الصدق مع النفس - علي حسن الشاطر

  • 8/4/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لكي يكون المرء صادقاً مع الآخرين يجب أن يكون أولاً صادقاً مع نفسه، وهذا شرط ضروري تفرضه الأخلاق والقيم الإنسانية وتوصي به كل الديانات السماوية، وكثيراً بل وغالباً ما يكون الإنسان غير صادق مع الآخرين إما لغريزة متأصلة في نفسه أو لاستخفاف بالآخرين أو محاولة خداعهم، ظناً منه بأنه بذلك يستطيع تحقيق غاية أو أداء دور مناط به، على أمل أن يوكل إليه دور آخر غيره، ففي هذه الحالة لا يهمه أن يكون الدور قد غرس في عقول الناس وأذهانهم بذرة خيرٍ أو رسخ في أذهانهم القناعة بمصداقيته، بقدر ما يهمه إجادة الدور ولتكن النتيجة ما تكون؛ فهذا ليس بذي بال لدى غير الصادقين مع أنفسهم ومع الآخرين. وقد لا تبرز خطورة عدم الصدق مع النفس وأهميتها عند رجل الشارع العادي لمحدودية دائرة تعامله مع غيره من الناس، ولكن تكمن الخطورة والأهمية لهذا الموقف عندما يكون هذا السلوك يمارسه أولئك النفر الذين مكّنتهم الظروف من تحمل مسؤولية ما بحكم كفاءتهم وظناً بأن يكونوا مؤتمنين على أمور أوطانهم أو شعوبهم أو حتى جماعة من الناس، هنا فقط تبرز الخطورة لأي سلوك متناقض مع الصدق مع النفس وما يجب اتباعه مع الآخرين. لاشك أن كثيراً من معاناة الشعوب ومشكلاتها سببها عدم التحلي بالصدق لدى من يتولى أمورها، وأن كثيراً من التعقيدات التي تشهدها بعض الشعوب تأتي نتيجة استهتار الكثير من المسؤولين بقضايا الأوطان وتخليهم عن فضيلة الصدق في التعامل مع قضايا الناس، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم المشكلات وتعقيدها أكثر، وليس أدل على ذلك ما يجري في اليمن التي تعاني أكثر من غيرها وتتوجع وتتألم بشكل مستمر بسبب هذه العلة المتأصلة في كثير من القيادات الرسمية والحزبية والاجتماعية، وغياب الإدراك بوجوب أن يكون المسؤول قدوة لغيره من عامة الشعب في الصدق والعمل والأمانة والوفاء في أداء الواجبات الوطنية، بحكم الموقع والمسؤولية الجسيمة التي يتحملها والتي تعني التجرد من الأنانيات ومن الاستغلال والانتهازية والمنّ على الشعب والوطن، فالمسؤولية تعني أيضاً الإنتاج.. والإنتاج يعني حياة أفضل لكل الناس.. والحياة الأفضل لا يمكن أن يتم بلوغها ما لم يكن الإنتاج حصيلة جهد مشترك بين المسؤول والمرؤوس، والجهد المشترك لا يمكن استثماره إلا بالنوايا الصادقة وتقديم النموذج الأمثل في السلوك والعمل، وإذا كان المسؤول قد أدرك واجبه واستوعب حدود مسؤولياته وحدد أهدافه، والتزم أمام الله وأمام ضميره أولاً ثم أمام مجتمعه ووطنه ثانياً؛ وتعامل بصدق مع نفسه ومع الآخرين ومع الوطن وأعطى كل ما يستطيع عليه من قدرة وجهد في أداء الواجب الذي يتحمل مسؤوليته وسلك بالفعل هذا المسلك الإيجابي والمثالي، ويكون بذلك قد جذب إلى دائرة المشاركة الصادقة معظم الناس الذين يتعامل معهم ويتعاملون معه وغرس في أذهانهم وعقولهم مثلا أعلى يظل يذكر به حتى بعد أن يتخلى عن المسؤولية أو ينتقل إلى موقع مسؤولية آخر. بوضوح أكثر اليمنيون اليوم وفي ظل أوضاعهم المعقدة بحاجة إلى ذلك المسؤول الذي ينظر إلى المسؤولية على أنها تكليف لا تشريف، ويضع مصلحة الوطن والشعب قبل مصلحته الذاتية ومصلحة حزبه، ويعتبر نفسه مواطناً صالحاً يعمل لرفاهية المجتمع ويصون حقوقه ويدافع عن مكاسبه، لأن المجتمع اليمني قد ابتُليَ عبر مسيرته الماضية بأشخاص تبوأوا مراكز مهمة واؤتمنوا على مسؤوليات كبيرة لم يكونوا في مستوى أدائها بأمانة، وبدلاً عن ذلك فقد تمادوا وأوغلوا في الفساد والإفساد، وفي أحسن الأحوال لم يتجاوز دورهم في أن يكون دور ممثل مسرحي محترف اختار لنفسه الدور ليؤديه بإتقان فيلهب في الناس حماستهم ويوقظ فيهم مشاعرهم الحزينة ويظهر لهم بأنه هو سينقذهم من واقعهم البائس ويحقق لهم كل ما يتطلعون إليه من حياة الرفاهية والرخاء، وما أن ينتهي الدور يكتشف الناس بأنه لم يحقق شيئاً من الوعود التي اخرس بها أسماعهم وبأنه كان يخدعهم وأنه لم يكن صادقاً معهم وأن همه الأساسي كان هو الحصول على المزيد من المكاسب الذاتية التي تجعله ينعم بعائدات ذلك الدور الذي قام به بعد أن ضرب بما أؤتمن عليه من المسؤولية وتبعاتها عرض الحائط، متجاهلاً تماماً أولئك البسطاء الذين أعطوا ثقتهم له ووضعوا كل آمالهم في أن يتمكنوا من الخلاص المؤكد مما يعانونه أو ما فرض عليهم من معاناة لم تكن أصلاً موجودة لولا سلوك ذلك البعض غير الأمين وغير السوي، متلذذاً بآلامهم ودموع الحرمان والبؤس التي يذرفونها، واستمرار معاناتهم التي يتجرعونها كل يوم، واليأس الذي حل في نفوسهم؛ لأنهم تعاملوا بصدق مع غير الصادقين وغير المؤتمنين والذين اعتبروا المسؤوليات التي أنيطت بهم مغانم مباحة وحقاً شخصياً لا ينازعهم فيه أحد..

مشاركة :