احتمالات إقدام الولايات المتحدة على خطوة نقل القيادة العسكرية (أفريكوم) إلى قلب أفريقيا تبدو أحد الخيارات الموضوعة فوق طاولة كبار المسؤولين في وزارة الدفاع (بنتاغون) وذلك في ضوء قرار الإدارة الأميركية الانسحاب التدريجي لقواتها من ألمانيا، ورغم أن الأمر في نظر المراقبين مستبعد كونه قد يثير القوى المتصارعة في القارة، لكنه قد يشكل منعطفا مهما في استراتيجية مكافحة الجماعات المتطرفة في حال تم اتخاذ هذه الخطوة. لندن - تتزايد التكهنات بين المحللين العسكريين حول السيناريوهات المتاحة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أن قرر نقل مقر تمركز القوات الأميركية (أفريكوم) من ألمانيا بسبب رفض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زيادة مساهمة بلادها في العمليات العسكرية الخارجية. وبالنظر لتطور أولويات الدفاع الأميركية والاتجاهات طويلة الأمد في قارة أفريقيا رغم أن الخوض في هذه المسألة لا يزال سابقا لأوانه لاسيما في ظل ضبابية استقرار المناطق الجغرافية التي ينتشر فيها الجيش الأميركي خارجيا، فإن الغموض يلف المكان الذي ستتمركز فيه القوات الأميركية. وطرح الباحث بيتر فابريسيوس من معهد الدراسات الأمنية نقاط استفهام بشأن استفادة أفريقيا من وجود قيادة أفريكوم في قلب القارة للمضي قدما في ملاحقة التنظيمات الإرهابية الناشطة في مناطق واسعة هناك، وذلك استنادا على الوجود العسكري الأميركي الكبير في عدد من الدول التي ينشط فيها المتشددون. عندما سعت وزارة الدفاع الأميركية إلى تحديد موقع قواتها الأفريقية المشكلة حديثا (أفريكوم) في مكان ما في أفريقيا في 2007، ورد أن بوتسوانا وليبيريا حريصتان على استضافتها. لكن رئيس جنوب أفريقيا آنذاك ثابو مبيكي ووزير دفاعه موسيووا ليكوتا حشدا القارة لمعارضة الخطوة، وقالا إن ذلك سيشكل انتهاكا غير مقبول لسيادة أفريقيا. وقد تراجعت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جوروج بوش الابن في نهاية المطاف واختارت بدلا من ذلك مدينة شتوتغارت، عاصمة ولاية بادن فورتمبرغ في جنوب ألمانيا، مقرا لقوات أفريكوم لتدير العمليات العسكرية الأميركية في أفريقيا. والآن تبحث أفريكوم عن موطن جديد. وكان قائد أفريكوم الجنرال ستيفن تاونسند قد أعلن في يوليو الماضي أنه تم إخطار القيادة الأميركية في أفريقيا بالاستعداد للتحرك، وسيكون هذا جزءا من خطة البنتاغون لسحب 12 ألف جندي من ألمانيا بعد أن قرر ترامب تقليص عدد القوات الأميركية هناك. ويقول فابريسيوس إن موقف ترامب استند على أن برلين لم تكن تفي بالتزاماتها الدفاعية لمنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) بإنفاق ما لا يقل عن اثنين في المئة من إجمالي ناتجها المحلي على جيشها. وقد كشف تاونسند أن أفريكوم تبحث عن موقع جديد سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، وبحسب ما ورد قال المسؤولون سرا إن القيادة لا تبحث عن مقر جديد في أفريقيا وسبب ذلك على ما يبدو أن الولايات المتحدة تريد تجنب انطباع قد يؤخذ عليها بأنها تعمل على عسكرة علاقاتها مع القارة. وأكد جود ديفيرمونت، رئيس برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ذلك السيناريو، وقال إنه إذا تم نقل أفريكوم، فمن المرجح أن تنتقل إلى أوروبا أو الولايات المتحدة أكثر من انتقالها إلى دولة أفريقية. ويستند ديفيرمونت في تبريره على نقاط عدة، وقال إنه “عندما تم إنشاء أفريكوم كان هناك عدد قليل من المستفيدين الأفارقة، وأظن أنه لا يزال هناك اهتمام محدود باستضافة عدد كبير من القوات الأميركية”، مشيرا إلى أنه إذا بقيت القوات في أوروبا، فإن بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة مرشحة محتملة لاستضافة القوات. ولكن في المقابل، أوضح أنه إذا كان هناك أي أفارقة مستفيدين من تمركز القوات في القارة الأفريقية، فعندها سيكون الانتقال إلى القارة منطقيا، ومع ذلك ربما يعارض البنتاغون ذلك بسبب الجدل الضخم الحادث في عام 2007. وثمة مفارقة كبيرة في الوقت الراهن حول أفريكوم، فإذا كانت جنوب أفريقيا ودول أخرى تعتقد أن إبقاء التمركز في الخارج سيجعل الوجود العسكري الأميركي في مأزق أو غير قوي، فإن هذا السبب غير وجيه فعلى العكس من ذلك، انتشر النشاط العسكري الأميركي والأجنبي في أفريقيا بشكل كبير. وفقا لمعهد الدراسات الأمنية تمتلك 13 دولة أجنبية الآن وجودا عسكريا في أفريقيا، بينها الصين وروسيا، يتركز معظمها في القرن الأفريقي حيث توجد 11 قاعدة عسكرية، ولدى الولايات المتحدة وفرنسا أكبر عدد من القوات في القارة. وبينما تقول وزارة الدفاع الفرنسية إن لديها ما يقدر بنحو ثمانية آلاف من الأفراد العسكريين المنتشرين في جميع أنحاء القارة باستثناء عمليات الأمم المتحدة، تقدر مصادر عسكرية أن الولايات المتحدة لديها حوالي سبعة آلاف جندي خاص متناوبين في أفريقيا، يقومون بعمليات مشتركة مع جيوش بلدان أفريقيا ضد المتطرفين، ويقوم ألفا جندي آخرون بمهام تدريبية في حوالي 40 دولة بينها بلدان المغرب العربي. وتعتبر جيبوتي، بموقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر والمطلة على مضيق المندب، مركز هذا الوجود العسكري الأجنبي، وهي تستضيف سبعة جيوش ومعظم القواعد العسكرية في القرن الأفريقي، وتشير بعض المنصات المتخصصة في الشؤون العسكرية إلى أن أفريكوم لديها الآن 15 قاعدة دائمة و12 قاعدة غير دائمة مخصصة للطوارئ في القارة. ويبدو أن للجيوش الأجنبية دوافع مختلفة للقدوم إلى أفريقيا، البعض لا علاقة له بالقارة مثل استخدام الولايات المتحدة لجيبوتي أو استخدام التحالف العربي بقيادة السعودية لإريتريا كمنصات انطلاق لعمليات ضد الحوثيين في اليمن، بينما بعض القوات الأجنبية تساعد في محاربة المتطرفين العنيفين. تتنوع دوافع دول أفريقيا، فهناك بعض القادة يستخدمون الجيوش الأجنبية لدعمهم أو ببساطة لكسب المال، مثل تواجد فرنسا في تشاد وروسيا في أفريقيا الوسطى، لكن هناك بعض الدول التي تحتاج إلى جنود أجانب للمساعدة في ملاحقة المتشددين. ويرى فابريسيوس أنه بالإضافة إلى ذلك فالقوات الحكومية غير كافية والقوة الاحتياطية القارية ليست شيئا حقيقيا، كل ذلك قد يساهم في زيادة الوجود العسكري الأجنبي. ويبدو الموقف من الوجود العسكري الأجنبي متذبذبا، فالاتحاد الأفريقي يعارض بشكل رسمي القواعد العسكرية الأجنبية، لكن مجلس السلام والأمن التابع له أصدر بيانا في أبريل 2016 دعا فيه الدول الأعضاء إلى توخي الحذر عند “الدخول في اتفاقيات” من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء قواعد أجنبية على أراضيها. وبالنظر إلى حقيقة الاعتماد الكبير على الدعم الخارجي، لا يسع المراقبون إلا التساؤل عما إذا كان نقل أفريكوم إلى أفريقيا سيكون في مصلحة القارة أكثر؟ فمثل هذه الخطوة لن تكون أكثر من خطوة رمزية. ويقول البعض إن أفريكوم مندمجة بعمق في الاتحاد الأفريقي ولها ملحق بمجلس السلام والأمن التابع للاتحاد، وهي تساعد في العديد من المهمات مثل الأمن البحري وأمن الساحل والصحراء ونشر العديد من الدوريات في مناطق كثيرة من القارة.
مشاركة :