أثار الطلاق عبر الرسائل الإلكترونية جدلا واسعا في مصر، ما جعل المفتي شوقي علام يدعو إلى سن تشريعات تتصدى له، وبينما أيده البعض رفضه آخرون لكونه قد يكون ناتجا عن حالة غضب يمكن للزوج بعدها أن يراجع نفسه ويشعر بأنه ارتكب خطأ. القاهرة – أحدثت دعوة مفتي مصر شوقي علام للمسارعة إلى سن تشريعات تتصدى للطلاق عبر رسائل المنصات الرقمية والهواتف الجوالة جدلا واسعا في مصر بعدما صار الانفصال الزوجي يحدث أحيانا بمجرد إرسال الرجل إلى زوجته رسالة نصية يقول لها فيها “أنتِ طالق”، لكن هناك علماء رأوا أن هذا الطلاق يقع، وآخرون رفضوا ذلك. وقال المفتي إن الطلاق عبر الرسائل النصية، على الهاتف أو عن طريق التطبيقات الاجتماعية المختلفة، يقع طالما توافرت نية الطلاق لدى الزوج، وهي الفتوى التي أثارت ردود فعل متباينة، باعتبار أن الأصل في الطلاق أن يكون بالمواجهة وتتأكد الزوجة أولا من كون الرسالة ليست مزيفة أو أرسلها شخص غير زوجها. هالة حماد: توثيق الطلاق يوقف العبث بقدسية العلاقة الزوجية ورأى معارضون أن القول بأن العلاقة الزوجية تنتهي برسالة وتنهار بعض الأسر بكلمة على الهاتف أو التطبيق الاجتماعي يعكس عدم الحرص على التماسك الأسري، لأن تأييد ذلك يسهم بشكل غير مباشر في تسهيل وقوع الطلاق بدلا من وضع قيود. ويقول هؤلاء إن الرجل الذي أرسل إلى زوجته رسالة يبلغها فيها بالطلاق قد يحذفها سريعا بعد مراجعة نفسه وشعوره بأنه ارتكب خطأ أو أنه تسرع، فكيف ستكون العلاقة الزوجية أمام هذا الموقف؟ وماذا لو كانت علاقة الشريكين على المحك وقام شخص ما بسرقة حساب الزوج وأرسل إلى الزوجة رسالة يقول لها فيها “أنتِ طالق”، وما يترتب على ذلك من تعقيدات عائلية؟ صحيح أن قرار الطلاق ليس أمرا سهلا على أي من الزوجين، باتفاق بين العائلتين أو بكلمة شفهية أو برسالة نصية، لكن الاستمرار في علاقة فاشلة ويصعب إصلاحها لا يكون دائما خيارا مناسبا، بل إن الطلاق في هذه الحالة قد يكون بداية لحياة سعيدة للطرفين، وقد يعود بالفائدة على أولادهما، لكن المعضلة تكمن في آلية إثبات الطلاق. ولا تزال المؤسسة الدينية في مصر غير مقتنعة بأنه لا سبيل لمواجهة استسهال الطلاق ووصول الأمر إلى حد إنهاء العلاقة بكلمة يدونها الرجل في رسالة إلا بالتوثيق إذا كان رجال الفتوى حريصين على الاستقرار الأسري وحماية حقوق المرأة، لأن العلاقة الزوجية أكثر قدسية من أن تنتهي بكلمة ينطقها رجل لا يدري ماذا يقول وقت غضبه. وإذا كان بعض الرجال لا يتحملون مسؤولية كلمة “أنت طالق” ولا يدركون تبعاتها فإن دور المؤسسة الدينية هو التصدي لمثل هؤلاء بعقلانية، ولئن كان الزواج أو الطلاق في الماضي غير موثقين فإنه مع تطورات العصر يجب أن يقر رجال الفقه بما هو أصلح. وهناك الكثير من النساء ضحايا لطلاق وقع عن طريق الرسائل النصية ولا يعرفن بالضبط هل كانت مزيفة أم حقيقية. من بين هؤلاء ولاء حمدي التي فوجئت ذات يوم برسالة واردة إليها من الحساب الشخصي لزوجها نصها “أنتِ طالق”، وعندما حاولت الاستفسار عن السبب الذي دفعه إلى إنهاء العلاقة لم يرد عليها. غاب الزوج نحو عامين بعد إرسال هذه الرسالة وشعرت الزوجة بأنها معلقة لا هي متزوجة ولا هي مطلقة، وتقول لـ”العرب”، “نعم بيننا خلافات لكن لم أتوقع وصولها إلى الطلاق بهذا الشكل، ثم إنني لم أستطع التأكد من صحة الرسالة، وطلبت منه توضيحا لها ولم يرد، فلجأت إلى القضاء لطلب الطلاق للضرر بسبب الهجر الزوجي”. الطلاق عبر الرسائل الإلكترونية وعندما ذهبت لاستطلاع رأي بعض رجال الدين حول ظروفها أبلغها البعض بأنها صارت مطلقة وفق نص الرسالة، وآخرون قالوا إن ذلك يتوقف على نوايا الرجل، فإذا كان قصد الكلمة بالفعل وهو في كامل وعيه يقع الطلاق، وإذا كان ذلك على سبيل التهديد والتخويف فإن الأمر برمته يتوقف على مشاعره وقت كتابة الرسالة. ويؤكد متخصصون في العلاقات الأسرية أنه طالما استمر تحديد وقوع الطلاق من عدمه في يد رجال الفتوى لن يتحقق الاستقرار الأسري بالشكل المأمول، لأن ظهور أشكال وطرق حديثة للطلاق يعني استمرار الأزمة ما لم يكن هناك تدخل رسمي يقر الاعتراف بالطلاق الموثق فقط. ولا تزال دار الإفتاء في مصر الجهة الوحيدة التي تفصل في كون الطلاق وقع أم لا، إذ يذهب إليها الزوجان ويجلسان مع أحد العلماء وكلاهما يحكي تفاصيل ما حدث، والظرف الذي دفع الرجل إلى النطق بعبارة “أنتٍ طالق”، وبعدها يتم إبلاغ الزوجين بأن الطلاق لم يقع لهذه الأسباب أو وقع لهذه الأسباب. وقالت هالة حماد استشارية العلاقات الزوجية بالقاهرة إن “توثيق الطلاق لا غنى عنه لوقف العبث بقدسية العلاقة الزوجية، فلا يمكن هدم أسرة بكلمة، مع أن الشريكين قد تكون بينهما مودة وعلاقة عاطفية، لكن الرجل تسرع في الطلاق الشفهي بغير وعي، في حين أن الطلاق الموثق يمنح الزوجين فرصة مراجعة مواقفهما بعناية قبل اتخاذ القرار”. وأوضحت لـ”العرب” أن الطلاق الموثق في صالح استقرار الأسرة بكل عناصرها، ولا يجعل حياة المرأة ومستقبلها مرتبطين بكلمة، لكن الأهم توعية الشباب المقبلين على الزواج بأهمية احترام العلاقة الزوجية، والطلاق لا يجب أن يكون الحل الوحيد للمشكلات، ويفترض أن يظل الخيار الأخير، وهذا دور الأسرة والمؤسسات التوعوية. الرجل الذي أرسل إلى زوجته رسالة يبلغها فيها بالطلاق قد يحذفها سريعا بعد مراجعة نفسه وشعوره بأنه ارتكب خطأ وانتهت دراسة فقهية أعدها أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر سعدالدين الهلالي بعنوان “فقه المصريين في إبطال الطلاق الشفوي للمتزوجين بالوثائق الرسمية” إلى أن الطلاق لا يصح إلا إذا روعيت فيه أصوله الثلاثة؛ تواجد أسبابه، وتحقق شروطه، وانتفاء موانعه. وهذه الأمور لا تتحقق من خلال الطلاق الشفوي، لكن المؤسسة الدينية تبرأت من الدراسة ولم تعتد بما جاء فيها. ويعتقد متابعون للملف أن تكريس الطلاق الموثق لن يتحقق قبل أن تكون سلطة القانون أقوى من سلطة الفتوى، وطالما أن دوائر صناعة القرار مازالت تتعامل مع رأي المؤسسة الدينية في هذه القضية بقدسية فلن تنتهي الأزمة لأن وضع حد لفوضى الطلاق الشفهي يتطلب جرأة وإرادة سياسية قوية تحصن الأسرة من الانهيار بكلمة. وأمام فتوى بعض رجال الفقه بأن الطلاق يقع وفق الظروف المحيطة بالرجال، ولو كان بمضمون رسالة، مازالت الأصوات تتعالى للمطالبة بضرورة وجود إرادة حكومية تقر تشريعا مدنيا يقضي بأن يكون الطلاق الموثق هو الأساس دون العودة إلى المؤسسة الدينية، طالما أن القانون يحقق المصلحة العامة. وإذا كان مفتي مصر أقر بوقوع طلاق الرسائل طالما توافرت النية، فإنه يقول أيضا في كل مناسبة إن الطلاق الشفهي غالبا لا يقع. وتتلقى دار الإفتاء شهريا نحو أربعة آلاف استفسار عن الطلاق من أزواج نطقوا بعبارة “أنتِ طالق”، لكن الدار لا تقر سوى بوقوع أربع أو خمس حالات فقط، ما يوحي بأنه شخصيا غير مقتنع بواقعية الطلاق الشفهي، لكن مؤسسته تخشى ردة فعل الأزهر والسلفيين، الأمر الذي يعزز ضرورة وجود تدخل رسمي لنسف الطلاق الشفهي.
مشاركة :