تراجعت أسعار النفط الخام أمس، بسبب المخاوف المحيطة بالطلب العالمي جراء الانتشار السريع لوباء كورونا خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، فيما لا تزال توقعات التعافي في الاقتصاد العالمي محاطة بكثير من الشكوك. وتتلقى السوق دعما من إجراءات "أوبك+" لتقييد المعروض النفطي والتحسين المستمر في مستوى الامتثال لحصص خفض الإنتاج والضغط على الدول المقصرة لعدم الخروج عن العمل الجماعي للمنتجين، كما تتلقى الأسعار دعما من خطط تحفيز الاقتصاد الأمريكي، كما أن التعافي المستمر في القطاع الصناعي الصيني يعطي بارقة أمل للسوق النفطية. وقال لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون "إن "أوبك+" تقود جهودا مكثفة لعلاج وفرة المعروض الحادة في الأسواق، وذلك بعدما أدى فيروس كورونا إلى فائض في طاقة إنتاج النفط والغاز في جميع أنحاء العالم"، مشيرين إلى إحصائيات صادرة عن وكالة الطاقة الدولية تؤكد أن الطلب على النفط سينخفض بنسبة 7.1 في المائة هذا الربع عما كان عليه قبل عام. وذكر المختصون أن السعودية وروسيا تسعيان إلى استعادة التوازن في السوق من خلال معالجة هذا الضعف بضخ كميات أقل من النفط الخام، والضغط على الدول المقصرة في الامتثال لحصص خفض الإنتاج، لافتين إلى توقعات لوكالة الطاقة الدولية بحدوث انخفاض بنسبة 4 في المائة في استهلاك الغاز هذا العام، أي ضعف الانخفاض الذي شوهد خلال الأزمة المالية 2008-2009. وقال سيفين شيميل مدير شركة "في جي أندستري" الدولية، "إن حالة عدم الاستقرار تهيمن على سوق النفط، حيث تفاقمت مع اتساع المخاطر الجيوسياسية أخيرا بسبب الإضرابات المتوقعة في النرويج واشتعال الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان، لكن حتى الآن لم تظهر أسواق النفط والغاز أي خوف من الصراع بسبب انخفاض الطلب العالمي على الطاقة بشكل كبير بسبب جائحة كورونا". وأشار إلى أن المخاطر الجيوسياسية تساعد على تقلص المعروض النفطي وزيادة فرص تعافي الأسعار، لكن بشكل عام ما زال المنتجون في جميع أنحاء العالم لديهم طاقة فائضة من الإمدادات، ما يقلل من تأثير الاضطرابات في زيادة أسعار الطاقة، لكن إذا حدث قصف لخطوط الأنابيب فربما يكون له رد فعل سريع ولو مؤقت على الأسعار. من جانبه، أكد روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أن ضغوط الجائحة على الطلب لها الكلمة العليا في السوق وهي التى تقود إلى استمرار نزيف الخسائر في أسعار النفط، مبينا أنه لا يبدو أن أسواق النفط قلقة بشكل خاص من أي اضطراب محتمل في صادرات الخام الأذربيجاني، حيث تساعد الإمدادات الوفيرة في البحر الأبيض المتوسط من نوع الخام الخفيف الذي تنتجه أذربيجان على التخفيف من مخاوف سوق النفط. وأشار إلى أن المخاوف من استمرار وتفاقم تخمة المعروض مستمرة على الرغم من انكماش الإنتاج الأمريكي واحتمال توقف الإنتاج في النرويج، متوقعا ارتفاع هذه الإمدادات أكثر في الأسابيع المقبلة إذا نجحت ليبيا في تعزيز التدفقات نتيجة الهدنة السياسية إضافة إلى استمرار زيادات إنتاجية متوقعة من العراق وبعض الدول المنتجة الأخرى. من ناحيته، ذكر ماركوس كورج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أن التقلبات ما زالت تسيطر على السوق بسبب عديد من العوامل المتضادة والمرتبطة بالجائحة حيث تراجعت العقود الآجلة للنفط الخام وسط استمرار ضعف أساسيات العرض والطلب، ما أدى إلى فقدان بعض المكاسب السابقة التي تحققت على خلفية ارتفاع أسعار الأسهم الأمريكية وضعف الدولار والمرتبط بعلاقة عكسية مع أسعار النفط الخام. وأوضح أن ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا يهدد الحفاظ على التعافي المستمر للطلب، مبينا أن الإمدادات النفطية من ليبيا تعود في وقت غير ملائم إلى السوق المثقلة بكثيرمن الأعباء، لافتا إلى أن الإحصائيات تشير إلى تضاعف الإنتاج الليبي ثلاث مرات تقريبا من 90 ألف برميل يوميا إلى 250 ألف برميل يوميا. بدورها، قالت جولميرا رازيفا كبير محللي المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان، "إن الوضع في السوق النفطية ليس سلبيا بالكامل حيث ما زالت الآمال في التعافي باقية بقوة، خاصة إذا تم التوصل إلى لقاح موثوق وفعال للفيروس"، مشيرة إلى أن التعافي المستمر في القطاع الصناعي الصيني يعطي بارقة أمل في تجاوز الأزمة قريبا حيث إن هناك مؤشرات على عودة اقتصادية قوية لثاني أكبر اقتصاد في العالم وأعلى مستهلك للطاقة. وأضافت أن "العوامل الإيجابية ليست قاصرة فقط على الوضع في الصين بل هناك مؤشرات إيجابية من دول أخرى"، موضحة أنه في الوقت الحالي يتم تعليق آمال السوق على تمرير حزمة التحفيز الأمريكي التي يمكن أن تعيد إحياء الانتعاش الاقتصادي الأمريكي الراكد من خلال تقديم دعم جيد للطلب على النفط الأمريكي في هذه المرحلة الحرجة. وفيما يخص الأسعار، انخفض النفط أمس لتمحى مكاسب من الجلسة السابقة، فيما رجحت كفة مخاوف الطلب المزمنة جراء جائحة كورونا أمام آمال ولدتها حزمة تحفيز أمريكية جديدة، يجد مشرعون صعوبة في الاتفاق عليها. وأودى مرض كوفيد - 19 بحياة أكثر من مليون نسمة في أنحاء العالم حتى أمس وفقا لإحصاء "رويترز"، في حين تشهد حالات الإصابة والوفيات تزايدا في عدة دول. وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 34 سنتا ما يوازي 0.8 في المائة إلى 40.26 دولار للبرميل. وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت تسليم كانون الأول (ديسمبر) الأكثر نشاطا 32 سنتا ما يعادل 0.8 في المائة إلى 42.55 دولار للبرميل، وهبط عقد تشرين الثاني (نوفمبر) الذي ينتهي اليوم 27 سنتا إلي 42.16 دولار للبرميل. وفي آب (أغسطس)، سجل الخامان برنت والأمريكي أعلى مستويات منذ أوائل آذار (مارس) في ظل التفاؤل بشأن زيادة الطلب على الوقود والتزام صارم من منتجين كبار للنفط بتخفيضات الإنتاج التي تعهدوا بها، لكنهما انخفضا أكثر من ثلاثة دولارات منذ ذلك الحين بفعل مخاوف بشأن الطلب. من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 41.61 دولار للبرميل أمس الأول مقابل 41.93 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول انخفاض عقب ارتفاع سابق، كما أن السلة خسرت بضعة سنتات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 41.49 دولار للبرميل".
مشاركة :