يختبر إعلان الولايات المتحدة بشكل أحادي دخول العقوبات الأممية على إيران حيز التنفيذ، الأحد، مدى قدرة واشنطن على تطبيق هذه الخطوة في ظل معارضة من أغلب دول مجلس الأمن الدولي التي تقول إن الإجراء غير قانوني. وتراهن واشنطن لفرض خيارها على العقوبات الثانوية التي ستطال الشركات الأجنبية في حال عدم التزامها وهي خطوة آتت أكلها في تصفير صادرات النفط الإيراني رغم المعارضة الدولية آنذاك. واشنطن - أعلنت الولايات المتحدة من جانب واحد أن عقوبات الأمم المتحدة على إيران دخلت مجددا حيّز التنفيذ وحذّرت من “عواقب” عدم الالتزام بها، في خطوة ترفع منسوب التوتر دوليا. ومن شأن عودة عقوبات الأمم المتحدة أن تلزم إيران بتعليق جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة، بما في ذلك البحث والتطوير، وحظر استيراد أي شيء يمكن أن يساهم في تلك الأنشطة أو في تطوير أنظمة إطلاق الأسلحة النووية. وستشمل كذلك معاودة فرض حظر الأسلحة على إيران ومنعها من تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل أسلحة نووية واستئناف فرض عقوبات محددة على العشرات من الأفراد والكيانات. كما سيتم حث الدول على فحص الشحنات من إيران وإليها والسماح لها بمصادرة أي شحنة محظورة. وقوبلت إعادة تفعيل ما يطلق عليها آلية “سناب باك” التي أُعلن عنها الشهر الماضي، بتنديد من طهران، التي دعت باقي دول العالم للوقوف صفا واحدا في مواجهة تحرّكات واشنطن “المتهورة”. وتعهّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ”عواقب” تطال أي دولة عضو في الأمم المتحدة لا تلتزم بالعقوبات، على الرغم من أن واشنطن وحيدة في اعتبارها أن العقوبات مفروضة. ورُفعت العقوبات الأممية عام 2015 عندما وقّعت إيران الاتفاق الدولي الذي تعهّدت بموجبه بعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية، إلا أن الرئيس الأميركي يعتبر هذا الاتفاق الذي تفاوض بشأنه سلفه الرئيس باراك أوباما غير كاف وأعلن انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، وأعاد فرض وحتى تشديد عقوبات بلاده على إيران. وحاليا، تصر الولايات المتحدة على أنها لا تزال شريكة في الاتفاق الذي انسحبت منه، وذلك بهدف إعادة تفعيل آلية “سناب باك”. وتعترض كافة الدول الأعضاء في مجلس الأمن تقريباً على إمكانية استفادة واشنطن من هذا الوضع، وبالتالي لم يستجب مجلس الأمن للمسعى الأميركي. والأحد، صدر بيان مشترك عن البلدين دائمي العضوية في مجلس الأمن، فرنسا وبريطانيا، إضافة إلى العضو غير الدائم ألمانيا، جاء فيه أنه لا يمكن أن يكون لـ”إشعار الولايات المتحدة أي أثر قانوني”. كما اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن إعلان واشنطن يفتقد للأساس القانوني. وقالت “بحكم طبيعتها، لا يمكن لمبادرات وتحرّكات الولايات المتحدة غير الشرعية أن تحمل عواقب قانونية دولية بالنسبة للبلدان الأخرى”. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده خلال مؤتمر صحافي في طهران “نتوقع من المجتمع الدولي وجميع دول العالم الوقوف ضد هذه التحرّكات المتهورة من قبل النظام في البيت الأبيض والتحدّث بصوت واحد”. واشنطن تتعهد بـعواقب تطال أي دولة لا تلتزم بعودة العقوبات، على الرغم من أنها وحيدة في اعتبارها مفروضة وتعهّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن يتم الإعلان خلال أيام عن الإجراءات التي ستتخذ بحق “منتهكي” العقوبات. وأفاد “إذا أخفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في القيام بواجباتها بتطبيق هذه العقوبات، فإن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام سلطاتها الداخلية لفرض عواقب على الجهات التي تقف وراء هذه الإخفاقات وضمان ألا تجني ايران مكاسب من هذا النشاط المحظور من قبل الأمم المتحدة”. ويتوقع أن يتطرق ترامب لتفاصيل هذه الإجراءات خلال خطابه المرتقب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء، والذي يأتي قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من نوفمبر التي يسعى للفوز بولاية ثانية فيها. وندد بومبيو بشدّة بفرنسا وبريطانيا وألمانيا متهما إياها بـ”الانحياز إلى آيات الله” الإيرانيين. وفعّل في 20 أغسطس آلية “سناب باك” المثيرة للجدل. لكن إدارة ترامب تتصرف وكأنه أُعيد فرض العقوبات الدولية على طهران، فيما يواصل المجتمع الدولي التصرّف وكأن شيئا لم يكن. وتشدد واشنطن على أنه تم تمديد الحظر على الأسلحة “إلى ما لا نهاية” وأن العديد من الأنشطة المرتبطة ببرامج إيران النووية والصاروخية باتت الآن هدفا لعقوبات دولية. وقال دبلوماسي في الأمم المتحدة “لا شيء سيحدث” مضيفاً أن الوضع “أشبه بالضغط على الزناد من دون انطلاق الرصاصة”. وندد دبلوماسي آخر بخطوة واشنطن “أحادية الجانب” قائلا إن “روسيا والصين ستراقبان بارتياح… التداعيات المزعزعة للاستقرار بدرجة هائلة” للخلاف بين واشنطن وشركائها الأوروبيين. وندد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي بالقرار. وقال “من المؤلم أن نرى كيف يمكن لدولة أن تهين نفسها بهذه الطريقة، وتعارض بهذيانها العنيد باقي أعضاء مجلس الأمن الدولي”. وأضاف “قلنا جميعنا بوضوح في أغسطس إن ادعاءات الولايات المتحدة بشأن إطلاق سناب باك غير شرعية. هل واشنطن صمّاء؟”. لكن قد يتواصل ارتفاع منسوب التوتر في حال نفّذت الولايات المتحدة بالفعل تهديدها بفرض عقوبات ثانوية على الجهات التي لا تلتزم بالتدابير الجديدة بحق إيران. وقالت مصادر إن ترامب يعتزم إصدار أمر تنفيذي يسمح له بفرض عقوبات على كل من ينتهك حظر الأسلحة التقليدية المفروض على إيران من الأمم المتحدة في محاولة لتعزيز إصرار الولايات المتحدة على أن الإجراء أصبح ممددا إلى أجل غير مسمى لما بعد 18 أكتوبر. وأكدت المصادر، التي طلبت عدم نشر أسمائها أن من المتوقع إصدار الأمر التنفيذي في الأيام المقبلة وأنه سيسمح بمعاقبة المخالفين الأجانب وحرمانهم من الوصول إلى السوق الأميركية. والعقوبات الثانوية هي تلك التي تسعى فيها دولة ما إلى معاقبة دولة ثانية بسبب تجارتها مع دولة ثالثة، وذلك من خلال منع الوصول إلى سوقها، وهي أداة قوية للغاية في يد الولايات المتحدة بسبب حجم اقتصادها. ولا ترغب معظم الشركات الأجنبية في المخاطرة بالاستبعاد من السوق الأميركية الواسعة من أجل التجارة مع الدول الأصغر مثل إيران.
مشاركة :