أئمة المساجد المصريون يتحملون أعباء «نبذ التطرف» في ظروف معيشية صعبة

  • 11/12/2013
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: معتز عبد المنعم تنبهر من الوهلة الأولى حين ترى عمائم الأزاهرة مثل عمة الشيخ محمد إبراهيم.. وتندهش حين تلمس اعتزاز عشرات الألوف من هؤلاء الأئمة بزيهم الأزهري، وهم يتنقلون عبر شوارع القاهرة. إنهم بعض من رجال المساجد الذين ينشرون، بلا كلل، «الدين الإسلامي الوسطي»، في أجواء مشحونة بالتشدد والتطرف. ويتقاضى الشيخ الأزهري إبراهيم، البالغ من العمر 37 سنة، أقل من 100 دولار في الشهر نظير إقامته الشعائر في مسجد شرق العاصمة المصرية، ولهذا يضطر إلى تغيير ملابسه الأزهرية قبل أن يبدأ ليلا العمل كسائق أجرة، رغم أن السلطات قررت، عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، تقنين إلقاء الخطب خلال صلاة الجمعة على المصرح لهم بذلك فقط، ويقول إبراهيم إن هذا زاد من الأعباء على الشيوخ الأزهريين المعتمدين كخطباء في المساجد. ولا يشعر إبراهيم بالأسى على الحاضر فقط، بل على الماضي أيضا، لأنه والآلاف من الأئمة دفعوا من عمرهم وحياتهم ثمنا باهظا؛ هو رحلة التعليم الأزهري الصارمة والشاقة التي يتخرج الطالب بعدها واعظا وإماما ومؤذنا يدعو إلى الدين بالحسنى، في وقت ينتشر فيه الدعاة من أنصاف المتعلمين وحاملي الأفكار الراديكالية، ومن غير المتخصصين الذين لم يدرسوا في مدرجات الأزهر. وقررت السلطات إبعاد نحو 55 ألفا من الأئمة - الذين لا يحملون تراخيص - عن إلقاء خطب في المساجد، ومنع صلاة الجمعة في الزوايا الصغيرة، وذلك لقطع الطريق على أنصار التيارات الإسلامية ممن يسعون لاستخدام منابر المساجد للعمل السياسي، خاصة من جانب دعاة التيار السلفي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي. أما الشيخ محمود، البالغ من العمر 47 سنة، فبعد أن فرغ من أذان العصر في مسجد يقع على كورنيش النيل بالمعادي، تحدث عن أنه وغيره من القائمين على المساجد الرسمية التابعة للدولة لم يتوقعوا حجم المعاناة التي سيعانونها بعد تخرجهم خاصة من حيث ضعف الرواتب، الأمر الذي يضطرهم إلى البحث عن مهن إضافية، مما تسبب في ابتعاد كثير منهم عن العمل من فوق المنابر، من أجل البحث، في رحلة شاقة، عن لقمة العيش. وداخل أحد المساجد في شرق القاهرة وقبل أن يبدأ درسه الأسبوعي بعد صلاة العشاء، روى الشيخ محمد مصطفى، (65 سنة)، لـ«الشرق الأوسط» معاناته مع الدعوة الممتدة منذ عقود، قائلا: «أعمل بوزارة الأوقاف مؤذنا ومقيم شعائر منذ عام 1989، فعندما تخرجت في الأزهر الشريف آنذاك، سافرت من بلدي الشرقية (شمال شرقي القاهرة) للعمل مؤذنا ومقيم شعائر في هذا المسجد، الذي لم ولن أفارقه أبدا». ويضيف الشيخ مصطفى قائلا: «طيلة 24 سنة، كان راتبي من وزارة الأوقاف 200 جنيه (نحو 30 دولارا)، قبل أن يقرر وزير الأوقاف أخيرا زيادته بمبلغ 200 جنيه أخرى، وبهذا يصل معاشي الشهري حاليا إلى 400 جنيه، بخلاف بعض المساعدات التي يعطيها لي أهالي المنطقة كنوع من الزكاة عن أموالهم». ويقر مسؤولون في وزارة الأوقاف، (المشرفة على المساجد في مصر)، بالحالة المادية المتدهورة وضعف الرواتب لمعظم أئمة المساجد التابعين لها، وتقول الوزارة إنها تحاول جاهدة إعادة الاعتبار إلى شريحة اجتماعية قلما أثارت اهتمام الحكومات المتعاقبة في السابق، بما في ذلك الحكومة في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. ولجأت الوزارة إلى حيلة لزيادة الرواتب بما قيمته 100 جنيه، وذلك من ريع الأوقاف دون تحميل خزانة الدولة أي أعباء. وطبقا لوزارة الأوقاف، فإن الإمام التابع لها يتقاضي 200 جنيه مقابل درس الراحة (درس أسبوعي بعد صلاة العشاء)، و9 جنيهات بدل زي، و20 جنيها بدل اطلاع. ويقول الشيخ الأزهري محمد إبراهيم: «قررت وزارة الأوقاف في عهد الرئيس السابق مرسي زيادة رواتبنا بمبلغ 100 جنيه عن السابق، إلا أننا فوجئنا بعدم تطبيق القرار لأسباب مجهولة». ويعمل الشيخ إبراهيم الآن سائق سيارة أجرة (حافلة صغيرة) طيلة أيام الأسبوع عدا يوم الجمعة، قائلا: «في هذا اليوم، أعود لألبس عمامتي والزي الأزهري وأمارس مهامي كإمام وأخطب في الناس وأصلي بهم». وعلق مسؤول في الحكومة قائلا إن مجلس الوزراء لديه تقارير وافية عن المشاكل التي تواجه الأئمة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، ولهذا وافق المجلس في اجتماعه الذي عقد قبل عشرة أيام، برئاسة الدكتور حازم الببلاوي، على زيادة أجور الأئمة والدعاة «على أن يجري الصرف لهم بأثر رجعي اعتبارا من أجور السنة المالية التي بدأت في أول يوليو (تموز) الماضي».

مشاركة :