خفف انتعاش زراعة الأرز الهوائي في سوريا من وطأة العقوبات الاقتصادية على البلد الذي يعتمد بصفة كبيرة على استيراد احتياجاته من الغذاء في ظل خضوعه لعقوبات غربية قوضت تحركاته التجارية ما ساهم في تحفيز القطاع الزراعي وبعث الأمل داخل الأوساط الاقتصادية. طرطوس (دمشق) - منحت انتعاشة زراعة الأرز الهوائي في سوريا الأوساط الاقتصادية فرصة للالتقاط أنفاسها بعد تسجيل المراحل التجريبية الأولية بمحافظة طرطوس الساحلية نتائج إيجابية واعدة ما عزز آمال تحفيز الاقتصاد في بلد مستورد للأرز ويخضع لعقوبات اقتصادية من قبل الدول الغربية. ويأتي ذلك في وقت تكافح فيه الحكومة السورية تداعيات قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو الماضي ما تسبب في عقوبات اقتصادية لدمشق شملت عرقلة عمليات التصدير والاستيراد داخلها ما أثر على الأمن الغذائي بفعل الاعتماد الكبير على استيراد الغذاء. ويعد هذا القانون إحدى خطوات الولايات المتحدة في معركتها الاقتصادية على النظام السوري المتهم بارتكاب انتهاكات واسعة خلال تسع سنوات من الحرب. وتستورد سوريا جميع احتياجاتها من الأرز بالعملة الصعبة، حيث لا توجد زراعة أرز عريقة في البلاد، وبدأت دراسات الأرز الهوائي في عام 2008 بينما في عام 2010 بدأت التجارب الميدانية على الأرض في حوض الفرات في شمال سوريا. ويختلف الأرز الهوائي المتحمل للجفاف أو غير المغمور بالمياه، عن الأرز الذي يزرع في الحقول المنخفضة والذي تغمره المياه. وفي عام 2015، تم نقل المشروع إلى سهل عكار بريف محافظة طرطوس شمال غربي سوريا حيث يتناسب المناخ والتربة وكذلك الرطوبة. واستمرت التجربة في “محطة بحوث زاهد” التي تديرها الحكومة السورية في محافظة طرطوس الساحلية حتى عام 2019، وتم اعتماد 4 أصناف فقط من بين 19 صنفا وذلك من قبل لجنة الاعتماد في وزارة الزراعة السورية. والبذور الأربعة المختارة هي من أصول وراثية مختلفة، وهي مصرية وأفريقية وإيطالية وصينية. ونسبت وكالة الأنباء الصينية شينخوا لرئيس محطة الزاهد لأبحاث المياه والري سمير الأحمد قوله إن “هذه التجربة تمت العام الجاري على مساحة من الأرض بهدف مضاعفة البذور الأربعة المعتمدة”. وتابع يقول إن “التجربة سيتم حصادها قريبا وسيتم تسليم بذور الأرز إلى “مؤسسة إكثار للبذار”. 50 في المئة نسبة واردات الأرز التي يمكن تغطيتها بفضل تنمية المحاصيل وادخار الأموال بعد ذلك، سيتم تسليم البذور للمزارعين لبدء زراعة الأرز الهوائي في أراضيهم في سهل عكار بحلول عام 2021. وأشار الأحمد إلى أنه “في غضون عامين، إذا نجحت النتائج، فسيتم زرع البذور في مناطق سورية أخرى”. وقال الأحمد إن “مشروع حصاد الأرز واعد بعد كل التجارب، مشيرا إلى أنه في حال نجاح المشروع بشكل كامل فإنه يمكن أن يعود بفائدة اقتصادية على البلاد ويوفر العملة الأجنبية التي تنفق على واردات الأرز”. وأوضح أنه “من خلال هذا المشروع الذي يعتبر بداية أو نواة جديدة، نحاول سد فجوة الاستيراد جزئيا، وإذا نجحت هذه التجربة يمكننا توفير بعض العملات الأجنبية خاصة في الظروف التي تمر بها البلاد”. وأضاف أنه “مع تنمية محاصيل الأرز الهوائي، يمكننا تغطية ما يصل إلى 50 في المئة من واردات الأرز وهذا شيء جيد لأن أي ادخار سيكون جيدا ويصب في مصلحة البلاد”. وقال الأحمد إن “تكلفة الأرز الهوائي ستجعله في متناول السوريين عندما يجد طريقه أخيرا إلى رفوف المتاجر في السوق المحلية”. وأضاف أن “تكلفة الحصول على الأرز غير المقشر وتكلفة ما بعد الإنتاج ستكون نصف ما يدفعه السوريون حاليا لشراء الأرز المستورد”. لكن الأحمد أشار إلى معوقات تواجه المشروع، أبرزها نقص معدات طحن الأرز، وهي خطوة حاسمة في مرحلة ما بعد إنتاج الأرز. والهدف الأساسي من نظام طحن الأرز هو إزالة القشور وطبقات النخالة، وإنتاج نواة أرز بيضاء صالحة للأكل ومطحونة بشكل كاف وخالية من الشوائب. وقال “إذا كان إنتاج المزارعين كبيرا، فلن تكون الآلات الموجودة بالفعل كافية”. وتابع الخبير الزراعي يقول إن “المشكلة الثانية هي أن محطة الأبحاث تستخدم نظام الري بالتنقيط في اختبار البذور الأربعة وهذا النظام المحدد قد لا يتوفر في أراضي المزارعين”. وتابع “ربما لا يتمكن المزارعون من إقامة نظام الري هذا وسيتعين عليهم إيجاد طرق أخرى متوافقة”. وفي الجانب المشرق للأمر، قال الأحمد إنه من خلال ملاحظتهم، لن تكون هناك مشكلة في المياه في سهل عكار. وأضاف أن بعض طلاب الجامعات يقدمون نماذج أولية للآلات التي يمكن استخدامها لطحن الأرز. وفي غضون ثلاث سنوات، يتوقع أن يحصل السوريون على الأرز الهوائي على أطباقهم في المنزل. وكان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة قد حذر في أحدث تقرير له من أن 2.2 مليون سوري إضافي قد ينزلقون نحو الجوع والفقر من دون مساعدة عاجلة. وقال البرنامج الأممي في تغريدة على حسابه في تويتر إن نحو 9.3 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي. مضيفا أنه دون مساعدة عاجلة يمكن أن ينزلق 2.2 مليون إضافي إلى خط الجوع والفقر. وتابع أن الغذاء الذي يقدمه أمر بالغ الأهمية لمساعدة العائلات التي لم يتبق لها شيء بعد سنوات من الصراع وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلاد. وتأتي تحذيرات برنامج الغذاء العالمي في وقت يكافح فيه السوريون بشكل عام لتأمين السلع الأساسية، وسط ارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب بسبب الحرب والعقوبات الغربية المفروضة على سوريا. حصاد الأرز يدعم الاقتصاد ويوفر العملة الأجنبية التي تنفق على واردات الأرز من الخارج وتشهد سوريا حربا دموية منذ أكثر من تسع سنوات أسفرت عن مقتل أكثر من 380 ألف شخص وتهجير الملايين في الداخل والخارج. ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133 في المئة منذ مايو 2019، بحسب برنامج الأغذية العالمي. وعلى مدى تسع سنوات من الأزمة، تعرض الاقتصاد السوري لتدمير واسع، وقبل تطبيق القانون، قدرت مؤسسات دولية ومحلية خسائره بنصف تريليون دولار. ولكن المركز السوري لبحوث الدراسات في أواخر مايو الماضي، قدر خسائر الاقتصاد منذ بدء الحرب عام 2011 وحتى مطلع هذا العام، 530 مليار دولار، ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي عام 2010. كما ارتفع الدين العام للبلاد ليتجاوز 200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يقترب معدل البطالة من 50 في المئة قياسا بنحو 15 في المئة في 2010. وأدت أزمة السيولة النقدية والاضطرابات في لبنان إلى انقطاع تدفق الدولارات إلى دمشق، في الوقت الذي تلاشت فيه قدرة إيران المختنقة بالعقوبات الأميركية على مد يد المساعدة. وتعيش الليرة أسوأ فتراتها منذ تفجر الأزمة قبل تسع سنوات، نتيجة أسباب أخرى مرتبطة بإحكام منع تهريب النقد الأجنبي من لبنان، مصدر الدولار الرئيس في سوريا، عبر حدود البلدين. ومنذ مطلع العام الجاري، يكون سعر صرف الدولار قد صعد مقابل الليرة بنسبة 60 في المئة، حيث أنهت الليرة تعاملات العام الماضي في السوق السوداء عند نحو 915 مقابل الدولار. ويؤكد محللو أسواق المال استنادا على تحرك قيمة العملة منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد حكم الأسد في 2011، أن الليرة فقدت أكثر من 34 ضعفا من قيمتها أمام العملة الأميركية، بعد أن كان سعر الدولار بمتوسط خمسين ليرة. ويعاني السوريون من ظروف معيشية صعبة مع تفشّي البطالة والفقر اللذين يشكّلان دليلا ملموسا على الاقتصاد المنهك، في ظل تقلّص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي. وهناك مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والإدارية، التي عصفت بنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مما جعل دمشق تدخل في متاهة من المشاكل لا يعتقد محللون أنها ستخرج منها قريبا. ولعل انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية، كان من أهم الأسباب، التي أثّرت سلبا على الدول الداعمة لدمشق، بسبب اعتمادها على تجارة الطاقةفي اقتصاداتها، وانخفضت على إثره مساعدات إيران النقدية لسوريا.
مشاركة :