فرضت كورونا - كلمتها ....وأعادت ليس تشكيل سيكولوجيا العقل الجمعي للناس ... بل وحتى لحظة العقل الواعية.وذلك في طريقة تفكيرهم، أساليب حياتهم، و"معيارية" حدود قراراتهم.وطال الزمن أم قصر .. ستنتهي جائحة كورونا .. لكن الذي لن ينتهي هو آثارها، ونواتج تجربتها .....أبرز ما ظهر لافتًا في الأيام الأخيرة الماضية، كان توقيع عقود اتفاقات قبائلية، لـ "هندسة" حفلات الأعراس، لدى عدد من قبائل جنوب بلادنا، وربما غيرها.وقلنا من قبل ونكرر الآن ... أن زمن ما بعد كورونا لن يكون زمن ما قبلها ...بدأت الفكرة صغيرة، ثم اتسعت دوائرها في "متواليات متلاحقة".أظن أن الفكرة معقولة، بل وجيدة ... خصوصًا وهي تتكئ على نبذ الإسراف وتتقاطع مع المبالغة والتبذير....سأعطيك مثالا - حتى تتضح الصورة أكثر ...في أحد الأعراس التي حضرتها في جدة - ذات مرة - كنت أتحلق مع أخرين حول مأدبة العشاء – وحينذاك كنت ضمن الدفعة الثالثة ...قبلنا تعشى دفعتان وانصرفوا .. كل دفعة كانت حوالي 200 شخصًافهل حق عليك - أنت وأنا - أن ندعو لأعراسنا كل من نعرف من قريب أو بعيد؟صاحب الحفلة قد يتحجج بأن أصحابه كثير .. طيب، وأنت وأنا أليس لنا أصحاب كثير مثله؟ما الحكمة أن تحشد في حفلة عرسك مئات البشر من كل حدب وصوب .. ومثلهم في قسم النساء .. ما الفائدة؟والزواج أصلا يكفي لـ "إشهاره" أن يشهده القليل، من الأحباب والأقارب والجيران ..تحولت المسألة من (إعلان للزواج) إلى مفاخرة، أو إن شئت فقل إلى "هياط" عريض..ووقع في "فخ" تلك "المسرحية " خلقٌ كثير من "مستوري الحال" .. فإما أن يحذوا حذوهم - حتى ولو بالديون الكبيرة، أو أن يظلوا مكان همزٍ ولمز..ولم يكن من مخرج كريم من حكاية (بعثرة الدراهم) تلك في (الفاضي والمليان)، إلا بهذه الاتفاقيات التي أبرمها شيوخ عدد من القبائل، لتحديد عدد الحاضرين لكل عرس، بما لا يزيد عن خمسين شخصًا - مثلًا....عدد معقول .. على طريقة (لا ضرر ولا ضرار) ...إلى أخر ما أوصت به تلك الاتفاقيات التي (قننت) المهور، وما يلحقها من تقنين حتى لحفلات "عقد القران"، وتوابعها التي (لم يكن لها لزوم) غير المظاهر و"الكشخات" غير المنطقية..وتلك الاتفاقيات في واقع الأمر (ملزمة أدبيًا) بموجب العرف القبلي، الذي درج على احترامه أبناء القبائل طيلة تاريخهم، بحيث لا يخرج عنها إلا نافر..تلك كانت من حسنات "عصر كورونا" ....وبذلك فقد تراجعت تكاليف العرس الواحد، إلى حوالي أقل من 35% عما كانت عليه سابقًا .. بحيث يمكن للكثير من الحفلات أن تقام في البيوت .. لم لا ؟ويمكن أيضًا أن تقام في الاستراحات بكل سهولة، بدلًا من قصور الأفراح باهظة الثمن..الذين اندلق (قدح اللبن) بين أيديهم في هذه المسألة، هم إخواننا أصحاب قصور الأفراح، وشعراء العرضة ....وبالتالي فعليهم أن (يعاتبوا) من كورونا - إن شاءوا.
مشاركة :