مجرد كلام: مختطف ..عابر للطائفية

  • 9/9/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

اعجبتني كثيراً قصة ذلك الرجل الذي كان يختطف الأطفال من شوارع بيروت عام 1937،إذ اكتشف الأهالي فجأة غياب باعة العلكة واليانصيب وماسحي الأحذية وبائعي الورد من الأطفال الحفاة والمتسولين الفقراء فدب الذعر و الهلع في نفوس أهاليهم . و بدأت الاتصالات و التبليغات عن فقدانهم تتوالى . و إذا بخاطف الأطفال هو وزير الدفاع الوطني آنذاك رشيد بيضون الذي أخذ حوالي ٤٠٠ طفل واشترى لهم الثياب و الأحذية و كل مايلزمهم ووضعهم في المدرسة العاملية الابتدائية التي أسسها لاستقبالهم و تعليمهم على نفقته الخاصة . و اتصل بأهاليهم و قال لهم : أنا اتكفل بتعليمهم جميعاً و أدفع لهم مصاريف عيشهم من أكل و ملبس و صحة . وسأدفع أسبوعياً مساعدات للأهل تعادل ما كانوا يجنونه من عملهم .و بعد مدة تخرج غالبيتهم من المدرسة العاملية بشهادة البكالوريا . و أرسل القسم الأكبر منهم إلى ألمانيا و فرنسا و أوروبا لمتابعة دراساتهم الجامعية .كان بيضون الذي لم يرزق أطفالاً هومن أسس أول صرح علمي في بيروت يضم كل الطوائف ..فكل ماكان يهمه هو تعليم الأطفال وانتشالهم من مصيرهم المظلم على اعتبار أن التعليم هو القوة الحقيقية لأي بلد ولايمكن لأي مجتمع أن يتطور ويجاري البلدان الأخرى مالم يحرص على تعليم أبنائه ويحارب أميتهم بكافة الوسائل وأولها انقاذهم من الفقر الذي يعد سبباً أول لتفشي الأمّية فمن لايجد في منزله كسرة خبز تسد جوع أطفاله سيضطر بالتأكيد الى الاستعانة بهم لمساعدته على دفع عجلة الحياة بأكفهم الصغيرة وتجاهل أصوات أقرانهم من التلاميذ وهي تجتاز جدران المدارس لتتناهى الى اسماعهم وتذكرهم بتخلفهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية والحصول على أبسط حقوقهم في تنوير عقولهم ذلك أن من الممكن تقييد المرء وتعذيبه وتدميرجسده – كما يقول غاندي – ولكن لايمكن أبدا لأحد أن يسجن عقله ، فالعقل يظل حراً ويمكن أن يكون متنورا ، وهو الأمر الذي يرعب من يسعى الى تجهيل الشعب واخضاعه لطاعته والسير مغمض العينين الى صناديق الانتخابات ، فاذا كانت الأسرة أميّة وفقيرة ولاتهتم بالتعليم لعدم قدرتها على تكاليفه وتصدق الشعارات الانتخابية وكل ماتتصور أنه سيخلصها من معاناتها فمن المؤكد انها تحقق للساسة الفاشلين أهدافهم في حشد أكبر عدد من الناخبين الأميّين حولهم .. أطفالنا بحاجة الى من يختطفهم من واقعهم المزري ويوفر لهم أبسط حقوقهم ..بحاجة الى من يوفر لهم لقمة العيش ويفتح لهم أبواب المدارس لأن الأمّية تلاحقهم جنباً الى جنب مع الفقر والحروب والنزوح والعنف الطائفي والظروف السياسية غير المستقرة ، وتكاد تنتصر عليهم بعد أن تحول العراق من متفوق في القضاء على الأمّية وحاصد لجوائز منظمة اليونسكو في السبعينيات الى بلد تتفشى فيه الأمّية بشدة وتتزايد في انتشارها مع بقاء أسبابها شاخصة .. في اليوم العالمي للأمّية الذي يحتفل به العالم اليوم ،من أين لنا إذن بمسؤول عابر للطائفية مثل بيضون ليختطف أطفالنا ، ومن أين لنا بساسة ناجحين يجدون تقدم البلد في تعليم ابنائه ولايبحثون عن مصالحهم في تجهيله !!

مشاركة :