الدار البيضاء - وجدت الأسر المغربية نفسها أمام خيارين أحلاهما مر، وسط عدم استقرار الوضعية الوبائية وتسجيل أرقام الإصابات بفايروس كورونا معدلات قياسية؛ لأن الحسم في مصير أبنائها الدراسي ليس بالأمر الهين، حيث ترى هذه الأسر أن التجربة التي عاشتها خلال فترة الحجر الصحي لا تحفز على تكرارها من جديد، بكل تداعياتها الاجتماعية والقانونية والتربوية. وكشف استطلاعُ آراءِ مجموعةٍ من الآباء، أجرته وكالة المغرب العربي للأنباء على مستوى جهة الدار البيضاء – سطات، أن الاختيار بين نمطيْ التعليم الحضوري والتعليم عن بعد مسألة بالغة التعقيد بالنسبة إلى أولياء الأمور، الذين عليهم الاختيار بين سلامة أبنائهم الصحية وبين تحمل عناء وتبعات التعليم عن بعد على مستقبلهم الدراسي. وأدى هذا الترجيح إلى انقسامات عميقة في الآراء، بسبب صعوبة المهمة التي ألقيت على عاتق الآباء في غياب معايير دقيقة يمكن الاعتماد عليها في تحديد الاختيار، بمراعاة ثلاثة محددات محورية تهم صحة التلاميذ والأطر التربوية، وتعبئة الموارد الضرورية، واستمرارية المدرسة. ويرى “س.د “، أب لطفلتين تدرسان في إحدى المؤسسات العمومية بمديونة، أن قرار وزارة التربية الوطنية افتتاح الموسم الدراسي يوم 7 سبتمبر الجاري هو قرار متسرع وغير إيجابي، لعدة اعتبارات ترتبط “بعدم استقرار الحالة الوبائية، وارتفاع حالات الإصابة بالعدوى بشكل مطرد، والتخوف الكبير لأولياء التلاميذ على أبنائهم من الإصابة بفايروس كورونا المستجد”. وفي ما يتعلق بإمكانية التحاق بناته بالمدرسة في الظرف الراهن، قال إن “هذا الخيار يبقى مستبعدا جدا، ولا يتعلق الأمر هنا بمزايدة”، معتبرا أن “الظروف الصحية غير مواتية لالتحاق التلاميذ بمؤسساتهم التعليمية”. أما في ما يتعلق بالدراسة عن بعد فيرى أنها “جاءت بنتائج عكسية خلال الموسم الماضي بدليل أن الوزارة لم تقم بإدراج المواد الدراسية في امتحانات نيل شهادة الباكالوريا بعد إعلان الحجر الصحي”، معربا عن اعتقاده أنه كان من باب أولى أن يتمّ “تأجيل الدخول المدرسي”. ومن جهتها تشدد “س.ن”، أم لتلميذ في السنة الأولى باكالوريا بالتعليم العمومي في الدار البيضاء، على أنه “مع كورونا، وفي زمن هذا السيل العارم من الصعوبات التي أصبحت تنتاب حياتنا، يطفو على السطح سؤال التعليم وطرق التعلم، وإشكالية البدائل والوسائط والحلول، ومن يتحمل المسؤولية؟ هل الأم أم الأب أم الأستاذ؟ فالأمر أصبح يتعلق بالصحة كأساس للتعلّم”. التعليم عن بعد لا يمكن التعويل عليه كآلية لنشر المعلومة، بل إنه يسهم في حصرها على فئات اجتماعية تتوفر لها الإمكانيات التعليم عن بعد لا يمكن التعويل عليه كآلية لنشر المعلومة، بل إنه يسهم في حصرها على فئات اجتماعية تتوفر لها الإمكانيات وخارج كل النقاشات حول منهجيات التعليم الملائمة وطبيعة الإمكانات المرصودة لكل خيار تعتبر هذه الأم، وانطلاقا من تجربتها في قطاع التعليم الثانوي لأزيد من عقدين، أن “التعليم الحضوري إذا توفرت له شروطه فهو الصواب”، مبرزة في المقابل أن “التعليم عن بعد يبقى خيارا غير عادل، ولا يمكن التعويل عليه كآلية لنشر المعلومة وتوزيعها، بل إنه يسهم في حصرها على فئات اجتماعية تتوفر لها الإمكانيات المادية والتعليمية ليتابع أبناؤها تعليمهم عن بعد”. ويوضح الأخصائي في علم النفس الاجتماعي محسن بن زاكور، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الإشكال الرئيسي هنا هو انعدام وجود معايير حقيقية تساعد الأسر على الاختيار، وأمام هذا الغياب لا يبقى أمامهم سوى اختيارين، فإما الاستناد إلى معيار الخوف، وبالتالي اختيار التعليم عن بعد، أو الإعياء والتعب النفسي بسبب التجربة التي خاضتها الأسر خلال فترة الحجر الصحي، فيكون التعليم الحضوري هو الحل الأمثل حسب رأيها. ويرى بن زاكور أن الاختيارات لا ينبغي أن تنبني على الرغبات أو العواطف، بل لا بد من امتلاك آليات تساعد على اتخاذ القرار المناسب لمصلحة الأبناء، معتبرا أنه يتعين في هذه الحالة الأخذ في الاعتبار المرحلة العمرية للتلميذ. وأشار إلى أن عدة دراسات مختصة تؤكد أن الأطفال الذين أعمارهم أقل من عشر سنوات لا خوف عليهم أو منهم في ما يخص انتقال العدوى، وعليه يمكن السماح لهم بالتعليم الحضوري شريطة الانضباط الحازم والامتثال للتدابير الاحترازية الموصى بها في هذا الشأن. كما نبه إلى أن الطفل في هذه المرحلة يحتاج إلى الاحتكاك والتعلم من خلال القرين، واكتساب المهارات انطلاقا من المحيط، ناهيك عن حاجاته النفسية، وفي مقدمتها الحاجة إلى الانطلاق وعدم الخضوع للقيود، وهو ما يستتبع مجهودا جبارا من الآباء والمؤطرين لتحفيز الطفل على التقيد بتدابير السلامة الصحية. أما بخصوص التعليم عن بعد، فيذهب بن زاكور إلى أن هذا الاختيار يبقى مرتبطا بتوفر الشرط الاجتماعي والقدرة على ضمان بيئة تعلم ملائمة، والمقصود بالشرط الاجتماعي قدرة رب الأسرة على توفير الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية لكل طفل داخل الأسرة، وتأمين مجال للتعلم يلائم احتياجات الطفل، إضافة إلى أن نجاح هذه العملية رهين بخلق مناخ تعلّمي شبيه بالمدرسة، مؤكدا أن هذا الخيار يبقى مناسبا بالنسبة إلى الفئات العمرية التي تجاوزت عشر سنوات. كما يقترح بن زاكور تقسيم المهام داخل الأسر، واعتماد التناوب، والحرص على التواصل المستمر مع الأساتذة للتوافق حول الطريقة التعليمية المناسبة، دون خلط بين توجيهات الأستاذ وولي الأمر. ويرى أنه لا بد للآباء والأمهات أن يطوروا طريقة تعاملهم مع الجانب الإلكتروني، ومرافقة الطفل خلال مرحلة الدراسة لضمان مسيرة تعلّمية سليمة للطفل. وينبه إلى أنه داخل البيت لا ينبغي أن يتحول الأب أو الأم إلى أستاذ، ويجب الحفاظ على موقع المدرّس كمرجع أساسي للعملية التعليمية، علاوة على إدماج الطفل في أنشطة موازية تضمن له نوعا من الراحة النفسية المطلوبة لمواصلة التعلم داخل البيت، وتوفير بيئة شبيهة بالقسم حتى نبقي الطفل داخل وسطه الأصلي.
مشاركة :