 عاما، أن القسم الذي أسسه مهمته مراجعة جميع الصور التي تأتي إلى الصحيفة من خلال المصورين أو وكالات الأنباء، أو الجهات المختلفة التي ترسل بيانات وصورا خاصة بها لاختيار الصورة الأكثر ملاءمة للموضوع. وأشار إلى أن تطور استخدامات أجهزة الهواتف المحمولة والتي بها إمكانيات للتصوير قد تفوق الكاميرات الاحترافية جعل التصوير متاحا لأي شخص في الشارع، ما منح العديد من المحررين إمكانية قيامهم بالتحرير والتصوير في الوقت ذاته، ولم تعد هناك حاجة لوجود المصور بجانب الصحافي في كثير من المناسبات، كما أن الموبايل يجنب الصحافي الكثير من الأسئلة حال استخدم الكاميرات التقليدية في الشارع، في ظل القيود التي تفرضها الحكومة على عملية التصوير. واختار أحمد مجدي، الذي يعمل حاليا مصمما للإعلانات، أن يترك مهنة التصوير بلا رجعة منذ عامين، بعد أن عمل في عدة صحف خاصة بينها “اليوم السابع” و”فيتو” و”الوطن”، حينما أدرك أن وجوده بالكاميرا في الشارع ليس مرحبا به من الجميع، بدءا من المواطنين ومرورا بأجهزة الأمن ونهاية بالصحف التي عمل فيها ووجهته نحو تغطية الفعاليات المغلقة. ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن جزءا من الأزمة الحالية يرتبط بعدم وجود دورات تدريبية للمصورين المحترفين توجههم نحو تنمية قدراتهم للتعامل مع التطورات التكنولوجية في مجال التصوير، وغياب الدعم الموجه إليهم لتقديم صور إبداعية مختلفة عن التي يحصل عليها أي شخص بحوزته هاتف محمول في الشارع. وأثار المصور الصحافي بجريدة الدستور، طارق الجباس، خلال شهر مايو الماضي جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية بعد أن نشر صورا له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مرتديا ملابسه المهندمة أمام عبوات الخضروات والفاكهة التي وضعها أمام منزله لبيعها. وعلق على صوره قائلا “حينما تكون صحافيا مسجلا في كشوف نقابة الصحافيين، ونمر بزمن كورونا وزمن الصحافة المتردي، ويكون لديك أبناء في كلية الطلب ومراحل تعليمية أخرى، يبقى الحل في البحث عن لقمة عيش ولو على عربة خضار”. ويؤمن المصورون الذين تواصلت معهم “العرب”، أن عين المصور الصحافي تختلف عن أي مصور آخر وبحثهم عن الأعمال التجارية لا ينفي ارتباطهم بالتصوير الصحافي حال كانت الظروف مواتية لعملهم، لأن الصورة تشكل أساسيات عمل الإعلام الحديث ولا يمكن الاستغناء عنها. ويرى خبراء الإعلام أن غياب المصورين عن الشارع لا يصب في صالح أحد، لأن الموضوعات الإنسانية التي تفرزها الصورة تسهل مهمة وصول الأجهزة الحكومية لها لمتابعتها والتعامل مع مشكلاتها، بجانب أن الصورة بإمكانها رصد العديد من المشروعات التنموية التي غيّرت من ملامح المدن والمحافظات المصرية، وأن مبرر الاحتياطات الأمنية المبالغ فيها تراجع بعد أن شهد الشارع هدوءا. وشدد مجدي إبراهيم، رئيس شعبة المصورين بنقابة الصحافيين، على أن الصحافة تقف على عتبة خطر اندثار المصورين بعد أن انخفضت أعدادهم بشكل كبير داخل الصحف، ولعل صحيفة الشروق (خاصة) التي يعمل رئيسا لقسم التصوير بها حاليا تضم فقط 4 مصورين بعد أن كان العدد 18 مصورا، والوضع ذاته ينعكس على باقي الصحف التي تقلص فيها العدد بشكل واضح. وأكد لـ”العرب”، أنه مع تقلص الأعداد هناك بطالة مقنعة للعاملين في مجال التصوير حاليا، وبعض المصورين يتواجدون على مكاتبهم لفترات تصل إلى أسبوع كامل دون أن تكون هناك طلبات تصوير لوجود مواقع كثيرة ليس مطلوبا التواجد فيها. وأطلقت وزارة الإعلام المصرية مبادرة حملت عنوان “خبر في صورة” بالتزامن مع يوم التصوير العالمي في 21 أغسطس، استهدفت إظهار مجالات التنمية المستدامة في البيئة والسياحة والاقتصاد الأخضر، والمدن الذكية وتطوير العشوائيات والقرى، عبر تدشين مسابقة شهرية لأفضل خمس صور يلتقطها الموهوبون في مجال التصوير الصحافي، ولم تنتبه للضوابط الصارمة، وتتبنى تخفيف القيود المفروضة. واعتبر المصورون الصحافيون إفساح المجال أمام الموهوبين للتصوير مقابل جملة من المحظورات التي يواجهونها إشارة إلى أن هناك أزمة ثقة مع المصورين المحترفين تدفعهم للتراجع عن خوض غمار النزول إلى الشارع، وأن التوجه المستقبلي سيكون مفتوحا نحو الصور التي تأخذ طابعا تسويقيا على حساب اللقطة الإنسانية التي تقلص تواجدها.
مشاركة :