د. محمد مبروك يكتب: معركة العصر

  • 9/27/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تستعد المدارس والجامعات لفتح أبوابها للطلاب لبدء عامٍ دراسيٍّ جديد بعد عُطلةٍ إجبارية طويلة امتدت لأشهر، ليس فقط في مصر بل على مستوى العالم.وبقدر ما لاقى النظام التعليمي بأكمله من صعوبات في فترة التوقف الطارئة مع انتشار فيروس كورونا، ومحاولة الاستفادة من التجربة الجديدة التي قادها على مدار الأعوام الماضية وزير التعليم طارق شوقي، والتي لو لم يظهر هذا الوباء، ما كان يمكن المغامرة بتطبيقها على هذا النطاق، وبتلك السرعة وكأن من وَضَع التصور الأوْل لهذه التجربة كان يقرأ المستقبل حين فَكّر فيه، فقد كانت المنصّات الإلكترونية الملاذ الوحيد لمحاولة للخروج من الأزمة وانهاء العام الدراسي المنصرم على هذا النحو.وليس من قبيل المبالغة إذا قلنا إن التعاطي مع ملف التعليم خلال فترة انتشار الجائحة في مصر يُعتبر من أفضل نماذج التعامل مع هذا الملف الهام على مستوى العالم، فقد لاحظ كل من يدرس أبناؤهم في التعليم الأجنبي في مصر هذا القدر من التخبط، وانعدام الرؤية خلال الأزمة، والاعتماد على وسائل بدائية في تقييم الطلاب، بل وغير علمية مما تسبب في مهزلةٍ دراسية بمعنى الكلمة اضطرت بعض النظم التعليمة الأجنبية لتغيير نتائج العديد من الطلاب بعد ظهورها.وبمقارنة ما حدث من هذه الأنظمة التي من المفترض أنها عالمية ومتطورة مع النظام التعليمي المصري الجديد، نجد تفوق النظام المصري عليها بشكلٍ مدهش خلال هذه الأزمة.فقد اعتمد النظام التعليمي المصري الجديد على ما أسسه من قواعد بيانات، ومنصات إلكترونية تعتمد على التعليم عن بُعد فيما يُعرف ببنك المعلومات في جميع المواد، بل وكان له من السَبْق والجرأة منقطعة النظير في توزيع الحواسيب اللوحية على الطلاب في المدن والأرياف، مما كان مدعاةً للتندّر بل والسخرية من البعض، والإصرار على احباط الهمم والتأكيد على أن هذا "الجنون" لا محالة سيفشل!وها قد نجح نظام "التابلت" والمنصّات الإلكترونية وبنوك المعرفة والتعليم عن بعد، بنفس القواعد المثْبتة من قبل انتشار الجائحة.ومع التطبيق الناجح لهذا النظام والذي كان الهدف من إطلاقه بالأساس تغيير نظام التعليم التلقيني العقيم والاعتماد على ما يقوم بحفظه الطلاب، والتسابق في قدرة الحفظ واستعادة المعلومات بنفس نصوصها ونماذج حَلها حتى مع المواد التطبيقية في الامتحانات المكررة والساذجة دون استيعاب تلك المعلومات ولا ما المقصود من دراستها، إذ تفاجأ تجار النظام القديم وأباطرة قاعات الدروس الخصوصية المكتظة بأجيالٍ يتم تجهيلها عن عمد بنظامٍ جديدٍ لا قِبَل لهم به، حيث لا ينفع معه الرقص على انغام أغاني المهرجانات المبتذلة ولا استخدام أساليب النوادي الليلة في التلقين والتحفيظ، فما كان منهم ومَن خلفهم إلا المعارضة الشديدة وتأجيج الرأي العام تجاه أُوْلى تجارب إطلاق هذا النظام. ورأينا الحملات المشبوهة التي كان وراءها العديد من معارضي أي تقدم وكل تغيير حيث اختلفت أسباب تلك المعارضة الجهولة ما بين حرب المنتفعين، وثكالى النظام السياسي البائد، وبعض ال "إمعة" الذين يركنون إلى الانسياق الأعمى خلف تلك الحملات. إذا كان لِبَعض الأزمات أضرار بالغة على الأمم، فقد يولد من رحمها بعض المكاسب، ولعل من أهم مكاسب كورونا في مصر، اقرار وتثبيت النظام التعليمي الجديد والاقتناع بمدى جديته ونجاعة أسلوبه أبان تلك الأوقات العصيبة.وإذا كانت معركة العالم أجمع هذه الأيام مع فيروس كورونا هي معركة علمية، تتسابق فيها دول العالم المتقدم فيما بينها للوصول إلى لقاح وعلاج فعال لهذا المرض، فإن معركتنا نحن في مصر هي معركة التعليم، والتي أرى أننا بدأناها بإطلاق هذا النظام التعليمي وتثبيته خلال العام الماضي، وعلينا استكمالها وتعميمها في التعليم الجامعي أيضًا.كفانا تخريج أجيالٍ قد نست ما درست قبل ظهور النتائج النهائية لعامهم الدراسي الأخير، ويكفي أن يفتقر سوق العمل للكفاءات المناسبة رغم كثرة الخريجين الذين يرزحون تحت وطأة الجهل الذي يحملون شهادته، والبحث عن فرص عمل غير مناسبة لهم، ولنَنْعم بنظام تعليمي يعتمد على فهم وتحصيل علوم تراكمية، يمكن الاستفادة منها في معامل البحث التي يجب أن تفتح أبوابها وتفرز أبحاثًا ذات قيمة مضافة للعلم، وفي أسواق العمل، بل وفي شتى مناحي الحياة.ومن هنا يتضح أن التعليم بالنسبة لأمتنا هو المعركة الفاصلة، معركة العصر التي يجب أن ننتصر فيها، وإنّا لمنتصرون.

مشاركة :