يعتقد مراقبون سياسيون أن مساعي العراق لتمتين العلاقات مع فرنسا في هذه الفترة لا تخرج من دائرة محاولات تشتيت جهود تركيا وتضييق هامش تحركاتها بشكل أكبر، بعد أن باتت تتدخل في كل شيء بالمنطقة، حيث تريد أن تلعب دورا أكبر ضمن سياقات إقليمية ودولية تحت يافطة حماية مصالحها الجيواستراتجية. بغداد - أظهر التقارب العراقي الفرنسي مدى الانزعاج الذي تبديه أنقرة من وجود علاقات قوية تربط رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والرئيس إيمانويل ماكرون، الذي ينظر إلى العراق على أنه بوابة لإعادة نفوذ بلاده إلى منطقة الشرق الأوسط. ويعتزم رئيس الحكومة العراقية زيارة باريس منتصف أكتوبر المقبل، وسيطلب خلالها شراء أسلحة فرنسية وفق حاجات الجيش العراقي، حسبما به صرح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين. ويعمل الكاظمي على مسارات متعددة لخدمة برنامجه الحكومي الإصلاحي، وذلك خلافا لأسلافه الذين اعتمدوا بشكل كلي على النظام الإيراني في توفير حاجيات العراق الاقتصادية والأمنية. وقال حسين في تصريحات صحافية نشرت الاثنين، إن هناك رغبة فرنسية في تعزيز العلاقات مع بغداد تقابلها رغبة عراقية في تقوية العلاقات مع باريس، وثمة مشاريع اقتصادية تم طرحها وحظيت بموافقة مبدئية، وهي مشاريع تتعلق بالبنى التحتية وقطاع الطاقة والنفط، إضافة إلى المسائل الأمنية والعسكرية. وكان ماكرون قد زار بغداد أوائل الشهر الجاري، وقد أثارت تلك الزيارة انزعاجا واضحا لدى الأتراك، الذين يواصلون انتهاك سيادة العراق بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي يتخذ من شمال العراق معقلا رئيسيا. وتبحث تركيا عن تعزيز وجودها العسكري في شمال العراق حيث شنت في يونيو الماضي حملة عسكرية واسعة داخل الأراضي العراقية لمطاردة المتمردين الأكراد، ورغم الاعتراضات الشديدة من قبل بغداد فإن أنقرة لم تبال بتلك الاحتجاجات وواصلت عملياتها داخل المناطق والقرى العراقية. وسلطت وسائل إعلام تابعة للنظام التركي الضوء على المخاوف الحقيقية لأنقرة من تزايد النفوذ الفرنسي في العراق من بوابة علاقاتها القوية مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي سيزور باريس ويَعقد هناك سلسلة من الاتفاقات ستعزز من الوجود الفرنسي في بغداد. ويتفاقم الخلاف بين أنقرة وباريس على أكثر من جبهة سواء في سوريا أو ليبيا أو شرق المتوسط، حيث بدت الوسائل الإعلامية التابعة لأنقرة قلقة من التقارب الحاصل بين رئيس الحكومة العراقية وقصر الإليزيه. الحراك الدبلوماسي الفرنسي باتجاه العراق يحمل في طياته العديد من الرسائل لكل من إيران وتركيا وينظر صناع القرار في أنقرة على أن الحراك الدبلوماسي الفرنسي بالعراق يحمل العديد من الرسائل المهمة لكل من إيران وتركيا، خصوصا بعد لقاء ماكرون بقادة العراق في زيارته الأخيرة. وكان الرئيس الفرنسي قد اتهم خلال زيارته الأخيرة كلا من إيران وتركيا بالتسبب في المحن التي عصفت بالعراق خلال الأعوام الماضية. وتخشى أنقرة من زيادة النشاط الفرنسي في العراق الذي قد يمهد الطريق أمام باريس لإيجاد موطئ قدم لها في سوريا المجاورة. وقال ماكرون في تصريحات سابقة إن “التحديات التي تواجه العراق هي نتيجة للنفوذ القوي للغاية لإيران في هذا البلد، والتدخلات التركية في الشؤون الداخلية للعراق”، كما انتقد حينها العمليات العسكرية التركية المستمرة في شمال العراق. وأبدى الرئيس الفرنسي دعم بلاده لسيادة العراق وجهود رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لإخضاع جميع الجماعات المسلحة لسيطرة الدولة في رسالة واضحة للميليشيات المدعومة من إيران. وكان الانزعاج التركي واضحا من التقارب الحاصل بين باريس وبغداد، ولقاء ماكرون مع قيادة إقليم كردستان، حيث عملت على استدعاء رئيس الإقليم نيجرفان البارزاني بعد 72 ساعة من لقائه ماكرون في بغداد وذلك لتوجيه رسائل بأن لها في العراق حلفاء يضمنون لها موطئ قدم في حال انحازت بغداد إلى باريس. ويعول الرئيس الفرنسي على التقارب مع الحكومة المركزية في بغداد أكثر بكثير من تحقيق أي نوع من التقارب مع حكومة كردستان الصامتة عن انتهاكات أنقرة للسيادة العراقية وملاحقتها لعناصر حزب العمال الكردستاني. وينظر إلى التقارب الحاصل على أنه يأتي بعد تصريحات أميركية بشأن خفض عدد القوات الأميركية في العراق ويمكن قراءة الرغبة الفرنسية في “ملء الفراغ” الذي قد ينتج عن الانسحاب الأميركي من العراق، حيث تبذل باريس مساعي لتفعيل دور حلف شمال الأطلسي في العراق لتقديم خدمات استشارية للجيش العراقي. ومن أبرز الملفات التي حملها ماكرون في زيارته إلى بغداد، أن الحكومة العراقية طلبت من فرنسا مساعدة العراق في مسألة السيادة، وكذلك ملف القوات الأجنبية ومنها الفرنسية داخل الأراضي العراقية. وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، قد زارت بغداد أواخر أغسطس الماضي، وأجرت مباحثات مع الرئيس برهم صالح، ورئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، ونظيرها جمعة عناد الجبوري، وقائد قوات التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية ضد الإرهاب، وذلك تمهيدا لتعزيز التقارب بين البلدين في وجه التدخلات التركية.
مشاركة :