الخرطوم - كثف المبعوث الأميركي إلى السودان دونالد بوث من تحركاته الساعية لضم حركات مسلحة جديدة إلى اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة الانتقالية مع الجبهة الثورية السبت، ما يقلص فرص إمكانية نشوب نزاعات مسلحة في أقاليم الهامش، مع توقعات بقرب إعلان واشنطن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وعقد المبعوث الأميركي اجتماعا مع رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مساء الاثنين، أكد فيه حرص بلاده على استكمال عملية السلام مع الحركة الشعبية – شمال، جناح عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير جيش السودان بقيادة عبدالواحد نور. وكشف بوث عن إجراء اتصالات مباشرة مع كل من الحلو ونور، لبحث انخراطهما بجدية في المفاوضات على هامش لقاء عقده الجمعة في جوبا، مع نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وعدد من أعضاء مجلس السيادة. وأثارت تحركات بوث هواجس متباينة عبّر عنها سياسيون لم يغب عن ذهنهم الدور الأميركي الفاعل في انفصال جنوب السودان، وإمكانية تكرار الأمر حاليا مع وجود بيئة رخوة في مناطق مثل النيل الأزرق وجنوب كردفان، تطالب بحق تقرير المصير. وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم محمد صديق خليفة أن هناك مجموعة من المخاوف تطغى على التحركات الأميركية لأن تدخلاتها السابقة في ملفي الحرب والسلام جاءت في صالح الحركات المسلحة وليس الدولة السودانية، وأن ذلك يعد أحد أسباب انفصال الجنوب، بعد أن استمرت الولايات المتحدة في توجيه النصائح السياسية للقوى الجنوبية حتى أشرفت على عملية الانفصال. ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الأوضاع في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان تتشابه مع أوضاع الجنوب، قبل انفصاله، مع إقرار مبدأ تقرير المصير الذي أقره اتفاق السلام الحالي مع الحركة الشعبية شمال، جناح مالك عقار، ما يعني أن هناك بذرة للانفصال قد تجري رعايتها من قبل قوى تستهدف تفكيك السودان. ويعزز الإرث السلبي للولايات المتحدة في ملف السلام تحفظ قوى وطنية على التحركات الحالية، لأنها لم تلتزم بتعهداتها بشأن رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب ضمن الوعود التي قدمتها لحكومة الخرطوم مع انفصال الجنوب. وتأتي الجهود الأميركية في وقت يشهد فيه إقليم شرق السودان توترات أمنية، على خلفية رفض بعض المكونات القبلية والسياسية الفاعلة في الإقليم مسار الشرق في اتفاق السلام، والتهديد باللجوء إلى استخدام حق تقرير المصير، وهو ما يجعل بعض القوى السودانية حذرة في التعامل مع قضايا السلام التي تأخذ حيزا واسعا من اهتمامات الحكومة لتثبيت الاتفاق الذي وقعته مع الجبهة الثورية. يرى مراقبون أن الدور الأميركي في عملية السلام قد يكون أكثر واقعية في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، وتتواجد فيهما عناصر مسلحة تابعة لعبدالعزيز الحلو، ولدى واشنطن علاقات وطيدة فيهما. وأعلنت وساطة جنوب السودان الاثنين أن التفاوض مع الحلو سيبدأ في الأسبوع الثالث من أكتوبر الجاري، غير أن الكثير من الغموض ما زال يكتنف المباحثات المتوقعة، في ظل إصرار الحلو على أن يكون التفاوض مع الحكومة المدنية وليس مع وفد التفاوض الحالي الذي يقوده حميدتي. يشير متابعون إلى أن حالة انعدام الثقة بين حركتي الحلو ونور المسلحتين والسلطة الانتقالية تفتح الباب أمام المزيد من التدخلات الخارجية في مراحل السلام المقبلة. وقد تكون لتلك التدخلات انعكاسات قاتمة على عملية السلام برمتها، إذا خرجت عن الإطار العام الذي دارت فيه المفاوضات السابقة مع الجبهة الثورية، التي تضم عددا من الفصائل المسلحة والتنظيمات السياسية، بما يجعل الحكومة تتريث في تحركاتها نحو التعاطي مع أي مبادرات تطرحها قوى خارجية بشأن السلام. وقالت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب في تصريح لـ”العرب” إن واشنطن تدعم مطالب حركة الحلو بشأن فصل الدين عن الدولة، وتتحرك باعتبارها داعمة للحريات، وهناك فرصة لدولة سودانية مدنية ديمقراطية. وشككت في الوقت ذاته في الحصول على دور أميركي فاعل لدفع عبدالواحد نور إلى المباحثات، لأن التعويل في هذا الملف يبقى بيد الحكومة الفرنسية، التي يتواجد نور على أراضيها ويحمل جنسيتها حاليا، كما أن غرب دارفور والمناطق المتاخمة في أفريقيا الوسطى وتشاد مناطق نفوذ تقليدية لفرنسا، من الصعب أن تقوم واشنطن بأدوار تتخطى فيها حسابات باريس. وقللت الطيب من قدرة الأطراف الدولية على التدخل في الملفات السودانية الداخلية، لأن الصراعات التي دارت رحاها بين النظام البائد وحركات مسلحة انتفت. وأوضحت أن الخلافات تكمن بين قوى الثورة ذاتها، من هنا يأتي الحل من الداخل، ولعل ذلك ما دفع واشنطن ذاتها إلى الابتعاد عن ملف السلام مع الجبهة الثورية منذ انطلاقه قبل نحو عام، ولذلك تثير عودتها إليه بعض الشكوك. وتثير العودة الأميركية للانخراط في المشاكل والملفات السودانية تساؤلات عديدة، بعد أن اختارت إدارة الرئيس دونالد ترامب الابتعاد عن التدخل في حل جملة من الأزمات مر بها السودان منذ الإطاحة بنظام عمر البشير. وبررت ذلك في حينه بثقتها في وساطة الاتحاد الأفريقي، الذي قاد المباحثات بين المكونين المدني والعسكري وانتهت بتوقيع الوثيقة الدستورية. ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة أدركت أن التحول الديمقراطي يسير في السودان على قدم وساق، وعليها أن تقدم محفزات تضمن تثبيت عملية السلام، والذي لا ينفصل عن خطوتها العاجلة لرفع السودان من لائحتها للدول الراعية للإرهاب.
مشاركة :