اليمن.. والحاجة إلى الصدق مع النفس - علي حسن الشاطر

  • 5/18/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لقد جرب اليمنيون كل أنواع الصراع والاختلافات والمكايدات والمناكفات ومحاولات الهيمنة والتسلط والإقصاء والكذب والمراوغة والمخادعة في علاقاتهم وفي تفاهماتهم وفي حواراتهم وفي اقتتالهم وحروبهم الداخلية التي ظلت تتوالد منذ بداية ستينيات القرن الماضي وإلى اليوم، غير أنهم لم يجربوا ولو لمرة واحدة مسألة في غاية الأهمية وهي الصدق مع النفس باعتباره فضيلة أخلاقية ودينية سامية لا يجب أن يتخلى عنها المرء مهما كانت المبررات والغايات. وفي اعتقادي لو كان اليمنيون، ولا أقصد هنا عامة الشعب وإنما أقصد النخب السياسية وقيادات الأحزاب والشخصيات الاجتماعية والنافذة في المجتمع التي أرهقت الناس وأفقدتهم الأمل بخلافاتهم وحواراتهم التي لا فائدة منها تحققت، أقول لو كانوا صادقين مع أنفسهم لصدقوا مع الآخرين ولتمكنوا من تجنيب الوطن الكوارث والويلات والمآسي والوصول إلى تفاهمات حقيقية وواقعية من شأنها وضع الحلول الناجعة لكل مشاكل اليمن، ولاستطاعوا أيضاً ترتيب أوضاعهم الشخصية التي ظلت شغلهم الشاغل وطغت على كل القضايا الوطنية. فالصدق مع النفس – كما قلنا – فضيلة أخلاقية، وبقدر ما هي غاية في النبل والمثالية فإنها ضرورة وطنية الجميع بحاجة إليها في كل الظروف والأحوال، وخاصة في الحالات التي تتسم بالحساسية ويكون الوطن فيها مهدداً بالخطر الداهم، كما هي حالة اليمنيين في الوقت الراهن، الذين أصبحوا الآن بحاجة ماسة وملحة إلى أن يكونوا صادقين مع أنفسهم أكثر من أي وقت مضى، لعلهم يستطيعون إنقاذ وطنهم من المآل الذي وصل إليه، ومن الخطر المحدق به، وإخراجه من النفق الأشد إظلاماً والانسداد الأكثر صعوبة، وتضميد جراحاته الغائرة التي أصيب بها بتعمد وبسابق إصرار من قوى التسلط والنفوذ والهيمنة التي استمرأت اللعب بالنار غير مدركة بأنها ستكتوي بها قبل غيرها، والهرولة بالوطن نحو الانهيار والتشظي الكاملين، وهذا السلوك المشين من النخب السياسية اليمنية حيّر الكثير من المتابعين والمهتمين، وأثار استغرابهم من هذا التوجه غير المنطقي وغير المعقول بأن إنساناً يفرط بوطن مقابل مصلحة شخصية. إن أي حوار لا يحل مشاكل اليمن، ولا يتسم بالجدية ويكون تكراراً أو نسخة ممسوخة لحوار الطرشان الذي تم في المراحل السابقة يعتبر مضيعة للوقت وإهداراً للإمكانات وخداعاً للناس الذين يأملون في التخلص من معاناتهم ومآسيهم من خلال ما يمكن أن ينقذ الوطن ويخرجه من أزماته المتلاحقة بعيداً عن حوارات الذات والمصالح الأنانية، التي لا هدف لها سوى حل مشاكل المتحاورين الشخصية، وإنهاء خلافات القوى المتصارعة ومراكز القوى والنفوذ من أجل السلطة ووصولهم إليها، وهي صراعات لا تعبر بالضرورة عن تطلعات المجتمع، ولا تخدم مصالح الناس، وإن حاولت بعض الأطراف أن تظهر بموقف المدافع عن حقوق الجماهير وعن المصالح العليا للوطن والشعب، فإن ذلك زيف مفضوح ولا يمت للحقيقة بصلة؛ لأن الشعب والوطن هما الخاسر الأول والأكبر من كل الحوارات والاتفاقات التي تمت خلال السنوات الأربع الماضية وحاولت القوى السياسية من خلالها ذر الرماد في العيون وإلهاء الناس عن القضايا الأساسية التي تزداد كل يوم تعقيداً بقضايا ثانوية دون أن تحدد بموجب جدول زمني مواعيد تنفيذ القضايا التي كانت محل إجماع كل المتحاورين المنخرطين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بعيداً عن الانتقائية والفرض والتهرب من الالتزامات، أو المساومة والمماطلة والمراوغة التي أوصلت البلاد إلى ما تعيشه اليوم من مآلات كارثية مدمرة. صحيح أن مجمل الأزمات التي ألمت باليمن كانت لها أسبابها ودوافعها، وكان بالإمكان معالجتها واحتواء نتائجها السلبية لو صدقت النوايا، غير أن إصرار بعض الأحزاب والمكونات السياسية والاجتماعية على المراوغة والمماطلة والتتويه وعدم الاقتراب العملي لوضع الحلول الحقيقية لكل مشاكل اليمن هو الذي عقد المشهد أكثر، وجعل اليمنيين يدفعون من حياتهم وكرامتهم وممتلكاتهم ومقدرات وطنهم ثمن ذلك الصراع العبثي المرير، فإلى متى سيظل العابثون في غيهم وإصرارهم على تدمير وطنهم وقتل شعبهم من أجل مصالح ذاتية وحزبية، وغنائم تافهة؟

مشاركة :