«طاف بين المؤلفين وجال بين مصنفاتهم»... العلاونة يدوّن تجربته مع عوالم الكتاب

  • 7/27/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أقل ما يمكن أن تقول عن مؤلف هذا الكتاب «في الكتاب وأحواله» لمعده الأستاذ أحمد العلاونة، أنه خدين المعرفة، صديق للكتاب، ذو علاقة وطيدة به تليدة وحديثة، أثمرت هذا الكتاب الذي سنتناول الحديث عنه في هذا الفصل، فلولا قراءات المؤلف الواسعة والمستمرة مع عالم الكتب وخباياه، لما خرج بهذا المصنف الثَبْت الذي تتبع فيه عوالم واسعة في دنيا الكتب والتأليف، فوضع فيه من طرائف التصنيف، وتغيير عناوين الكتب وإهداءات الكتب والتشابه بين أسمائها، وكذلك تقديمات الكتب، والكتب التي نسبت إلى غير أصحابها، إضافة إلى المؤلفين الذين شرحوا مؤلفاتهم، أو اختصروها. يقول مؤلف الكتاب في معرض مقدمته: هذه أبحاث تتعلق بالكتاب وأحواله، استخرجتها من قراءاتي ومطالعاتي، أفضيت إليها بعد طول انتظار لنشرها، ووجدت بينها وشيجة رحم وسعيت إلى أن أصل الشيء بأشباهه ونظائره، فكان هذا المجموع الذي أرجو أن ينتفع به كل من يقرأه أو يحدث به، أو يلم بالنظر سريعاً أو بطيئاً بسطوره وكلماته. فمن قسم طرائف التصنيف أورد لبعض المؤلفين الذين لم يتموا كتبهم وأتمها غيرهم مثل كتاب «الدلائل» لقاسم بن ثابت العوفي، فأتمه أبوه وقد عمّر بعده، أما يوسف بن الحسن السيرافي فإنه أكمل كتاب أبيه «الإقناع» كذلك أحمد الخزرجي الذي صنف «أنوار الأفكار فيمن حل جزيرة الأندلس من الزهاد والأبرار» ولم يكمله فأتمه ورتبه ابنه محمد وفي العصر الحديث ألف الأديب محمد السباعي قصة «الفيلسوف» ولم يتمها فأكملها ابنه الوزير والروائي المصري يوسف السباعي، وهناك كتاب «معالم الأدب العربي الحديث» للباحث عمر فروخ الذي رحل دون أن يكمله فأتمه زهير فتح الله وحين نقف على المؤلفين الذي ذيلوا على كتبهم فمنهم ابن فارس الذي صنف «الفصيح» وتممه ب»تمام الفصيح» أيضاً الفتح بن خاقان صاحب كتاب «قلائد العقيان في محاسن الأعيان» الذي ذيله بكتابه «مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس» كما أن خير الدين الزركلي بعد أن صنف الأعلام استدرك عليه بالمستدرك الأول، تم اتبعه بالمستدرك الثاني، وهناك من ذيل على كتابه فكان الذيل أكبر من المذيل عليه مثل «الوافي بالوفيات» للصفدي ذيَّل به على كتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان وقد طبع الذيل في ثلاثين مجلداً بينما «وفيات الأعيان» في ستة مجلدات، وحين تتعمق في قراءة الكتاب تجد أن من طريف بعض المؤلفين أن يسموا أكثر من كتاب باسم واحد مثلما فعل الإمام السيوطي حين ألف كتابين باسم واحد هو «الاشباه والنظائر» أحدهما في النحو والآخر في الفقه، وفي عالم الشروحات هناك بعض المصنفين من له شرحان وأكثر لكتاب يجعل فيه شرح مؤجز للعوام والطلبة ويعمد في الشرح الثاني إلى التوسع للعلماء ومثله المحقق المعروف محمد محيي الدين عبدالحميد وضع ثلاثة شروحات وحواش على متن «أوضح المسالك إلى ألفيه ابن مالك» لابن هشام كان الأول منه مطولاً وجاء الثاني متوسطاً أما الثالث فقد كان وجيزاً، وإذا تأملت إلى بعض الكتب التي نسبت إلى مؤلفيها، أو نسب المؤلف إليها فهي أكثر من أن تحصى ومن أمثلتها: «المفضليات» للمفضل الضبي و»الأصمعيات» للأصمعي، و»الأربعون النووية» للإمام النووي أما ما جاء منها في الشعر فمنها «الشوقيات» لأمير الشعراء أحمد شوقي و»البدويات» للشاعر محمد عبده بدوي، و»الانصاريات» للأديب والشاعر عبدالقدوس الأنصاري و»القرويات» للشاعر القروي رشيد الخوري ومنها في النثر «الريحانيات» لأمين فارس الريحاني، و»الوجديات» للأديب محمد فريد وجدي و»البصاميات» وهي مختارات من الشعر والنثر للأديب العراقي صبحي البصام، وهناك طائفة من الأدباء والشعراء الذي خرجت كتبهم للقراء بخطوط مؤلفيها أو بخطوط غيرهم مثلما فعل كل من الشعراء عمر بهاء الدين الأميري وعبدالعزيز خوجه ومصطفى طلاس وعزيز أباظة وحسن قرشي وشفيق المعلوف وأدونيس ونزار قباني ومحمد إسماعيل جوهرجي ويفرد المؤلف فصلاً عن من رثى زوجته بديوان كامل. ويعقد المؤلف في هذا الكتاب باباً آخر عن بعض المؤلفين الذين عمدوا إلى تغيير عناوين مؤلفاتهم وهم من المعاصرين كالأديب والشاعر إبراهيم العريض الذي طبع كتبه: «»الأساليب الشعرية» و»الشعر وقضيته في الأدب العربي الحديث» و»جولة في الشعر العربي المعاصر» ثم أعاد طبعها في كتاب بعنوان «نظرات جديدة في فن الشعر» أما أحمد السباعي فقد أصدر كتابه «أبوزامل» في سيرته الذاتية ثم أعاد طبعة بعنوان «أيامي»، وكذلك الأديب والكاتب الإسلامي أحمد محمد جمال نشر ديوانه الوحيد تحت اسم «الطلائع» وما لبث أن غير اسمه في الطبعة الثانية إلى «وداعاً أيها الشعر» أما الشاعر بدر شاكر السياب فقد نشر دواوينه «أساطير» و»حفار القبور» و»المومس العمياء» ثم جمعها وأخرجها بعنوان «أنشودة المطر» وفي التاريخ يصدر المؤرخ العراقي جواد علي كتابه الشهير «تاريخ العرب قبل الإسلام» في ثمانية مجلدات وحين أعاد طبعه عدل عن تسميته القديمة وسماه «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» في عشرة مجلدات، والشاعر سميح القاسم نشر أحد دواوينه بعنوان «ويكن أن يأتي طائر الرعد»، ثم أعاد نشره بعنوان آخر هو «في انتظار طائر الرعد» والأديب طاهر الطناحي أصدر كتاباً بعنوان «على فراش الموت» تحدث فيه عن نهايات الأدباء وحين أعاد طبعه غير عنوانه إلى «الساعات الأخيرة» وكذلك الدكتور طه حسين حينما حدثت ضجة لكتابه «في الشعر الجاهلي» وصلت إلى ساحة القضاء، لجأ إلى تغيير عنوانه إلى «في الأدب الجاهلي»، أما الأديب عبدالكريم الجهيمان فقد أصدر موسوعته المهمة ذات العنوان «من أساطيرنا الشعبية في قلب جزيرة العرب» ثم أعاد طبعه بعنوان «أساطير شعبية في قلب الجزيرة العربية» كذلك الناقد العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم غير عنوان كتابه «المتخيل السردي» إلى عنوان «السردية العربية»، وطبع الأديب والناقد الأردني ناصر الدين الأسد كتابه «الاتجاهات الأدبية الحديثة في فلسطين والأردن» ثم أعاد طبعه بعنوان «الحياة الأدبية الحديثة في فلسطين والأردن حتى عام 1950م» كما أعاد الناقد المصري يوسف نوفل اسم كتابه «بيئات الأدب العربي» إلى عنوان «المكتبة العربية» وكذا الناقد عزالدين اسماعيل أخرج كتاباً بعنوان «في الأدب العباسي.. الرؤية والفن» ثم جعل طبعته الأخرى «في الشعر العباسي.. الرواية والفن». وحين يقف الأستاذ أحمد العلاونة في مبحث التشابه بين أسماء المصنفات يورد عدداً كبيراً من الكتب التي قد تكون جاءت تسمياتها من باب توارد الخواطر، أو ملاحقة لشهرة كتاب مسبوق مثل كتاب «الأحكام السلطانية» الأول منه للماوردي والآخر لأبي يعلى والسبق للأول، وكتاب «الله» الأول لعباس العقاد والآخر لسعيد حوى الذي تأثر بكتاب العقاد و»البخلاء» الأول للجاحظ والآخر للخطيب البغدادي وديوان «البواكير» جاء عنواناً لأكثر من ديوان لعدد من الشعراء هم: أنور العطار وبدر شاكر السياب وعبدالحكيم عابدين والشاعر القروي وبدوي الجبل، وكتاب «تاريخ الأدب العربي» لأحمد الزيات وعمر فروخ وشوقي ضيف، وكتاب «الديوان» للمازني والعقاد (بالاشتراك) ومثله للشاعر العراقي جمال الدين مصطفى وديوان «سامبا» لنزار قباني ولعلي الزيبق، وكتاب «قل ولا تقل» لجواد علي ولمحمد إبراهيم سليم وكتاب «معجم البلاغة العربية» لبدوي طبانة ولأحمد مطلوب وديوان «هديل الحمام» لبدر السياب ولغنيمة زيد الحرب، وديوان «هكذا أغني» لمحمود حسن إسماعيل ولسهاد داوود وديوان «الينبوع» لأحمد زكي أبو شادي ولسعدي يوسف ومعجم «لسان العرب» الأول لابن سينا والآخر لابن منظور، وموسوعة «خزانة الأدب» لابن حجة الحموي ولعبد القاهر البغدادي، وقصة «حي بن يقظان» لابن سينا والآخر لابن الطفيل، وكتاب «الديارات» لكلٌ من أبي الفرج الاصفهاني والشمشاطي والشابشتي. وفي باب آخر يعقد العلاونة فصلا عن بعض المؤلفين الذين تغير توجههم الثقافي بعد أن التمسوا كتاباً بعينه فسلكوا طريقاً في التأليف والكتابة غير ما كانوا عليه ومن هؤلاء مؤلف الكتاب أحمد العلاونة والدكتور عبدالعظيم الديب والصحفي والمترجم عبدالمنعم الزيادي واللغوي العراقي صبحي البصام الذي اتجه إلى التصحيح اللغوي بعد أن تأثر بكتاب صديقه وأستاذه العلامة مصطفى جواد «قل ولا تقل» ما جعله يستدرك عليه بكتاب «الاستدراك على قل ولا تقل».. ثم أخذ إلى التصحيح والاستدراكات على بعض كتب التراث أمثال: «الحيوان» للجاحظ، و»الأغاني» للأصفهاني، و»الأمالي» للقالي. ثم يتناول المؤلف ثلاثة فصول يعقدها حول كتاب «الأعلام» للأديب والمؤرخ الأستاذ خير الدين الزركلي تدور حول معجم الكتاب الواحد الذي سماه الزركلي بأسماء مختلفة مثل كتاب «الخبر والعيان» لخالد الفرج وهو مذكور باسم آخر «المذكرات» في تاريخ آل سعود وكتاب «كشف الحجاب في علم الحساب» لبطرس البستاني واثبت له «مسك الدفاتر» وكلاهما واحد.. كذلك معجم المصنفات المنسوبة خطأ في كتاب «الأعلام» وهي كثيرة منها كتاب «تاريخ الطائف» الذي نسبه إلى محمد سعيد بن أحمد الحضراوي. وجملة القول إن هذا الكتاب «في الكتاب وأحواله» يعد مرجعاً هاماً لكل الباحثين والدارسين وأصحاب البيبلوغرافيا لكونه يحدد هوية كل كتاب ومصيره وما تعرض له من تقديم أو تقريظ أو شرح أو اختصار أو تهذيب مع ذكر تاريخه أو نُسِب خطأ لغير مؤلفه أو تشابه اسمه مع اسم كتاب آخر أو طبع بخط مؤلفه.

مشاركة :