معلوم أن العلاقة الزوجية التي وصلت إلى طريق مسدود واستنفدت كل محاولات الصلح، غالبا ما تنتهي بالتباغض والخلافات وتبادل الشتائم بين طرفيها، إلا أنه وفي حادثة تعتبر غربية على المجتمع التونسي نشر زوجان تونسيان صورة سيلفي جمعتهما مباشرة بعد نهاية جلسة الطلاق وهما يبتسمان أمام المحكمة في العاصمة تونس. وأثارت هذه الحادثة جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ورافض لهذا السلوك المخالف للعادات المرافقة لأحكام الطلاق، فهل يعكس “سيلفي الطلاق” بداية تغيّر ثقافة الانفصال في تونس؟ تونس - تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صورة للطليقين وليد شكري وخولة حامد التي قاما بنشرها على فيسبوك، وأضافا لها تعليقا جاء فيه “أخيرا انفصلنا.. لسنا نحن السيئين.. بل الزواج هو السيّء”. واختلفت الآراء بين من اعتبر ذلك سلوكا إيجابيا وبين من رأى أنه ظاهرة دخيلة على المجتمع التونسي. وتفاعل الكثير من رواد موقع فيسبوك على “سيلفي الطلاق”. وعلق أحد النشطاء قائلا “الطلاق اتفاق يُشكل نتيجة طبيعية لإرادة الزوجين في وضع حد لعلاقتهما الزوجية دون تشنجات أو مزايدات، بل إن هذا النوع من الطلاق يعتبر البديل النموذجي والحضاري لظاهرة التصادم والمواجهة في أثناء حلّ ميثاق الزوجية”. وانتقد كثيرون مصطلح “الزواج السيء”، معتبرين أنه قد يحيل إلى فهم خاطئ بأن العلاقة خارج إطار الزواج أفضل وأكثر أريحية. وقالوا إن حديث الطليقين عن كون الزواج هو الأمر السيء، فيما نفيا تهمة السوء عن نفسيهما، يبعث برسالة خاطئة إلى المجتمع والشباب، لأنه يصوّر مسألة الارتباط وتكوين الأسرة بمثابة شرّ مطلق، في حين أن الأمور ليست على هذا النحو. أما المدافعون عن الطليقين فرأوا أن صاحبي السيلفي، أي خولة ووليد، جسدا الاحترام الكامل لأنهما أنهيا العلاقة في إطار ودّي، ولم يقولا سوءا عن بعضهما البعض بخلاف حالات طلاق كثيرة. وأبدى معلقون آمالهم في أن يتمكن الأزواج من حل مشاكلهم بشكل هادئ، عوض الدخول في حالة من العداء، وهو ما تفاداه الطليقان، بل واستطاعا أن ينهيا كل شيء ويلتقطا سيلفي أمام المكان الذي كان شاهدا على نهاية ارتباطهما. وتساءل البعض عن الإشكال من هذا التصالح بين الطليقين، وهل من الضروري أن يتشاجرا ويسيئا لبعضهما البعض، مستدلين في ذلك بقول الله تعالى “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”. ويرى هؤلاء أن الكثير من التعليقات جاءت من منطلق سوء الظن، مؤكدين أن هذا الأسلوب في الانفصال متحضر، وينبع من قناعة الطرفين باستحالة إتمام مسيرتهما معا. وقال مختصون إن العادة جرت على ربط الصور بالسعادة والفرح، إلا أن التقاط الطليقين التونسيين لصورة السيلفي التي تعبر عن سعادتهما بهذه النهاية التي تعتبر مأساوية بالنسبة للكثيرين، لا يمكن تقبله بسهولة في مجتمع يولي استقرار العلاقة الزوجية أهمية ويبغض الطلاق رغم انتشاره بصفة ملحوظة في تونس. وعلق وليد شكري على الجدل الواسع الذي أثارته الصورة قائلا، إن موضوع الطلاق هو موضوع شخصي يهمّ شخصين فقط وهما الزوج والزوجة، أي طرفا العلاقة الزوجية وليس من حق أي إنسان أن يتدخل في هذا القرار. التقاط الطليقين التونسيين لصورة السيلفي التي تعبر عن سعادتهما بهذه النهاية، لا يمكن تقبله بسهولة التقاط الطليقين التونسيين لصورة السيلفي التي تعبر عن سعادتهما بهذه النهاية، لا يمكن تقبله بسهولة وقال موضحا “هما فقط من يعرفا الأسباب الحقيقية وليست الأسباب التي تقال للناس. وأضاف”بالنسبة إلينا قررنا الطلاق ونبقى صديقين ونتبادل الاحترام”. وتابع “جرت العادة أنه عندما يصدر حكم الطلاق يتبادل الطليقان العنف اللفظي والمادي، على الرغم من أن الأمر لا يستحق وكل شخص له حرية اختيار القرار الذي يناسبه”. ونشرت خولة حامد على صفحتها على فيسبوك هي الأخرى تقول “وسط الفوضى دائما هناك شيء جميل ينسيك الأشياء السيئة، والأشخاص المرضى، المئات من الرسائل التي وصلتي وكلها كلام جميل له مفعول البلسم على الجرح”. وأضافت “للحظة صدمت وخفت فهل لهذه الدرجة الاختلاف مرفوض حتى لو كان إيجابيا! وهل لهذه الدرجة نشعر بالقلق عندما نرى طرفين يحترمان بعضهما بعد نهاية العلاقة الزوجية التي كانت تربطهما بالتراضي”. وتعجبت قائلة “كيف يمكن للناس أن يتحدثوا عن شخصين لا يعرفانهما بمجرد رؤيتهم لصورة! لا أحد يعرف ظروفنا وحياتنا وتجربتنا في الزواج”. وتابعت موضحة “لأكثر من 3 سنوات يعيش كل طرف في مكان، كما أننا لم نتمكن من العيش مع بعضنا البعض حياة طبيعية مثل أي زوجين”. وأكدت أن “سعادتهما بنهاية العلاقة أخيرا وكل طرف سوف يبدأ حياته من جديد يعتبر أمرا عاديا لا يتطلب كل هذه الضجة والتعليقات السلبية”. وقالت حامد للأشخاص الذين انتقدوا هذه الصورة “لو نشرت صورا تبرز تعرضي للعنف وتتضمن الشتائم لوجدت الكثير من التعاطف، فالكثيرون يعتبرون هذا الأمر عاديا، أما بالنسبة لشخصين متحضرين اختارا الانفصال بكل هدوء واحترام فهذا يعتبر شيئا غريبا ولا يتفق مع مقاييس الطلاق في المجتمع التونسي”. وأشارت إلى أنه “في مجتمعات عديدة يعتبر هذا السلوك المتحضر أمرا عاديا، وسرعان ما يُحاط أيّ مطلقين بأمنيات ببداية جديدة وينتهي كل شيء، إلا أنه بمجرد نشر هذه الصورة التلقائية كشفت التعاليق العُقد التي يعاني منها الكثيرون في المجتمع التونسي”. وتابعت “لا أشعر بأي قلق، فهذه أنا متصالحة مع نفسي وأعيش بطريقتي وأسلوبي الخاص ولست مجبرة على أن أكون نسخة من أي شخص والحمد لله”. وأكدت “لست نادمة على السيلفي الذي أخذته مع طليقي وسعيدة لأنني تمكنت من تعرية عقد وأمراض نفسية لا تقتصر على المجتمع التونسي بل تتعداه للمجتمعات العربية”، متابعة “الحمد لله أنني مقتنعة بأي شيء أقوم به لست مثل الأشخاص الذين يعيشون لإرضاء الناس والمجتمع لا أكثر”. وعلقت إحدى الناشطات على كلام حامد قائلة “أنت امرأة جميلة متحررة من العقد الفارغة تعيشين لنفسك ولسعادتك، أنت تمثلينني، أنا متأكدة أنك سوف تكونين زوجة ممتازة وأمّا رائعة، لك مني الكثير من الحب والتحفيز لتستمرين في فلسفتك”. ويرى أخصائيو علم النفس أن الأزواج الذين يواجهون مشاكل عويصة في بداية حياتهم الزوجية، أن الانفصال مبكرا قد يوفر عليهم الكثير من الألم العاطفي والجسدي. وتغزو المجتمعات العربية مؤخرا حفلات الطلاق التي تقيمها بعض السيدات بعد انفصالهن عن أزواجهن، للتعبير عن سعادتهن بالتخلص من علاقة زوجية يعتبرنها ضارة وغير آمنة، ويؤكدن أن الطلاق يمكن أن يكون مشروعا للعيش في حياة مختلفة أوصدت فيها الأبواب على عيش سابق تعرضن خلاله للضرب والاعتداء النفسي والجسدي.
مشاركة :