من أهم التحديات التي تقف أمام الاعتماد على المواد الطبيعية القوية المستخرجة من النباتات في التصنيع الدوائي، هو أن بعض الأنواع مهددة بالانقراض وقد تكون المادة الفعالة بكميات صغيرة على مدى فترات نمو طويلة ما يؤدي إلى صعوبة شديدة لتلبية متطلبات السوق ويشجع على عملية غش هذه المواد الطبيعية. وهناك مواد طبيعية تستخدم في أدوية مهمة مضادة للسرطان مثل paclitaxel, vinblastine المستخرجة من نباتات تواجه مثل هذه المشاكل، وقد يواجه السكان الموجدون في تلك المناطق ضغوطًا متزايدة من عوامل بشرية المنشأ في الغالب مثل الجمع على نطاق واسع لهذه النباتات، وتطوير الأراضى للزراعة، وإزالة الغابات، والنمو السكانى الواسع، وتغير المناخ، والأضرار البيئية، والحرائق. فيما يواجه أكثر من 20% من أنواع النباتات الطبية والعطرية فى العالم أخطار بدرجات متفاوتة، وأصبح التخليق الكيميائي للمواد الطبيعية إحدى الطرق المستخدمة لتلبية التصنيع الدوائي للمواد الطبيعية وبدأها العالم الكيميائي الألماني Friedrich Wöhler فوهلر فى عام 1828 عندما استطاع تخليق مادة اليوريا العضوية فى المعمل والتي تستخدم في علاج بعض الأمراض الجلدية بدلا من الحصول عليها من المصادر الطبيعية وهو البول، أيضا استطاع العالم الفنلندى ويليام بيركينفي عام 1907 من التخليق الكيميائى الكلى لمادة الكافور الطبيعية وصنعتها شركة Komppa في فنلندا. من عيوب طريقة التخليق الكيميائى الكامل للمواد الطبيعية هى استخدام الكيماويات من أحماض أو قلويات قوية أو معادن ثقيلة لذلك تعد هذه الطريقة مكلفة وغير صديقة للبيئة، كما أن هذه الطريقة لم تنجح فى تخليق كل المواد الطبيعية. تأتى بعد ذلك تقنية النباتات المعدلة وراثيا Transgenic plants وهي تلك النباتات التى تم إدخال جين فيها أو مجموعة جينات صناعيا لإدخال صفة جديدة عليها لا تحدث بشكل طبيعى (مثل تحسين الجودة والإنتاجية لسد احتياجات الغذاء العالمي، ومقاومة الآفات، وتحمل الحرارة والبرودة والملوحة ومقاومة الجفاف وزيادة مدة الصلاحية) أيضا تستخدم تلك النباتات لإنتاج محاصيل مزودة بفيتامينات، أو لقاحات بشرية vaccines، وأيضا مادة طبيعية ينتجها نبات من نوع آخر مختلف تماما، أمثلة لتلك النباتات التى تصلح لهذا الدور تتوافر خصائص معينة، منها نبات التبغ والطماطم والذرة والبطاطس والموز والبرسيم والكانولا. وتم إنتاج مادة الأرتيميسينين Artemisinin الموجودة في نباتsweet wormwood وهى مادة مضادة للملاريا فى نبات آخر وهو نبات التبغ tobacco plants عن طريق إدخال الجين المسئول عن تلك المادة إلى المحتوى الجينى لنبات التبغ، لكن إنتاج المادة هو 7 ميكروجرام/ الوزن الجاف من النبات وهو إنتاج قليل وغير منافس لكن تقنية النباتات المعدلة وراثيا نجحت في مواد طبيعية أخرى.واستطاع العلماء إيجاد وسائل إضافية لعلاج مشكلة توفير مواد طبيعية بطريقة مستدامة لسد الاحتياج المتزايد لتلك المنتجات عن طريق تطبيق زراعة خلايا وأنسجة النباتات وأعضاء النباتات (خاصة الجذور) وتشمل عملية جعل النباتات البرية المهددة بالانقراض تنمو في ظروف خاضعة للرقابة والتحكم في المعمل منذ أول محاولة ناجحة للعالم Haberlandt لسنة 1902 للزراعة المعملية لخلايا نباتية معزولة، وتطورت زراعة الخلايا والأنسجة النباتية إلى تخصص مهم وراسخ. خلال زراعة الخلايا النباتية وتكون تلك الخلايا معلقة فى محلول غذائي لتغذيتها لإنتاج مواد طبيعية هامة على المستوى الصناعى الذي يقدر بعدة مليارات من الدولارات وتتفادى هذه التقنية عدة مشاكل موجودة فى الزراعة الطبيعية مثل المدة الطويلة على مدار العام، عدم تدخل العوامل الجغرافية والعوامل الجوية، وخلو هذه الخلايا من الأمراض والآفات الزراعية والمبيدات الحشرية، أما زراعة أعضاء النبات(خاصة الجذور) في المعمل يمكن أن توفر وسائل لتوريد المواد النباتية المحتوية على المنتجات الطبيعية. وجرى استخدام خلايا أخرى بدلا من الخلايا النباتية مثل خلايا البكتيريا أو الخميرة للتطبيقات الصناعية وأبرزها مادة باكليتاكسيل النباتية التى تم إنتاجها من خلايا بكتيريا، وتمتاز خلايا البكتيريا بمعدلات نمو أسرع وبالتالى إنتاج أسرع وأقل بكثير في التكلفة من استخدام الخلايا النباتية لأن الوسط الغذائى لنمو البكتيريا وتغذيتها رخيص وأيضا تمتاز الخلايا البكتيرية بسهولة فصل وتنقية المادة منها لأن الخلية النباتية تنتج مواد أخرى كثيرة مقاربة فى التركيب الكيميائى. كما يمكن استخدام طريقتين مختلفتين لإنتاج المواد الطبيعية مثل مادة الأرتيميسينين Artemisinin الموجودة فى نبات sweet wormwood (مضادة للملاريا) وتمت دراستها ضد أنواع معينة من السرطانات والأمراض الفيروسية. وهى غير متوفرة لقلة إنتاجها من مصادرها الطبيعية وعدم إمكانية تخليقها بشكل كيميائى بكميات كبيرة ما يؤدى لارتفاع سعرها بشكل لا يتحمله الأشخاص فى البلدان النامية حيث تنتشر الملاريا بشكل متكرر، ومن بينها انتاج الأرتيميزينين artemisinin من خلال نوع من أنواع الخمائر (خميرة) مهندسة وراثيا S. cerevisiae لإنتاج حمض الأرتيميزنك artemisinic acid بكمية كبيرة (25 جم/ لتر) ثم تحويله إلى الأرتيميزينين artemisinin بطريقة كيميائية رخيصة بسيطة، وتم دعم هذا الانتاج ماديا من مرحلة التجارب المعملية إلى الإنتاج الصناعى لمدة خمسة سنوات من مؤسسة بيل وميلاندا جيتس وتم التعاون بين جامعة كاليفورنيا وشركة الأدوية غير الربحيةOne World Health. والآن تستخدم شركة سانوفى هذه التقنية للإنتاج العالى من هذه المادة، والشركة على تصميم شديد لخفض تكلفة الإنتاج لبيعه بسعر معقول للدول النامية.. وللحديث بقية.
مشاركة :