في السياسة بشكل عام والأميركية تحديدا، يجوز لأميركا أن تقول إنها تدعم دول مجلس التعاون والدول المتحالفة ضد الخطر الإيراني القادم من اليمن من خلال جماعة الحوثيين التي استولت على السلطة بقوة السلاح. وفي نفس الوقت يجوز لرئيس أميركا أن يقول إن إيران لا تشكل خطرا على دول الخليج، وأن ما يهددها قد يكون داخليا. وفي عرف السياسة الأميركية لا يسمى هذا تناقضا وانما يدخل في باب (فن السياسة) ثم يأتي في وقت لاحق وقبل قمة كامب ديفيد التي سبقت الاتفاق النووي ليقول إن إيران تدعم الإرهاب. وفي نفس الباب يطالب الرئيس الأميركي الدول العربية بمحاربة النظام السوري بينما يقترح وزير خارجيته الحوار مع هذا النظام. قد تكون تلك أخبار قديمة، لكنها تتجدد حسب الأحداث فتأتي تصريحات وتطمينات وتوزيع أدوار محصلتها في النهاية أن السياسة ليس فيها صداقات دائمة وانما مصالح دائمة وأن الاقتصاد هو محرك السياسة، وأن أميركا لا تشذ عن هذا المبدأ. المحصلة الأخرى أن الأزمة العربية المزمنة لا يمكن الخروج منها الا بالتكامل والتضامن، والعلم، والعمل، وعدم الاستسلام لنظرية المؤامرة. المخرج هو الفعل وليس رد الفعل، هو المبادرة وليس الانتظار، هو القوة وليس التشكي، هو القرار وليس الحيرة، هو الخطط الاستراتيجية وليس القرارات الانفعالية. هو الإصلاح الشامل في كل المجالات. العالم يتغير من حولنا، العالم العربي يتمزق من الداخل. العدو الخارجي موجود لكن التضامن العربي مفقود. ظروف عربية صعبة تنتظر دورا تاريخيا تقوم به جامعة الدول العربية. إمكانات بشرية واقتصادية وثقافية وجغرافية هائلة تضمن لها دورا فاعلا مؤثرا في العلاقات الدولية وتفتح لها آفاق المستقبل لكنها إمكانات غير مستثمرة بالشكل الصحيح. في عام 1965 التزم القادة العرب في مؤتمر القمة بالدار البيضاء بميثاق التضامن العربي. الواقع العربي الآن يبحث عن ذلك الميثاق فيجده وثيقة محفوظة للباحثين. المؤامرات الخارجية وقوة ونجاح العدو ليست مبررا للعرب بقدر ما هي دليل ادانة. أشعر وأنا أكتب عن التضامن العربي أن القارئ يسخر ويتعجب ويتساءل: هل يوجد عالم عربي كي يتضامن؟ هذا سؤال واقعي تبرره حالة التمزق التي يمر بها العرب، لكن البديل عن التضامن هو الاستسلام أو فض الشراكة العربية والتحول الى العزلة، والمصالح الذاتية. حان الوقت كي يتخلص العرب من إسقاط أسباب فشلهم على الآخرين. تلك الدول التي نضعها في خانة الصديق تهمها مصالحها بالدرجة الأولى قبل مصالحنا، فلماذا لا يلتفت العرب الى مصالحهم؟ هل المطلوب من الدول الأخرى أن تكون عربية أكثر من العرب؟، الحل هو في القوة الذاتية والقرار المستقل، والرؤية السياسية الواضحة، وليس انتظار ما يفعلون وما يقولون ثم ضياع الوقت العربي في المقارنة بين الأقوال والأفعال.
مشاركة :