كِتابُ مكةَ بين هِمّةِ المؤلفين وزُهْدِ النّاشِرين

  • 6/25/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كِتابُ مكةَ بين هِمّةِ المؤلفين وزُهْدِ النّاشِرين حسن محمد شعيب إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل حينما تُذكر مكة أمُّ المَدائن يحضرُ زخمُ التاريخ وعَراقةُ الفكرِ والثقافةِ والتراثِ المُتراكم عبر العصور بقوّة ، وتتجلّى أمام المتأمّلِ الفاحِص قوائم من الأحداث والأعلام العِظامِ كالجبال الشامخات لا تُخْطِئها العيونُ ولا تمرُّ سحابةَ صيفٍ بل غيثاً يروي كل من ينهلُ بصدق ويغرف بإخلاص مما قسَمَ الله له من البركات . لقد اهتمّ المدوّنون والمؤرخون وغيرُهم بالتأليف عن مكة المكرمة ، وحَمَل هذا الشّرفَ رجالٌ كبارٌ من علماء البلد الحرام ومن المجاورين والحجاج الزائرين ، بل حرِص الكثيرون على تتمّة مؤلفاتهم في جوار البيت قاصدينَ البركةَ ومضاعفةَ الأجرِ ، وظلت مكةُ عبرَ العُصور قُرّةَ عينِ المؤلفين ؛ يؤرّخون أحداثها ، ويترجِمُون أعلامها ، ويصفون حَرَمها وآثارَها ، ويبسُطون مناقبَ أهلها ومَناهِل علمها ، وظلتْ حركة التأليف المكي متصلةً غالباً ومنقطعة أحياناً لأسباب متعدّدة بحسب الظروف السياسية والاقتصادية التي تمرّ بها خاصةً وأن مكة كانت ولايةً تابعة للدول الإسلامية المتتابعة ولم تستقلّ بذاتها كعاصمة للدولة الإسلامية إلا في العهد الهاشمي 1334-1343هـ وليتها سلمتْ من الاضطرابات السياسية ! ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال وصف الكتاب المكي بالقلّة إجمالاً ؛ فليس هناك مدينة في الدنيا كُتب عنها كما كُتب عن قبلة المسلمين قديماً وحديثاً ؛ ولعله يحضرنا ذلك المصنَّف الببليوجرافي الرائد للدكتور عبد العزيز راشد السنيدي المعنون :معجم ما أُلّف عن مكة المكرمة عبر العصور من إصدارات دارة الملك عبد العزيز عام 1426هـ بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمةً للثقافة الإسلامية ؛ حيث جمَعَ فيه كما يقول في مقدمته : كل ما استطاع الوصول إليه مما أُلّف عن مكة ، ومعالمها ، ومشاعرها المقدسة ، في المجالات التاريخية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والفكرية والأدبية والجغرافية وغيرها منذ فجر التاريخ حتى العام 1426هـ سواءً كانت هذه الكتابات من الوثائق والتقارير ، أو الأدلة والخرائط ، أو الكتب المختلفة ، أو الرسائل الجامعية ، أو الأبحاث والمقالات ، أو الندوات والمحاضرات ، أو غيرها باللغة العربية ، أو ما توصّل إليه مما كتب بلغات أخرى سواها بعد ترجمة معلوماتها إلى اللغة العربية مع الإشارة إلى لغتها الأصلية أمام عنوان كل مادة منها ، واقتضى ذلك ضمّ الكتب المعنية بفضائل ومناقب مكة ، وقبائلها وأنسابها ، والتراجم والسير ، وكتب الجغرافيا والمعالم والرحلات ، وما كتب عن حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم في مكة خاصة ، وتاريخ الحج بحوادثه ومناسكه. وكانت الحصيلة أن جمع – بحسب ما بلَغَ به جهدُه - في كتابه ( 5896 ) مادة مكيّة متعددة الأوعية وزّعها المؤلف على خمسة أقسام كالتالي : الوثائق والتقارير : وبلغت 143 مادة منها 21 مادة باللغتين العثمانية والتركية ، وثلاث مواد باللغة الإنجليزية ، ومادة واحدة بالفرنسية وأخرى بالإيطالية ، أما البقية فمكتوبة باللغة العربية . الأدلة والخرائط : وبلغت 28 مادة باللغة العربية سوى مادة واحدة باللغة التركية . الكتب : وبلغت 2008 مادة فقط 393 منها في عداد المخطوطات ، جاء منها 103 مواد باللغة الأوردية ، و 66 مادة من مجموع الكتب باللغة الفارسية ، و 33 مادة باللغة التركية ، و24 مادة باللغة الإنجليزية ، وثلاث مواد باللغة الفرنسية ، أما البقية فباللغة العربية ومعها بعض اللغات الأخرى . الرسائل الجامعية : وبلغ عددها 964 مادة منها 139 رسالة دكتوراة ، وعدد 822 للماجستير ، كتب باللغة الإنجليزية منها 43 مادة ، وباللغة التركية مادتان ، أما البقية فهي مكتوبة باللغة العربية . الأبحاث والمقالات : وقد بلغت 2755 مادةً منها 42 مادة كتبت باللغة الإنجليزية ، ومادة واحدة باللغة التركية ، أما البقية فجاءت باللغة العربية . هذا الكمّ الكبير من الكتب والرسائل والبحوث العلمية والمخطوطات ؛ كم طُبع منها ؟! وكم حُقّق منها وخرج للوجود ؟ وكم تُرجم من مُعْجمها إلى العربية ؟ وكم من فصيحها تُرجم إلى اللغات الأخرى ؟ تساؤلات تحُزُّ في النفس ألا تجدَ لها إجابةً شافية تُبشِّرُ بكتاب مكةَ منتشراً عبر الآفاق ! وبعد مرور عشر سنوات على إصدار هذا الكتاب نتمنّى على مصنّفه الدكتور عبد العزيز السنيدي أن يتمّم عشرَهُ باستدراك ما صدر من كتب وأبحاث ورسائل علمية حول مكة المكرمة خلال العقد المنصرم من عام 1426هـ حتى عام 1436هـ ، ولاشكّ ستكون هناك مادةٌ جيّدة وإن كانت قليلة نسبياً حسب ظنّي ؛ لأن الكتاب المكي يحتاج في هذا الحين إلى مزيد خدمة وعنايةٍ غابتْ عنه فترةً من الزّمَن للأسف الشديد . إن خدمة ثقافة وفكر مكة شرفٌ عظيم وفضلٌ من الله عميم ؛ كل الأسى والأسف أن لا يبادر إليه القادرُون ؛ فيُحرَمُوا أجراً تشرئبُّ له الأعناقُ في أرض المضاعفات الربّانية ، ورحِمَ اللهُ زماناً كانت تتزاحمُ فيه أوقافُ العالَمِ لخِدْمةِ كتابِ مكةَ تأليفاً ومؤلفينَ وطلاباً ودروساً ، يوم أن كانت مكةُ مَعرِضَ كِتَاب العالم الإسلامي ومُلتَقَى ثقافاتهِ وأفكاره . وحتى لا تكون الصورة سوداويةً متشائمة فإنّ هناك بعض الحلول والمقترحات لخدمة الكتاب المكي تأليفاً ومؤلّفين عبر نوافذ علميّة ومُبَادرات ثقافيّة مَرْجُوّةٍ يمكن أن تقدّمَ وتُسْهِمَ في نهضتِهِ إن أرادَتْ ذلك وسخّرَتْ إمكانيّاتِها بصِدْق وإخلاص ، ولعلي أُجْمِلُها فيما يلي : طباعة البحوث العلمية المحكّمة ورسائل الماجستير والدكتوراة عن مكة والتي تمتلئ بها كليات جامعة أم القرى وغيرها من الجامعات ، خاصةً وأنّ هناك رسائل علمية حصلتْ على توصياتٍ بالطباعة من قبل لجان المُناقشة ؛ فلماذا لا تُطبع ولا يكونُ في ميزانيّة الجامعة ما يسمَحُ بطباعتها ونشرها ؟! ولعلي أشير كذلك إلى الأبحاث المحكّمة المهمّة في مركز أبحاث الحج بالجامعة والذي يحوي الكثيرَ والمُثير من الدراسات المكيّة القيّمة التي لم تزَلْ مكبُوتةً في أدراجِ المَعهد مع أهميّةِ نَشرِها وبَثّها مطبوعةً لطلاب العلم المُهتمّين ، ومنها على سبيل المثال لا الحَصْر : دراسة ضخمة بعنوان تاريخ عمارة وأسماء أبواب المسجد الحرام حتى نهاية العهد العثماني إعداد : د.طه عمارة ، والصديق الشريف د.عدنان الحارثي ؛ وهي دراسة تاريخية حضارية خاصة بأبواب المسجد الحرام منذ فجر التاريخ حتى قبيل التوسعة السعودية الأولى ، وللحقيقة لم أقرأ دراسةً حتى الآن في سعتها واستقصائها وعمقها التاريخي ، ومثلها دراسةٌ أخرى بعنوان تاريخ الحج من خلال الحجاج المعمّرين دراسة تاريخية ميدانية من إعداد : د.سليمان عبد الغني مالكي ، ود.سعد الدين أوشال ؛ وهي للحقيقة أيضاً دراسة ميدانية نادرةٌ وعزيزةٌ في عيّناتِها وما قدّمَتْهُ من بيانات ثمينة . توجيه طلاب الدراسات العليا نحو البحث في الموضوعات التي تخدم الفكر والثقافة المكية في دراساتهم ؛ فالدارس بمكة ينبغي له سَدَادُ بعضِ الدّيْن عليه تجاه هذه المدينة المقدّسة ، بل إن الباحث المكي – من باب أولى – ينبغي أن تكون دراستُه في محيط مكة وموضوعاتها المتعدّدة الواسعة ؛ فأهل مكة أدرى بشعابها . تحقيق المخطوطات المكية المُكْتنَزَة بمكتبات مكة : مكتبة الحرم المكي ، مكتبة مكة المكرمة ( المولد النبوي الشريف ) ، مكتبة جامعة أم القرى ، وغيرها من المكتبات الخاصة والعامة ، وربما يكون الأجدى في ذلك توجيه جامعة أم القرى بمكة طلابَ الدراسات العليا لتولي هذه المهمة العلمية الصعبة كرسائل علمية ينالون بها درجاتهم . إعادة طباعة الكتب المكيّة المهمّة التي طُبعَتْ طبَعات قديمة ثم نفدَتْ وطالَ العهْدُ عليها ؛ فهناك كتب عن مكة ولكُتّاب وباحثينَ مكيّين طُبعتْ قبل عُقُود عديدة وباتَتْ في حُكم النّوادِر . أخيراً تكوينُ صندوقٍ لدَعْمِ طِبِاعة ونشر الكِتاب المكي ؛ فلا يخفى على الجميع عدد رجال الأعمال والتجار الكبار الذين شُرّفوا بالانتساب إلى هذا الجناب المكي والذين شَهِدُوا منافِعَهُ وأُكْرِمُوا ببَرَكاتِه الحِسيّةِ والمَعْنويّة ، وليت همّة الشيخ يوسف الأحمدي رجل الأعمال المعروف ببذلِهِ المكّي اللا محدود تتوجّه نحوَ دَعْمِ هذا الصندوق كمشروع ثقافي يُضاف لمشروعاتِهِ الخيرية المتنوّعة . * مِن آخِرِ السّطْر : مهما أُلّفَ عن مكةَ بمعالمها وفضائلها وتراجمها ، ومهما طُبعَ من كُتُبها وحُقّق من مخطوطاتها وتُرجم من نتاجها ؛ فسيظلّ أقلّ القليل ممّا تكتنزُه قبلةُ العالَمين من نفائِسَ ودُرَر ؛ إلا أنْ تتحرّك يدُ القَرَار العُليا بتأسيسِ وتَسْريعِ العَمَلِ في نَهْضةٍ حقيقيّةٍ للكِتابِ المكيّ بأعلى المُسْتَويَات والإمْكانَات اللائِقَة بالبيتِ وأهلِه ، والله من وراء القَصْد . # توقف واستئناف : قرّاء صحيفة مكة الإلكترونية الكرام ، مبارك علينا وعليكم شهر رمضان الكريم .. ألقاكم بمشيئة الله تعالى بعد عيد الفطر المبارك من جديد وأنتم بألف خير يا أحباب في ضيافة الكتاب . Shuaib2002@gmail.com

مشاركة :