حماس تضع المقاومة في يد المال القطري بموافقة إسرائيلية | أحمد جمال | صحيفة العرب

  • 9/7/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يجمع المراقبون السياسيون على أنه كلما تراجع مؤيدو حركة حماس عن دعمهم للمقاومة، عادت قياداتها لترديد خطاب قديم، يتضمن التهديد والوعيد بالتخلص من الاحتلال الإسرائيلي، ويتجاهل هؤلاء أن أحداث الأسابيع خصمت جزءا جديدا من رصيدها الشعبي في فلسطين وخارجها، لأنها رهنت المقاومة بتصورات قطرية، يهمها توثيق العلاقات مع إسرائيل ووضع أقدامها في القطاع، وغض الطرف عن الحصار والمصالحة الوطنية، وكل القيم المركزية التي تجعل القضية حية في وجدان الشعوب العربية. القاهرة- توقفت البالونات الحارقة التي تطلقها حماس ومقاومتها باتجاه المستوطنات تدريجيا، ما أن وافقت قطر على استئناف المعونة المالية التي ترسلها إلى حكومة حماس في قطاع غزة، وتم التوصل إلى تفاهمات لم يعلن عن تفاصيلها لاحتواء التصعيد الحمساوي من دون أن يؤدي إلى خسائر فادحة على الجانب الإسرائيلي. واعتبر رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة السفير محمد العمادي، في تصريحات له الخميس، أن وجود الدوحة في غزة صمام أمان لمنع اندلاع حرب، واعترف أنها دفعت 34 مليون دولار أخيرا لمنع كارثة إنسانية وشيكة كانت ستحل بالقطاع، وتدرس كيفية استمرار المعونة خلال الأشهر المقبلة. ولم يعد هدف سلاح المقاومة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كما هو معلن في جميع خطابات حماس التي تزعم أنها الوحيدة القادرة على ضمان حقوق الشعب الفلسطيني، فقد تبدل الهدف بعد أن أضحى وسيلة ضغط لاستمرار ضخ الأموال القطرية عبر إسرائيل، لإدراكها أن توقف دولارات الدوحة يعني انتهاء هيمنة الحركة على القطاع. تجارة سياسية طغت الحسابات الداخلية لحماس على كل الأهداف الأخرى بعد أن تفاقمت فيه الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في غزة، وتراجع اهتمام المجتمع الدولي، لأن الحركة لم تسهدف تحسين أوضاع المواطنين، بقدر رغبتها في استمرار الهيمنة عليه، وهو أمر دفع قطر للدخول على خط الأزمة لإنقاذ حماس والحفاظ على مكتسباتها، ومحاولة إيجاد دور للدوحة من خلال ضخ دولاراتها بانتظام. وعمدت حماس المتاجرة بالقضية الفلسطينية للحصول على مزايا سياسية تمكنها من الهيمنة على غزة، وضمان تدفق الأموال إلى عناصرها وقياداتها، بما يجعلها قادرة على دفع رواتب الآلاف من العناصر المسلحة المنضوية تحت ألوية كتائب عزالدين القسام، والذين يشكلون وقودا خاملا يجري التلويح به كلما احتاجت إلى الأموال. سمير غطاس: التنسيق الأمني بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية واضح سمير غطاس: التنسيق الأمني بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية واضح ولجأت الحركة للتغطية لرهن سلاحها بيد المال القطري، إلى الخطب الرنانة لبقاء صورتها براقة أمام أنصارها، لعل ذلك ما ظهر الجمعة، في كلمة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، في أثناء لقائه شخصيات تمثل اللاجئين الفلسطينيين والقوى الوطنية في لبنان، حيث ردد أن المقاومة المسلحة تقع ضمن الأولويات الاستراتيجية. وحاول هنية تحسين صورة المقاومة، التي اهتزت في السنوات الأخيرة، زاعما أن هدفها تحرير كل فلسطين، متجاهلا أن حركته كرست فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وكانت سببا مباشرا في تفشيل المصالحة ورأب الصدع في الجسم الفلسطيني. وأمعن الرجل في الحديث عن الارتقاء بسلاح المقاومة وتطوير منظومة الصواريخ التي لم تستخدم فعليا، حيث اكتفت الحركة باستخدام البالونات الحارقة فقط، وافتقد كلامه عن انتهاج استراتيجية “مراكمة القوة” للمنطق، لأن الحركة لم تطلق رصاصة واحدة منذ أن أعلنت الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل. ويريد الخطاب الحمساوي التغطية على فضيحة رهن المقاومة بدولارات قطر، والإيحاء بأنها عازمة على مواصلة الطريق، ولن تقبل الخضوع لمساومات أو الرضوخ لتنازلات، تضع إرادتها المادية في يد الدوحة. واستطلعت “العرب” آراء عدد من المحللين والمراقبين، بشأن مستقبل سلاح المقاومة، وجاءت غالبية ردودهم في خانة أن حماس لم يعد ضمن أهدافها الدخول في صراعات وحروب طويلة مع إسرائيل، وكل ما تستهدفه الضغط على الطرف الإسرائيلي واستخدامه كأداة لإقناع قطر في الاستمرار بدفع الأموال المطلوبة شهريا. وكشفت طريقة التصعيد الأخيرة، وجاءت مختلفة كثيرا عن سوابقها، عن توظيفه فقط لاستئناف ضخ الأموال القطرية بموافقة اسرائيلية، حيث يحاول مسؤولون في تل أبيب مع الدوحة ونجحوا في استعادة المنحة التي تتخذها قطر ذريعة لتوطيد علاقاتها مع حماس وإسرائيل، وتزج بنفسها في خانة الوساطة مع أو دون مصر. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة مخيمر أبوسعدة، إن “قطر قدمت إلى حماس حوالي مليار ونصف مليار دولار، منذ بدء الانقسام الفلسطيني، وتلك الأموال استهدفت تقوية شوكة الحركة في مواجهة السلطة الوطنية بقيادة محمود عباس، وتطور الأمر بعد حربي 2014 و2018، ليصبح المال القطري لاعبا رئيسيا في عدد كبير من قرارات الحركة”. وأضاف أبوسعدة في تصريح لـ”العرب”، أن قطر قدمت وعودا إلى حماس بزيادة المنحة الشهرية، وتقدر بنحو 30 مليون دولار، لتصل إلى 43 مليون دولار، خلال التفاهمات الأخيرة التي دفعت الحركة للتهدئة مجددا، على أن يكون ذلك لمدة 6 أشهر قابلة للتمديد، وتوزع هذه الأموال على محطات الكهرباء لتشغيلها، وعلى العائلات الفقيرة وموظفي حماس، ومشاريع البنية التحتية في القطاع. التفاف على المقاومة الحقيقية قد لا يذهب تدفق المال القطري مباشرة إلى الكتائب المسلحة التابعة لحماس، حيث تحرص الدوحة على ذلك، مع ذلك وجهت إليها اتهامات بدعم الإرهاب، فبدلا من أن تصب الأموال في جيوب المواطنين ودفع رواتب أكثر من 50 ألف موظف يتبعون للحركة توجه إلى الدعم العسكري الذي تقلص أيضا بصورة كبيرة. وأكدت محطة الأخبار الإسرائيلية الرسمية “كان”، منتصف أغسطس الماضي، أن تل أبيب أوعز ت للدوحة دفع الأموال لحماس لوقف إطلاق البالونات الحارقة، وأن رئيس الموساد يوسي كوهين أجرى محادثات مع مسؤولين كبار في الدوحة. قطر قدمت وعودا إلى حماس بزيادة المنحة الشهرية، وتقدر بنحو 30 مليون دولار قطر قدمت وعودا إلى حماس بزيادة المنحة الشهرية، وتقدر بنحو 30 مليون دولار وأشارت المحطة الإسرائيلية إلى أن الموساد على صلة بتحويل الأموال إلى حماس، الأمر الذي من شأنه إحلال الهدوء، مؤكدة أن إسرائيل تريد “مواصلة قطر نقل الأموال خلال الأشهر المقبلة”. وأوضح رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية سمير غطاس، أن قادة حماس لا يتحدثون عن علاقتهم بإسرائيل التي تمر عبر السفير محمد العمادي، وأن قطر ساعدت حماس في التوصل لمزيد من التفاهمات مع إسرائيل بفعل الأموال التي تصل إلى غزة عبر مطار تل أبيب وفي حراسة جنود الاحتلال. وأشار لـ”العرب”، إلى أن التنسيق الأمني بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية أضحى واضحا ويظهر في مناسبات عديدة، ففور وصول الأموال إلى غزة تتحرك الأجهزة الأمنية التابعة للحركة نحو الشريط الحدودي لوقف كل تصعيد محتمل، ووجهت السلاح الذي تخزنه في أماكن يعلمها الاحتلال لقمع المواطنين. ويؤمن غطاس بأنه لم تعد هناك مقاومة مسلحة في غزة، وما يحدث بين حين وآخر مناوشات لأجل الابتزاز والحصول على المال بما يجعل حماس قادرة على الوفاء بتعهداتها لمتساكني القطاع الذين كسروا حاجز الخوف ونظموا مظاهرات عديدة رفضا لممارسات الحركة في حقهم، حيث أسرفت في استخدام الأساليب القمعية لتنفيذ إجراءات مواجهة فايروس كورونا. ويحقق المال القطري جملة من مصالح إسرائيل في منع إقامة دولة فلسطينية، بدليل توجيه المال إلى حماس وليس قيادة السلطة الوطنية في رام الله، في ظل وجود توافقات قطرية إسرائيلية لتبقى الحركة على رأس السلطة في غزة، ولولا وصول الأموال لكانت التظاهرات اندلعت وغيرت من موازين القوى السياسية الحالية في القطاع. وتبقى هناك جملة من الشواهد، تؤكد أن المال القطري يستهدف تمويل قادة حماس لضمان الولاء للدوحة، وهو ما يظهر في المواكب الفارهة وحياة الترف والبذخ التي يلاحظها أبناء غزة على الكثير من القيادات التي أضحت تعيش في مأمن من الاستهداف الإسرائيلي عقب تفاهمات عديدة جرت الفترة الماضية. تعد مرجعية قطر المالية لدعم حماس ليست إيمانا بما تعلنه من حركة تقاوم سلطات الاحتلال، إنما لانتهاج سياسة مناهضة للسلطة الفلسطينية التي تحظى بتأييد المجتمع الدولي في تمثيل الشعب الفلسطيني. ولفت الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية منير أديب، إلى أن قطر اشترت ولاء حماس بدعم مالي مثلما الحال مع غالبية الحركات الدينية، وجماعات الإسلام السياسي، وتستغل الحاجة للمال لتعظيم دورها وتحقيق أهدافها. وأشار لـ”العرب”، إلى أن الشعارات التي ترفعها أنظمة سياسية وتيارات دينية للانتصار للقضية الفلسطينية عبر استخدام سلاح المقاومة، هي الداعم الكبير لإسرائيل لأنها لا تقدم حلولا عملية على الأرض وتسهم في استهلاك الوقت دون أن تقدم إنجازا حقيقيا، ما يصب في مصلحة إسرائيل، الأمر الذي تنتهجه كل من قطر وتركيا وإيران منذ سنوات بحثا عن نفوذ لها في المنطقة، عبر دغدغة مشاعر المواطنين الذين ينجرفون خلف الخطب الرنانة. رئيس حركة حماس إسماعيل هنية وظف زيارته إلى لبنان من أجل تحسين صورة المقاومة الغائبة عن ساحات القتال وتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب، أن تذهب حماس باتجاه موالاة الدولة التي تقدم لها الدعم المادي أكثر مما تقدمه قطر، شريطة ألا تكون ضمن الدول المعروف أنها تنتمي إلى محور الاعتدال العربي، والذي لا يحقق رغبتها في الاستمرار على رأس السلطة في غزة. وحذر في تصريح لـ”العرب”، من خطورة المال القطري، الذي يحاول استقطاب السلطة الفلسطينية، ممثلة في الرئيس محمود عباس، وقد يرضخ لهذا المحور بجذب قوي من أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، الذي تلقى وعودا قطرية بأن يكون على رأس السلطة الفلسطينية مستقبلا. وتمارس الدوحة لعبة سياسية خطيرة من خلال ضخ أموالها لحماس فقط، وتكسر ظهر المقاومة الحقيقية، وتشوه صورتها أمام الشارع الفلسطيني، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل، التي تحقق أهدافها باستمرار الانقسام، فوضع دولارات قطر في جيوب فصيل دون آخرين يكفي لتفجير المزيد من التناقضات الداخلية. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :