استعذ بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءة المقال لأن «لو» من عمل الشيطان، وادخل المقال برجلك اليمنى. ماذا لو أن سفينة كريستوفر كولومبوس انحرفت عن مسارها، وغرقت في مثلث برمودا بدلاً من اكتشاف أميركا؟ أو أن الهنود الحمر «والذين هم ليسوا حمراً أصلاً» نجحوا في القضاء على المستكشفين الجدد؟ ماذا لو أن الصهاينة قرروا أن يتخذوا من الأرجنتين وطناً لهم بدلاً من فلسطين؟ ماذا لو أن صدام حسين لم يغز الكويت؟ ماذا لو أن الشرطية التي ضربت البو عزيزي ذهبت للحمام لتعديل مكياجها في اللحظة التي مر بها بعربة الخضراوات دون أن تلاحظه، فيمر البوعزيزي في طريقه وتمر الشرطية في طريقها فلا يحرق البوعزيزي نفسه بنار وصل مداها لمصر وليبيا، ولا يندلع «الربيع العربي» في تونس والذي تحول في ما بعد لخريف دموي في سورية؟ ماذا لو أن الرئيس المعزول محمد مرسي قرر إقامة انتخابات رئاسية مبكرة بدلاً من خطاب الشرعية الشهير؟ ماذا لو لم يتم اختراع السيلكون الطبي والبوتكس والكولاجين، ولم يظهر معها الفاشينستات؟ ماذا لو أن الديناميت انفجر في وجه ألفريد نوبل في اللحظة التي اكتشفه فيها، فيموت ويموت معه سر الاكتشاف؟ ماذا لو أن عبدالملك الحوثي أخذ كمية أكبر من القات بحيث لا يفكر في أن يضع يده بيد إيران؟ ...ماذا لو أني سمعت كلام ابنتي واصطحبتها للألعاب بدلاً من كتابة هذا المقال؟ بالتأكيد سيكون العالم أفضل من دون هذه الأشياء جميعاً، أو ربما يبقى كما هو عليه الآن، وتتغير الأسماء فقط، فحسب نظرة «هيجل» للتاريخ فإن روح العصر تتقمص شخصيات بغض النظر عن ذواتهم وتجعلهم يفعلون ما يتطلبه مجرى التاريخ منهم، فالمشكلة ليست في الأشخاص بل في الثقافة التي تجعلنا نختار اللحظة المشؤومة بدلاً من اختيار اللحظة المقدر لها. ويبدو أن التاريخ البشري يتشكل من خلال لحظة فارقة، لا نعرف زمانها أو حركتها أو أبعادها، ولكننا نعرف أن وراء كل لحظة حالية نتائج تبقى لساعات وأيام وشهور وسنين لا نستطيع أن نتخلص منها. **** قصة قصيرة: بدا الطلاب أذكياء جداً وهم منهمكون في الإجابة عن السؤال الوحيد في امتحان التاريخ، لدرجة أن بعضهم سطر مئات الآلاف من الكلمات. لقد كان سؤالاً تعجيزياً فعلاً يقول «اكتب تاريخ العالم منذ اكتشاف كولومبوس لأميركا وحتى نهاية الأسبوع الماضي!» وحده الطالب الموسوم بالفاشل دراسياً من أجاب بسطر واحد «لا جديد بعد الدم». كاتب كويتي moh1alatwan@
مشاركة :