مقتدى الصدر يغازل واشنطن بعد يأسه من نيل ثقة طهران | | صحيفة العرب

  • 9/19/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يتحوّل مقتدى الصدر مؤسس جيش المهدي وأحد أول دعاة استخدام العنف لطرد القوات الأميركية من العراق بعد غزو سنة 2003، إلى داعية لاتّباع الطرق السلمية لإخراج القوات الأميركية من البلاد، فإنّ ذلك لا يمكن فهمه إلّا باعتباره “رسالة غزل” لواشنطن على حساب طهران التي لم ينجح زعيم التيار الصدري في نيل ثقتها، حيث فضّلت دائما العمل مع خصومه ومنافسيه من أعضاء البيت السياسي الشيعي، ما أثّر على دوره السياسي في العراق، وحرمه من الدور القيادي الذي يعتبره حقّا له موروثا عن أسرته ذات المكانة المرموقة في مجال التدين الشيعي. النجف (العراق) - دعا رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر إلى اتّباع الطرق السلمية وعدم استخدام العنف لإخراج القوات الأميركية من العراق، وذلك بعد أّن شهدت الهجمات على المصالح والقوات الأجنبية في البلاد تصاعدا وتنوّعا ملحوظين خلال الفترة الأخيرة. وعادة ما تُنسب تلك الهجمات إلى الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران، والتي تتخّذ من الأراضي العراقية ميدان صراع على النفوذ ضدّ الولايات المتّحدةّ، حيث يُنظر إلى التصعيد الأخير الذي طال مواضع تمركز قوات أجنبية وقوافل إمدادها بالمؤن وبعثات دبلوماسية في بغداد، ولم يستثن أخيرا مركزا أميركيا لتعليم اللغات، باعتباره محاولة إيرانية لدفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سحب قوات بلاده من العراق قبل الانتخابات الرئاسية المقرّرة لشهر نوفمبر القادم. وتجنّب الصدر في تغريدته الإشارة إلى القوات الأميركية واكتفى باستخدام عبارة “احتلال العراق” حرصا على تجنّب شبهة الانحياز للجانب الأميركي ضدّ إيران، لكنّ منتقدي زعيم التيار الصدري المعروف بتقلّب مواقفه وكثرة مفاجآته حدّ الغرابة في الكثير من الأحيان، رأوا في دعوته إلى نبذ العنف ضدّ المصالح الأجنبية “مغازلة للأميركيين بعد فشله في نيل ثقة الإيرانيين”، وفق عبارة أحد النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي. وذكّر الناشط ذاته بأنّ الصدر كان من السباقين إلى استخدام العنف ضدّ القوات الأميركية عن طريق ذراعه المسلّحة التي شكّلها سنة 2003 تحت اسم جيش المهدي، متّخذا من صحيفة الحوزة الناطقة باسم تياره منبرا للدعوة إلى مقاومة الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق. وقال الصدر في تغريدته “لا أجد من المصلحة إدخال العراق في نفق مظلم وفي أتون العنف”، مؤكّدا “لا أجد من المصلحة استهداف المقرات الثقافية والدبلوماسية”. كما اعتبر أنّ اللجوء إلى العنف “يعرض العراق وشعبه للخطر المحدق”. ويصف خصوم الصدر الرّجلَ بأنّه دائم البحث عن دور قيادي في حكم العراق يعتبره حقّا أصيلا له موروثا عن أسرته ذات المكانة المرموقة في مجال التديّن الشيعي. وخلال الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي شهدها العراق انطلاقا من خريف العام الماضي والتي وضعت النظام القائم على حكم الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، أمام خطر السقوط، لاحت فرصة ثمينة للصدر للتقدّم إلى واجهة المشهد عبر لعبه دور المنقذ للنظام باستخدام طريقته المعهودة في توظيف شعبيته داخل الأوساط الشيعية الفقيرة لاختراق الحراك الاحتجاجي من الداخل وتفكيكه بالتدريج، لكنّه فشل في ذلك حيث تواصلت الحركة الاحتجاجية حتى إسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي المقرّب من إيران ومجيء حكومة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي غير المحسوب على المعسكر الإيراني والمعروف بعلاقاته الوثيقة مع واشنطن. ويبدو أنّ قراءة الصدر للمشهد السياسي الحالي في العراق قادته إلى أنّ الولايات المتّحدة لا تزال ممسكة ببعض خيوط اللعبة السياسية في البلد وأنّ التقرّب منها يمكن أن يحقّق له من المكاسب ما لم يتمكّن من الحصول عليه من إيران. وأخذ الصراع الإيراني الأميركي على أرض العراق منعطفا أكثر حدّة منذ أقدمت الولايات المتّحدة مطلع العام الجاري على قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية قرب مطار بغداد أودت أيضا بالقائد الميداني لعمليات الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس. وبات إخراج القوات الأميركية رهانا إيرانيا، تعمل طهران على تحقيقه عن طريق الميليشيات الشيعية التابعة لها والتي صعّدت مؤخّرا من هجماتها على المصالح الأجنبية في العراق، وخصوصا المصالح الأميركية. وفي نطاق تنويع عملياتها استهدفت تلك الميليشيات فجر الجمعة مقرّ المعهد الأميركي لتعليم اللغة الإنجليزية بمدينة النجف جنوبي العراق بعبوة ناسفة ألحقت به أضرارا مادية وُصفت بالجسيمة. الصدر كان سباقا إلى استخدام العنف ضدّ القوات الأميركية عن طريق ذراعه المسلّحة المعروفة بجيش المهدي كما فجّرت الميليشيات، مساء الخميس، عبوة ناسفة في رتل شاحنات يحمل معدات للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في محافظة بابل وسط البلاد، دون أن يسفر التفجير عن وقوع ضحايا. وشملت الهجمات على المصالح الدبلوماسية والعسكرية الأجنبية في العراق، أيضا، البعثة الدبلوماسية البريطانية في بغداد حيث استهدف، الثلاثاء، هجوم بعبوة ناسفة سيارة دبلوماسية بريطانية في محيط المنطقة الخضراء شديدة التحصين بالعاصمة بغداد. وجاء الانفجار بعد ساعات من إطلاق مجهولين لثلاثة صواريخ كاتيوشا على المنطقة ذاتها أسقطت المنظومة الدفاعية بالسفارة الأميركية أحدها، وفق مصدر أمني عراقي. وكانت الولايات المتّحدة قد لجأت إلى تركيز منظومة مضادّة للصواريخ والقذائف قصيرة المدى لحماية مقرّ سفارتها الضّخم في بغداد بعد أن تعدّدت خلال الأشهر الماضية عمليات استهدافه بصواريخ الكاتيوشا. وسبق تلك الأحداثَ في بغداد تفجيران بعبوتين ناسفتين استهدفا، الاثنين في موقعين منفصلين بمحافظتي الديوانية وبابل جنوبي بغداد، أرتالا كانت تنقل معدات لقوات من التحالف الدولي ضد داعش بصدد الانسحاب من العراق. وكانت فصائل شيعية مسلحة، بينها كتائب حزب الله العراقي المرتبطة بإيران، قد هددت باستهداف مواقع تواجد القوات الأميركية في البلاد، حال لم تنسحب امتثالا لقرار البرلمان العراقي القاضي بإنهاء الوجود العسكري في العراق. وصوت مجلس الأمّة العراقي في يناير الماضي بالأغلبية على إنهاء الوجود العسكري الأجنبي على أراضي البلاد إثر مقتل سليماني والمهندس على يد القوات الأميركية. وحثّ مقتدى الصدر في تغريدته على “اتّباع السبل السياسية والبرلمانية لإنهاء الاحتلال ومنع تدخلاته”، مبتعدا بذلك عن الفصائل المنتهجة للعنف وسيلة لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق. ومنذ بروزه سنة 2003 ضمن مجموعة رجال الدين والسياسيين الذين ظهروا في واجهة المشهد العراقي إثر إسقاط الولايات المتّحدة لنظام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين، عرف مقتدى الصدر بمواقفه المتقلّبة حدّ التضارب في الكثير من الأحيان، فبعد رفعه لواء مقاومة الاحتلال الأميركي البريطاني للبلاد، عاد لاحقا ليعلن عن حلّ ذراعه العسكرية جيش المهدي، معلنا موقفا سلبيا من الميليشيات التي وصفها بـ”الوقحة”، لكنّه لم يطبق قراره بالفعل إذ اكتفى بتغيير تسمية تلك الميليشيا، إلى سرايا السلام. وفي سنة 2013 فاجأ الرأي العام العراقي بتسريب خبر عن قراره اعتزال الحياة السياسية وإغلاق مكتبه الخاص في النجف وذلك احتجاجا على تردي الوضع الأمني وتصرفات بعض العناصر المحسوبة على تياره، لكنّ ما فعله منذ ذلك الحين هو المزيد من الغرق في الشأن السياسي وملاحقة الدور القيادي الذي يحلم به.

مشاركة :