سيرة ذاتية تحكي تاريخ جيل كامل | محمد ماموني العلوي | صحيفة العرب

  • 9/15/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تبقى الطفولة خزانا هاما للأحداث التي ينهل منها الكثير من الكتاب، لكن الأعمال التي تمزج بين جانب السيرة الذاتية والأحداث الاجتماعية والسياسية تبدو أمرا بالغ الدقة، خاصة إذا كان الكاتب ينقل مرحلة هامة من تاريخ بلد بعيني طفل وهو ما انتهجه الكاتب المغربي الحسن بلعربي. في آخر أعماله الروائية بعنوان “بيوت من طين” يتناول الكاتب المغربي الحسن بلعربي، إلى جانب سيرته الذاتية أحداثا ووقائع كان لها وقع على حياته مقدما صورة واقعية لطفولته. ولم يكتف بلعربي في كتابه، الصادر باللغة الإسبانية عن دار النشر “ديوان” بالعاصمة الإسبانية مدريد، برسم المعطيات المتصلة بذاته وشخصيته، بل رسم تفاصيل حياة معيشية لمجتمعه ترجع إلى بداية السبعينات من القرن الماضي. بعيني طفل يكشف الحسن بلعربي أن هذا المؤلف الجديد، سيُغني الخزانة المغربية والعالمية، وسيقدمه في معرض الكتاب بمدريد في بداية شهر أكتوبر المقبل. ويعدّ بلعربي، الذي قدّم إسهامات علمية، وطنية ودولية، ضمن العديد من المنظمات والمؤسسات المهتمّة بالهجرة، واحدا من أبرز الدكاترة الباحثين في جامعة ألميريا الإسبانية، التي يقدّم فيها محاضراته. وبحبكة متقدمة ينقل الكاتب، من خلال الرواية/ السيرة الذاتية، طفولته ويسرد لنا أحداثا وطرائف أثرت في تكوين شخصيته، حيث حرص الكاتب على أن يقدم للقراء صورة واقعية إلى أبعد حدّ عن طفولته، إذ لم يكتف برسم المعطيات المتصلة بذاته وشخصيته، بل رسم تفاصيل حياة معيشية ترجع إلى بداية السبعينات من القرن الماضي وتتصل ببيئته ومختلف تفاصيلها اجتماعية، ثقافية، تربوية، دينية، فنية. الرواية ترسم تفاصيل حياة معيشية ترجع إلى بداية السبعينات من القرن الماضي وتتصل ببيئته ومختلف تفاصيلها وردا على سؤالنا بخصوص اختياره الكتابة بالإسبانية بدل العربية، وهل القارئ الإسباني معني بهذا العمل؟ يجيبنا الكاتب بأنه في الواقع كتبت الرواية باللغة العربية، وكان يودّ نشرها كما هي، لكن صديقه الكاتب والمترجم محمد المرابط اقترح عليه نشرها في إسبانيا وباللغة الإسبانية، فطلب منه ترجمة الكتاب، وكان ذلك. ومستقبلا سينشر النسخة العربية كذلك. وبخصوص هذا العمل واختيار الطين كعنوان يؤكد لـ”العرب”، أن بداية البدايات في كل الديانات السماوية كانت مادة الطين، ونعلم أيضا أن هذه المادة، تحت تأثير حرارة النار، تتحول إلى مادة صلبة ومقاومة للحرارة والبرودة كذلك الإنسان، فقد يمر بصعوبات الحياة التي تجعله قويا ومقاوما للأزمات. ويضيف “هكذا كان سكان الحي الذي نشأت فيه، فبالرغم من بساطة مستوى عيشهم إلا أنهم كانوا يتمتعون بحياة غنية، وقد تلقيت منهم دروسا وعبرا ساعدتني على مواجهة التحديات”. موضحا أن العمل يُروى على لسان طفل لم يتجاوز عمره العشر سنوات، ينقلنا عبر الكاتب إلى أحداث ووقائع عايشها في أوائل السبعينات من القرن الماضي، ويقدم لنا شخصيات عادية ومثيرة في نفس الوقت كان لها وقع كبير على تكوين شخصيته. وفي روايته “بيوت من طين” جسد حسن بلعربي تجربة طفولته خلال السبعينات التي تضعنا في قلب الريف، أرضه وأرض الكثيرين، إذ كانت منطقة الريف وبالأخص الناظور شمال المغرب، أرضا نسيها كثيرون ولا يتذكرها الكثيرون بمنازلها المصنوعة من الطين، وسكانها المتواضعين، يتذكرها البعض منا اليوم كنقطة انطلاق لنا والتي ساعدتنا على تحقيق قفزة كبيرة في حياتنا. وتقول الكاتبة ليلى قروش في تقديمها للرواية إنه بمفردات مباشرة وواضحة وصريحة، يخبرنا بلعربي، من خلال عيون طفل فضولي، عن الأشخاص الذين كانوا جزءا من حياته. يتتبع لنا لحظات صعبة مثل وفاة جدته، وهي خسارة ميزته ودفعته إلى التساؤل عن الحياة والموت: لماذا نولد إذا كنا سنموت؟ يتذكر بلعربي باعتزاز الحكايات التي عاشها مع “فرعون” المعروف بالكذب، مع “المجنونة” المرأة التي ناقضت الصور النمطية لريف اللحظة واليوم. كما يشاركنا الكاتب لحظات الخوف من الليل والظلال المنعكسة على الجدران من خلال الكلمات تقربنا هذه الرحلة التي يقدمها لنا بلعربي بكلام مباشر لثقافة خاصة لا تتوقف أبدا عن مفاجأة كل من يعرفها ومن يجهلها. الريف لديه الكثير لعرضه وبفضل روايات مثل هذه، نقترب أكثر إلى معرفة السحر المخفي في أركان هذا العالم الضخم والصغير في نفس الوقت. الكتابة والعلم صعوبات الحياة تجعل الإنسان قويا ومقاوما للأزمات صعوبات الحياة تجعل الإنسان قويا ومقاوما للأزمات بخصوص ظروف إخراج هذا العمل قالت الكاتبة ليلى قروش في مقدمتها، إنه من الصعب أن ننسى اللحظات الأساسية التي كانت جزءا من حياتنا، تلك اللحظات التي ساعدتنا في بناء طفولتنا حتى نصبح اليوم الأشخاص الذين نحن عليه. وأضافت قبل بضع سنوات، عندما قابلت الحسن بلعربي، خلال اجتماع في مدريد وبعيدا عن تخيل عدد الأشياء المشتركة بيننا، رأيت من خلال عينيه البلوريتين خجلا طفيفا أخفى تراكما من التجارب التي كان من اللازم عليه عاجلا أم آجلا أن يخرجها إلى الوجود، بينما كنا نتحادث بشكل حيوي في مطعم حول الحدث الذي قادنا للقاء أردت الخوض قليلا في حياته لأن شيئا ما بداخلي كان يحذرني من أن هذا الرجل الكبير بابتسامته المعدية سيفاجئني. وأضافت قروش “أخبرني الروائي المغربي عن بعض الفترات من طفولته مع مشاعر جياشة، كما لو كان قادرا على تخيل ولمس بأطراف أصابعه كل الشخصيات التي ذكرها، فاعتقدت في ذلك الوقت أنه لا يجب عليه الاحتفاظ بهذا لنفسه فقط، وأن عليه إخراجه للوجود. وكما لو أنه قرأ أفكاري فقد فعل، إذ وصلت اللحظة في وقت أقل مما كنت أتوقع وبأفضل طريقة ممكنة، عن طريق الكلمة والكتابة”. وبعدما أتمّ تحصيله الجامعيّ بجامعة محمّد الخامس بالرباط التي نال فيها الإجازة في شعبة الكيمياء، التحق بجامعة غرناطة قبل أن ينتقل صوب نظيرتها ألمِيريَـا، متحصلا على دكتوراه الدولة في الهندسة الكيماويّة عام 1999. وبُعيد سنة واحدة من قصد الديار الهولنديّة، وهو التنقل الذي تمّ من أجل تدريب عام 2000، عاود بلعربي الالتحاق بجامعة ألميريا كي يشتغل بها أستاذا جامعيا، علاوة على تواجده برئاسة ذات المؤسسة الجامعية في مهمّة إدارة التعاون الخارجي للمؤسسة الأكاديميّة. ولم يمنع الاختصاص العلمي بلعربي من الاهتمام بقضايا الجالية المغربية في الخارج وبقضايا التنمية، ولديه حضور وازن في المنابر الإعلامية. وحول انتقاله من هياكل الهندسة ودقة معادلات الكيمياء إلى عوالم الخيال والإبداع في الرواية، يقول الكاتب لـ”العرب”، “لم أكن ولن أكون أول من يكتب الرواية والقصة وتخصصه العلوم، فهناك الكثير من كتاب القصة امتهنوا الطب والكيمياء والهندسة، وقريبا منا نحن المغاربة نجد المرحوم الكاتب الكبير إدريس الشرايبي الذي تخرج مهندسا في الكيمياء، ثم توجه نحو الكتابة، وأبدع كثيرا من الأعمال. وأنا من بين المعجبين بهذا الكاتب الكبير”.

مشاركة :