الكويت – نزل إعلان الحكومة الكويتية بعدم إمكانية تجديد تصاريح العمل للوافدين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما، ثقيلا ومؤلما على العمال المسنين الذي بنوا حياتهم في البلاد وخططوا لمستقبلهم داخلها، واعتادوا العيش فيها وأدمنوا كلّ تفاصيلها. ويستعد المصري مرزوق محمد ليغادر مرغما البلد الخليجي الثري الذي يعتبره وطنه الثاني منذ أن حط فيه رحاله قبل أكثر من 45 عاما، بعدما أمضى حياته في الكويت يعمل في غسيل السيارات. والرجل البالغ من العمر 65 سنة هو من بين عشرات الآلاف الذين سيضطرون إلى مغادرة الدولة الغنية بالنفط بموجب قوانين جديدة اعتمدت إثر الركود الاقتصادي وتفشي فايروس كورونا المستجد الذي أثار لدى البعض مشاعر سلبية تجاه الأجانب. ولن يكون بالإمكان تجديد تصاريح العمل للوافدين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما والذين لا يحملون شهادة جامعية ابتداء من يناير المقبل، حسبما أعلنت الحكومة مؤخرا. وقال محمد “الآن يقولون لنا هذا؟ الآن يقولون إن عمره سنه 65 عاما فعليه المغادرة؟ إلى أين أذهب وماذا أعمل؟ لقد قضيت عمري هنا”. وتعتمد الكويت مثل جيرانها في منطقة الخليج الغنية بموارد الطاقة، بشكل كبير على العمالة الأجنبية وخاصة العمال الآتين من الشرق الأوسط وآسيا. ويأتي كثيرون إلى الكويت في سن صغير للعمل في الوظائف اليدوية اليومية، وهي مهن لا يستسيغها الكويتيون الذين يشغل غالبيتهم مناصب في دوائر حكومية ويتقاضون رواتب عالية. إلا أنّ المصاعب الاقتصادية الناجمة عن انهيار أسعار النفط باتت تجبر الحكومة على إعادة التفكير في كيفية تجاوز هذه التحديات. وفي يونيو الماضي، قال رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح إنّ الكويتيين يمثّلون 30 في المئة فقط من إجمالي السكان البالغ عددهم 4,8 مليون نسمة، معتبرا أنّ “الوضع المثالي للتركيبة السكانية أن تشكل نسبة الكويتيين 70 بالمئة”. وقال “أمامنا تحدي بالمستقبل لمعالجة الخلل بالتركيبة السكانية”، مشددا على أنّ معالجة هذا الخلل يتم بتولّي “الكويتي جمع الأعمال في كافة المدن” بينما تبحث الدولة عن طرق لتنويع اقتصادها المرتهن للنفط منذ عقود. وبالنسبة للإيراني حسن علي (65 عاما) الذي أمضى 37 عاما من حياته بائعا للخضروات والفواكه في سوق المباركية التراثي، فإن مغادر الكويت لن تكون أمرا سهلا أبدا. وأوضح “ولدت في أصفهان لكن الكويت بلدي الثاني، فيها تزوجت ورزقت بأطفالي وعشت حياتي. من الصعب أن أغادرها هكذا بعد كل هذا العمر”. وسلّط فيروس كورونا المستجد الذي أضر بشكل رئيسي المهاجرين الذين يعيشون في ظروف صعبة، الضوء على مجموعات كبيرة من العمال الذين بات يعتبرهم البعض عبئا على الاقتصاد، لا سيما وأن الانكماش أدى إلى إلغاء الكثير من وظائفهم. مهن لا يرضاها الكويتي مهن لا يرضاها الكويتي وتصدّرت الممثلة الكويتية الشهيرة حياة الفهد عناوين الصحف في ذروة مرحلة الخوف من تفشي الفايروس في أبريل، بقولها إنه يجب ترحيل أجانب حتى يضمن الكويتيون سريرا في المستشفى إذا مرضوا. وقالت في مقابلة تلفزيونية باللهجة الكويتية أنه يجب نقل الوافدين للخارج أو حتى “اقطهم في البر”، أي في الصحراء. وفي حين أن الخطوة الأخيرة لخفض نسبة العمال المهاجرين قد لقيت ترحيبا من قبل البعض، فقد انتقدها آخرون إذ اعتبروا أن القرار سيضر بالقطاع الخاص ويخفّض معدلات الاستهلاك بشكل عام. وقال الاتحاد الكويتي للمطاعم والمقاهي والتجهيزات الغذائية إن القرار يشكل تقييدا لعمل القطاع الخاص في تنظيم عمله بعد أشهر من الخسائر بسبب الاغلاقات المرتبطة بفيروس كورونا المستجد. ورأى إم آر راغو رئيس الأبحاث في المركز المالي الكويتي أنّ “المنطق وراء هذه الخطوة هو الاحتفاظ بالوافدين الاختصاصيين مع الاستغناء عن الآخرين”. اقرأ أيضا: البصل يخرج #حياة_الفهد عن طورها: اطردوا العمال الوافدين وتابع “من خلال تقليل أعداد العمالة الوافدة الذين لا يضيفون قيمة كبيرة للاقتصاد، يمكن تحويل الوظائف إلى فرص عمل للمواطنين”. ومع ذلك، رغم حملة “التكويت” لتشجيع السكان المحليين على دخول سوق القطاع الخاص، إلا أن حوالي 72000 مواطن فقط يعملون في هذا القطاع. وقال راغو “ستحتاج الحكومة أيضا إلى اتخاذ خطوات لجعل القطاع الخاص أكثر جاذبية للمواطنين الذين يفضلون حاليا العمل في القطاع العام”. ومنذ أشهر، بدأت تتراجع أعداد السكان في دول الخليج الغنية بالنفط مع تباطؤ الاقتصاد بسبب فايروس كورونا المستجد. وفي الكويت تحديدا حذّر وزير المالية براك الشيتان من شح في السيولة ما قد يؤثر على دفع الرواتب للموظفين الحكوميين بعد أكتوبر المقبل، داعيا إلى تأمين الاموال للاستمرار في دفع النفقات. وتمتلك البلاد أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم والمعروف باسم صندوق أجيال المستقبل بأصول تقدر بنحو 550 مليار دولار، تم تخصيصها لمرحلة ما بعد النفط. وتتطلّب عمليات السحب موافقة البرلمان الذي يتّهم الحكومة بسوء إدارة الأموال ويرفض الموافقة على مشروع قانون لاقتراض 20 مليار دينار (65 مليار دولار) على مدى السنوات الثلاثين المقبلة لتغطية المشاكل النقدية. ويشكل هذا الأمر صدمة في بلد كان ينظر إليه في العقود الماضية على أنه الأكثر ديناميكية بين دول الخليج، لكن الاعتماد الطويل على احتياطاته من “الذهب الأسود” جعل الرواتب والإعانات المالية للمواطنين تستهلك ثلاثة أرباع اجمالي الإنفاق الحكومي. وقال السوري خليل عبد الله وهو ميكانيكي يبلغ من العمر 63 عاما إنه على الرغم من المصاعب الاقتصادية، إلا أنه ما زال يأمل في تأجيل تنفيذ قرار عدم تجديد التأشيرات لكي يتمكن من البقاء في الكويت حتى سن الشيخوخة. وسأل “أولئك الذين يملكون متاجر وشركات، هل من الممكن أن يتركوا كل شيء خلفهم ويغادروا؟”.
مشاركة :