يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تجاوز الاتهامات الموجهة للمفوض التجاري للاتحاد كاريل دي جوشت المتهم بالتهرب الضريبي، وألا يلقي هذا الحدث بظلاله على المفاوضات المزمع عقدها بين الاتحاد والولايات المتحدة اليوم بهدف التوصل إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية وإيجاد درجة أعلى من المواءمة في القوانين المنظمة للأنشطة التجارية بين الجانبين. وعلى الرغم من تلك المساعي يعلق دامين هيلثم الرئيس السابق لوحدة المخالفات القانونية داخل الاتحاد الأوروبي لـ "الاقتصادية" على توقيت تلك الاتهامات بالتأكيد على أن توقيتها سيئ للغاية بغض النظر عما ستسفر عنه قضية دي جوشت من نتائج، فهي تتزامن تقريبا مع انطلاق المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتوصل لاتفاق تجارة حرة بعيدة المدى، ودي جوشت هو أحد اللاعبين الرئيسيين في تلك المفاوضات بحكم موقعه الراهن مفوضا تجاريا للاتحاد الأوروبي، وبحكم خبرته الدبلوماسية كوزير سابق للخارجية البلجيكية فإنه الشخص الأمثل في المرحلة الراهنة من المفاوضات. وأضاف دامين أنه حتى إذا تحقق أسوأ السيناريوهات وأدين دي جوشت قضائيا، فإنه من المستبعد انهيار المحادثات، فهي تجرى بين مؤسسات وليس أشخاصا، ولكنها يمكن أن تؤجل لبعض الوقت حتى يتولى شخص آخر هذا المنصب، ويحتمل أن يكون لديه رؤية مختلفة عن رؤية المفوض التجاري الحالي في كيفية خوض المفاوضات مع واشنطن. ونظرا لإدراك المسؤولين في الاتحاد الأوروبي لتلك التعقيدات، خاصة أن تلك المفاوضات الحساسة متأخرة عن الموعد الذي كان من الواجب أن تبدأ فيه، من جراء إغلاق المؤسسات الأمريكية نتيجة أزمة الميزانية، فإنه تقرر أن يواصل دي جوشت مهام منصبه رغم أن القضاء قرر النظر في قضيته، إلا أنه لن يشارك في أعمال اليوم الأول من المحادثات، حيث يقوم بجولة أفريقية تتضمن جنوب إفريقيا والكاميرون وساحل العاج لمناقشة عدد من القضايا الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وتلك الدول. ويواجه المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي كاريل دي جوشت تهمة الاحتيال المالي، وعليه خلال الأسبوع الأخير من هذا الشهر الوقوف أمام قضاء بلاده بلجيكا لمواجهة تهمة التهرب الضريبي، وإذا خسر قضيته فسيكون ملزما بدفع تعويضا يقدر بـ 1.2 مليون دولار أمريكي لهيئة الضرائب البلجيكية، لكن الأخطر أن خسارته للقضية لربما تعني دفعه للاستقالة من منصبه الراهن، وتضع حدا لمستقبله السياسي. واستولت تلك القضية على اهتمامات الرأي العام الأوروبي وخاصة في بلجيكا عندما وجهت هيئة الضرائب البلجيكية اتهاما لدى جوشت وزوجته بأنهما تهربا من دفع ضرائب بقيمة 1.2 مليون دولار عندما باعا أسهما يمتلكانها في شركة فيستا للتأمين محققين أرباحا رأسمالية في 2005 ولم يعلنا قيمتها بشكل صحيح في إقرارهما الضريبي. ويخوض دي جوشت معركة منذ ثماني سنوات لمنع مفتشي الضرائب من الوصول للسجلات المصرفية الخاصة به، ويشك مفتشو الضرائب في أن المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي الذي كان وزيرا للخارجية حينئذ، قد استخدم الأرباح الرأسمالية التي حققها من بيع أسهم شركة فيستا لشراء منزل، لكن محاميه يصر على أن هذه الأرباح التي كشف عنها في 2005 تعود إلى عام 2001 عندما كانت القوانين الضريبية على الأرباح الرأسمالية مختلفة. ويعلق دامين هيلثم لـ "الاقتصادية" على تلك الاتهامات بأننا نفترض براءة دي جوشت وزوجته من تلك القضية، فالحادثة وقعت عندما كان جوشت وزيرا للخارجية في بلجيكا بين 2004 و2009، وحدث خلاف بينه وبين هيئة الضرائب في تقييم القيمة الضريبة واجبة السداد على الأسهم التي باعها، وسعى لحل الخلاف عبر الطرق والآليات الإدارية المتاحة، ومع فشل الطرفين في ذلك فإن جوشت هو من توجه للقضاء لحسم الأمر وليس هيئة الضرائب. وتعيد قضية المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي للأذهان قضية المفوض السابق للصحة والاستهلاك في الاتحاد الأوروبي جون دالي المالطي الجنسية، الذي استقال من منصبه تحت ضغط من رئيس المفوضية الأوروبية خوزيه مانويل باروزو من جراء تحقيق لمكتب مكافحة وضبط الفساد في المفوضية الأوروبية، بعد شكوى تقدمت بها شركة ماتش السويدية المنتجة للتبغ بأن دالي سعى للحصول على رشوة بقيمة 80 مليون دولار أمريكي مقابل التأثير في التشريعات الخاصة بمكافحة التبغ داخل الاتحاد الأوروبي. وقد رفع المفوض السابق للصحة والاستهلاك في الاتحاد الأوروبي قضية أمام محكمة العدل الأوروبية وهي أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي، ضد المفوضية الأوروبية بدعوى إهمال اتخاذ الإجراء المناسب في التحقيق معه وانتهاك حقوقه في الدفاع عن نفسه تجاه التهم الموجهة إليه. إلا أن المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي بيا اهرنكيلد هانسن رفضت تلميحات الصحافة الأوروبية بتشابه قضية دي جوشت ودالي، مؤكدة أن دي جوشت أطلع رئيس المفوضية الأوروبية خوزيه مانويل باروزو على تفاصيل القضية، التي تعود إلى فترة سابقة لتوليه منصب المفوض التجاري في الاتحاد الأوروبي، وقد اعتبرت المفوضية الأوروبية القضية "خاصة". ويتولى دي جوشت منصب المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي منذ عام 2010 بعد الانضمام إلى المفوضية الأوروبية بوصفه مفوضا لشؤون التنمية في عام 2009، وتنتهي ولايته في المنصب في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل بعد الانتخابات الأوروبية في أيار (مايو) المقبل.
مشاركة :