تحدثني صديقتي مديرة المدرسة الثانوية منذ أسبوعين عن مستخدمة سعودية تبلغ من العمر 45 عاماً تعمل لديها ليس كموظفة حكومية، ولكن براتب تجمعه موظفات المدرسة لا يزيد عن 1000 ريال، يبدأ دوامها من السادسة والنصف وينتهي عند الثانية كدوام كل المستخدمات، ولكن الفرق أن المستخدمة الحكومية، راتبها أفضل كثيراً، قد يصل إلى 3000 ريال، ولها مستحقات إن أصابها مكروه ويمكنها قضاء عدة وفاة الزوج براتب كامل كونها موظفة في الدولة، لكن هؤلاء النساء اللاتي يعملن كمستخدمات داخلياً لا حقوق لهن. هذه المستخدمة تقول صديقتي منذ أن حضرت العام الماضي وهي مكبلة بالهموم محاطة بالآلام، وجهها القمحي يشير لرسم لوحة البؤس والعذاب، كل تفاصيل المرار في داخلها كما تقول، ولكن وإن لم تتحدث بها فهي تتحدث عنها. زوجها عاطل عن العمل مثله مثل كثيرين لا يعملون، أو بمعنى أدق لا يحبون العمل، لديها 6 بنات وولدان كلهم دون 25 عاماً منهم من ترك الدراسة، ومنهم من أكمل ثانوية وجلس بجانبها. لنتخيل 1000 ريال هو الدخل ماذا بإمكانه أن يفعل ؟ وإذا نحن طبقنا الأمر على أسرة متوسطة الدخل مستورة ماذا من الممكن أن يشكل لها 1000 ريال لمدة شهر ؟ المهم هي تداوم كل يوم من أجل هذا المبلغ الذي لا يسد شيئاً ولكنه يغلق منفذاً صغيراً، وربما يمنحها لحظة حياة قصيرة لتهرب من مشاكل أسرتها، وذلك الزوج العاطل. منذ أسبوعين تقول صديقتي إن المستخدمة أسقطت من يدها صينية الفناجين في بداية الدوام المدرسي وهذا يحصل عادة وبقيت ساهمة لدقيقة كما تقول زميلاتها ثم جلست على الكرسي والتفت حولها الموظفات وهي تتنهد بصعوبة، وتضرب نفسها دون كلام، طلبنا الإسعاف حضر وأخذها بسرعة ذهبت معها أنا و3 موظفات، بعد أقل من ساعة قال الطبيب (نزيف في المخ) لم تبق سوى أربعة أيام وتوفيت إلى رحمة الله حاملة معها همومها وأوجاعها وتاركة كل من في المنزل أمانة عند من لا تضيع لديه الأمانات. وكأنني هذا الأسبوع موعودة بالأوجاع، تلقيت مكالمة من شابة تبلغ من العمر 17 عاماً، من جنسية عربية توفى والدها منذ أربعة أشهر وعمره 42 عاماً مصاباً بالتهاب الكبد الوبائي، وتحملت الأم البالغة من العمر 36 عاماً طوال فترة مرضه لسنتين العمل في مدرسة أهلية براتب لا يزيد عن 1000 ريال، يُجمع عليه من أهل الخير لُيدفع لإيجار المنزل، ويتبقى الطعام إن توفر قليله فنعمة من رب العالمين. الأسرة تضم الزوجة التي دخلت العدة في شعبان والشابة ياسمين 17 عاماً وأخاً عنده 18 سنة وأخاً آخر 14 سنة. ظللت على تواصل معها، وتحدثت مع الأم التي كانت لطيفة وكانت إجازة المدارس، وغبت عنهم بعدها وعادت الأم للعمل وهي في العدة إلى المدرسة الاهلية، لأن غيابها يعني الطرد من المنزل، ويعني أيضاً الموت جوعاً لكن ماذا بعد العودة ؟ اتصلت عليَّ ياسمين منذ خمسة أيام بصوت مكتوم وهي تقول إن والدتها توفيت، لحقت بوالدها في نفس يوم إتمام عدتها، بعد أن أصيبت بنزيف في المخ، حيث سقطت في المدرسة مثلها مثل المستخدمة السعودية، ونُقلت إلى المستشفى، وتُوفيت بعد يومين عن عمر 36 عاماً. لم أجد كلمات مواساة، أو ما يمكن أن يخفف عن هذه المراهقة وأخويها بعد أن طردهم صاحب المنزل في اليوم الثالث لأنه من الصعب أن يسكن لديه مراهقة وأخواها ويخاف من تحمل المسؤولية، يضاف إلى ذلك أن كل الأبناء مولودون في السعودية ولا يعرفون بلدهم حتى يعودوا إليها وهم الآن لدى عمتهم الفقيرة جداً والتي تعاني من مشاكل الحياة. ما أردت قوله إن الفقر وإن كان أنثى، فإن الحاجة أيضاً أنثى، وإن البيوت تسقط على رؤوس ساكنيها إن توقفت الأم. يأتي ذلك متوافقاً أو متقارباً مع ما أفادت به منظمة الصحة العالمية بأن متوسط العمر المتوقع للمرأة عند سن الخمسين ارتفع ولكن الهوة بين الدول الفقيرة والغنية آخذة في الاتساع وقد تتفاقم إذا لم تطور عملية اكتشاف أمراض شرايين القلب والسرطان ومعالجتها. ولعلنا نعود إلى مقولة القدماء بأن الفقراء يموتون باكراً من الهموم، ومن ذل الحاجة، ومن الأوجاع والقهر والتي وإن لم تكن أوجاعاً جسدية فإنها نفسية وروحية.
مشاركة :