يترقب عشرات ملايين الأميركيين المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة، الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الساعي لولاية ثانية ومنافسه الديمقراطي جو بايدن. وسجلت المناظرة الأولى بين ترامب ومنافسته المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في سبتمبر 2016 عدداً قياسياً من المشاهدات بلغ 84 مليون شخص. وإذا سجلت أرقام مماثلة الثلاثاء، فهي ستساوي ثلاثة أضعاف عدد مشاهدي خطاب الرئيس وخصمه الديمقراطي خلال مؤتمري الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. ويشير جون كوخ الأستاذ المتخصص بالمناظرات السياسية في جامعة «فاندربلت» إلى أن «هذه لحظة نادرة...اللحظة الوحيدة التي نرى فيها المرشحين معاً والحزبين الكبيرين معاً في نقاش جلي، خارج الكونجرس». مع ذلك، يرى محللون أنه بالنسبة للمشاهدين ومستخدمي الإنترنت الذين تنهال عليهم منذ أسابيع الإعلانات الانتخابية، لن يكون لهذه المناظرة تأثير حاسم في مجريات انتخابات 3 نوفمبر 2020. ويذكّر هؤلاء بعام 2016، حين اعتبرت المرشحة كلينتون منتصرةً بعد المناظرات الثلاث، قبل أن تخسر الانتخابات. ولا ينحصر هذا الانقطاع بين أداء المرشحين ونتائج الانتخابات على عهد ترامب فحسب، بل في عام 2004، كان فوز المرشح الديمقراطي جون كيري على جورج بوش الابن شبه مؤكد، قبل أن يخسر الانتخابات أيضاً. والمرة الأخيرة التي غيرت فيها مناظرة مسار النتائج كانت في عام 1984، حين سخر المرشح رونالد ريغان الذي كان يبلغ من العمر حينها 73 عاماً من «صغر سن وقلة خبرة» منافسه الديمقراطي، ما ساعده على كسب الانتخابات. يشرح المؤرخ المختص بالإعلام في جامعة «ماين» مايكل سوكولو أنه منذ المناظرة المتلفزة الأولى في التاريخ الأميركي عام 1960، التي تقابل فيها ريتشارد نيكسون مع جون كينيدي، أصبحت المناظرات أقلّ زخراً بالمعلومات بكثير. وفي عام 1976، كان لا يزال بإمكان الديمقراطي جيمي كارتر أن «يقدم أفكاراً جديدة» في مواجهة الرئيس جيرالد فورد. لكن اليوم، يعرف المشاهدون «ما سيقوله (المرشحان) قبل عقد المناظرة» وباتت في الواقع مجرد «عرض، يتيح لهما إثبات أنهما حفظا دورهما جيداً». يوضح كوخ أيضاً أنه بالنسبة للناخبين الذين لم يقرروا بعد لمن يمنحون صوتهم، والذين غالباً ما تسعى هذه المناظرات لاستقطابهم، فقد «بات هؤلاء قلة قليلة». وقد لا تؤدي المناظرات إلى انقلاب تام في مواقف الناخبين، لكنها تسمح لمن هم متأرجحون بشكل طفيف في مواقفهم باتخاذ قرار. وفي عام 2016، قال 10% من الناخبين إنهم قرروا نهائياً «خلال أو بعد المناظرة» لمن يمنحون صوتهم، وفق استطلاع لمركز أبحاث «بيو». وفي هذا السياق، تبرز أهمية أسلوب المرشح وجاذبيته في التأثير أكثر من كلماته. وقد يكون جو بايدن، الذي لا يعرفه المشاهدون كثيراً، محط فضول الناخبين أكثر من ترامب. ويؤكد ديفيد باركر من الجامعة الأميركية أن «الكثير من الأشخاص سيراقبونه، ليروا ما إذا كان شخصاً لطيفاً ومريحاً». قد يتحدث نائب الرئيس السابق، البالغ من العمر 77 عاماً، عن وفاة زوجته الأولى وابنتهما في حادث سير عام 1972 وفقدانه ابنه بو عام 2015 إثر إصابته بالسرطان. وقد تثير هذه المآسي الشخصية تعاطفاً شديداً معه، وهي غالباً ما تبين أنها «وسيلة سياسية ناجعة»، بحسب باركر. وفي مجتمع يعتمد على الإعلام إلى حد كبير، تحمل أحياناً الانطباعات الأولى للمشاهدين تأثيراً أقل على مجريات السباق من تقييمات المعلقين السياسيين للمرشحين في أعقاب المناظرة، كالتعليق مثلاً على تردد في التعبير أو حركة ما أو عبارة غير متوقعة. وتشير إيمي ديسي المسؤولة السابقة في الحزب الديمقراطي إلى أن «ما يحصل بعد المناظرة، وكيف يجري استخدامها، قد يكون له تأثير أكبر» من المناظرة نفسها. وتضيف أن المرشحين أنفسهما «قد يحاولان قول بعض الأشياء للخصم» حتى يعاد استخدامها لاحقاً في إطار الدعاية الانتخابية. والمؤكد أن نموذج هذه المناظرات، الذي اعتمد من قبل لجنة خاصة في عام 1988، يتميز بحيادية سياسية، تجعل من النقاش آمناً لكلا المرشحين، لتكونها من شخص يدير الأسئلة والردود التي تتناول مواضيع جرى اختيارها مسبقا، وتشمل مداخلات محددة المدة. لا يفترض أن يغير الوباء إلا قليلاً في هذا النموذج، فالحضور سيكون معدوماً أو قليلاً، وربما سيظهر جو بايدن بكمامة في محاولة للتشديد على خطورة كوفيد-19 التي يتهم ترامب بالتقليل منها.
مشاركة :