يتصاعد الجدل الدائر بين حكومات العالم والأوساط البيئية والاقتصادية في كل مرة تنعقد فيها قمة أممية لمناقشة الطريقة الأمثل لإنقاذ كوكب الأرض من الانبعاثات الضارة وتأثيرها على التنوع البيولوجي، حتى أنهم اقترحوا مرارا فكرة بيع الكربون، والتي تعد فكرة تسويقه مسألة معقدة للغاية بالنظر لحجم العراقيل التي تواجه الدول للتوصل إلى صيغة توافقية للتخلص من المخلفات الصناعية والنفطية. نيويورك – تشكل قضية المحافظة على التنوع البيولوجي في ظل التغير المناخي، أحد أبرز المشاغل المركزية، التي تحظى بأولوية اليوم من طرف المجتمع الدولي، رغم اختلاف وجهات النظر، والتي جعلت بعض الحكومات الرافضة لهذا التمشي في مرمى سهام المحافظين على البيئة بسبب تقاعسها “المريب” عن إنقاذ كوكب الأرض. ولا تخلو قمم المناخ في كل مرة تنظم فيها الاجتماعات السنوية في الأمم المتحدة عن سردية التذكير بمخاطر الانهيار البيئي المحتمل باعتبارها تشكل أكبر التهديدات العالمية للأرض، حيث لم يخرج رئيس الجمعية العامة السفير فولكان بوزكير عن هذا السياق حينما أكد الأربعاء أن الغطاء النباتي مهم للحفاظ على البيئة. ولئن كانت القضية في ظاهرها تتعلق بحماية الطبيعة، التي تفقد سنويا قرابة 13 مليون هكتار من الغابات، بالإضافة إلى مليون نوع من الكائنات الحية باتت معرضة لخطر الانقراض، وفق بوزكير، لكن المسألة في الخفاء لها علاقة بالسياسات الحكومية المرتبطة بشكل رئيسي بخطط الدول التنموية للحفاظ على استدامة بعض القطاعات المتهمة بتدمير البيئة. وفي ظل انتشار الأوبئة والفايروسات منذ عقود ومع تدهور النظم البيئية والممارسات الزراعية غير المستدامة واستغلال الموارد الطبيعية بشكل مجحف فإن الضغوط تتزايد من أجل تخفيف تدخل البشر في الطبيعة، ولكن كيف السبيل إلى ذلك بينما هناك دول كبرى ترفض ذلك بدواع كثيرة ليست لها علاقة أحيانا بالسياسة. فولكان بوزكير: ما نعيشه من انهيار بيئي بات خطرا يهدد وجود الجميع فولكان بوزكير: ما نعيشه من انهيار بيئي بات خطرا يهدد وجود الجميع لقد دفعت ضغوط الأوساط البيئية حول العالم طيلة السنوات الماضية، حكومات الدول إلى التفكير في كيفية اعتماد البصمة الكربونية للتقليل من آثار التلوث على الكرة الأرضية، وهو ما حصل بخطى متثاقلة عبر اللجوء إلى الاستثمار في مخلفات أدخنة المصانع ومصافي النفط وصولا إلى الشركات التكنولوجية والطيران والسيارات. وعلى الرغم مما تحمله هذه التجارة “المنشودة” من غموض باعتبارها قطاعا لم يسبق لأحد الخوض فيه إلا نادرا، لاعتراض العديد من الدول على الخطوة، لكن في المقابل تحمل معها الطموح والإرادة كوسيلة لخفض التلوّث ومصدر لتحقيق عوائد مالية أكبر. وما يؤكد ذلك عدم اهتمام اتفاق باريس حول المناخ الموقع في عام 2015 بأسواق الكربون مع أن الدول اتفقت على قواعد وآليات بشأن انخفاض الانبعاثات، وفي حين أن قمة المناخ المنعقدة بمدريد في ديسمبر الماضي طرحت رهانا أساسيا يتمحور حول ما إذا كانت ستسمح بتشجيع خفض انبعاثات غازات الدفيئة في العالم أو على العكس ستساهم في تشجيعها، تبدو الأنظار شاخصة الآن إلى اسكتلندا التي ستستضيف القمة المقبلة. وبينما يرى خبراء المناخ في الأمم المتحدة، أنه من أجل الحد من الاحتباس ليبقى على فوق 1.5 درجة مئوية، يجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى النصف بحلول 2030، مقارنة مع ما تم تسجيله في العام 2010، يعتقد بعض المختصين أن من الأدوات التي قد تستخدم لتحقيق ذلك تحديد سعر للانبعاثات. ويتساءل المختصون حول ما إذا كانت أي دولة قادرة اليوم وفق ما هو مخطط على دمج خفض الانبعاثات في حساباتها في حال اشترت شركة طيران محلية حصص كربون من دولة لتعويض قسم من انبعاثاتها، على سبيل المثال، أما السؤال الآخر العالق فيتعلق بما تبقى من حصص الكربون في إطار بروتوكول كيوتو، والتي ترغب بعض الدول، كالبرازيل، في نقلها إلى النظام الجديد. والمؤكد أن المسؤولية جماعية وهي ملقاة على عاتق الدول الصناعية الكبرى لأنها المتسبب رقم واحد في ما يحصل اليوم من تداعيات لم يتصور أحد أن تكون بهذا الشكل مع انتشار وباء كورونا ومع فقدان بعض التريليونات من الدولارات كون أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، البالغ 44 تريليون دولار، مستمدا من الطبيعة. وفي حين ينص بروتوكول كيوتو المبرم في 2006 على أن تستخدم اثنين من المبادلات فقط في ظل آلية التنمية لتمويل تأقلم دول الجنوب مع التقلبات المناخية وهو ما سمح بنقل نحو 200 مليار يورو إلى الصندوق المخصص للتأقلم، إلا أن الأمور لا تسير على ذلك النحو على الإطلاق منذ أن جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم. فعندما سحب ترامب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس الخاصة بتغير المناخ في يونيو 2017، تحولت جميع الأنظار نحو الصين، التي حظيت في ذلك الوقت بالإشادة لتعهدها باتخاذ إجراء ضد التغير المناخي والالتزام باتفاقية باريس، خاصة أنها أكبر مستثمر في الطاقة المتجددة، لكنها أيضا أكبر دولة مولدة للانبعاثات الغازية في العالم. وتوقع المحللون ووسائل الإعلام بأن الصين سوف تصبح زعيمة المناخ الجديد في العالم، ولكن ربما كانوا متفائلين بصورة أكثر من اللازم وقد كانت القيادة الصينية متواجدة في بروكسل لحضور القمة الصينية الأوروبية عند إعلان ترامب الانسحاب من اتفاق المناخ وصاغت مع الاتحاد الدولي بيانا تم تداوله على نطاق واسع. وقد انتظر المعنيون بشؤون البيئة حينها الإعلان عن البيان لكن ذلك لم يحصل، لأن بكين أرادت استخدام البيان كورقة مساومة لتأمين الدعم الأوروبي لحصول الصين على “وضعية اقتصاد سوق” لدى منظمة التجارة العالمية وعندما لم يحدث ذلك، رفضت الصين توقيع البيان وبدا الجميع في معركة لا أحد يتوقع متى ستضع أوزارها.
مشاركة :