أندونسيا تعالج المرضى النفسيين بالأغلال في زمن الوباء | | صحيفة العرب

  • 10/7/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جاكرتا - يمضي سليمان وقته مكبلا على سريره الخشبي في مركز لرعاية المرضى النفسيين في منطقة ريفية إندونيسية، شأنه في ذلك شأن الآلاف من المصابين بأمراض نفسية وعقلية على امتداد هذا البلد ممّن يتم تقييد أقدامهم بسلاسل معدنية، نظراً إلى عدم توافر العلاجات الطبية المناسبة لأمراضهم، وجاءت جائحة كورونا لتفاقم هذه المشكلة، إذ أعيد وضع الأغلال لبعض من حُرروا منها لمتابعة برامج الدمج. وتضم إندونيسيا 48 مستشفى للأمراض النفسية موزعة على أنحاء هذا البلد الكبير الذي يعد 250 مليون نسمة غالبيتهم من المسلمين، خصوصا في المناطق الحضرية. وبالنسبة للملايين من الأشخاص المقيمين في المناطق الريفية فإن إمكانات الحصول على الرعاية الطبية الملائمة نادرة. وتلجأ عائلات يائسة إلى معالجين تقليديين بعضهم يستعين بتقييد المرضى بالسلاسل المعدنية. وأمضى رؤوف البالغ 40 عاما، عقودا وهو مقيّد بالأغلال، قبل أن يستعيد حرية التنزه خصوصا في مكانه المفضل داخل سوق مكتظة بالرواد. غير أن الوباء دفع بعائلته إلى الإطباق عليه مجددا داخل حجرة لا تتعدى مساحتها خمسة أمتار مربعة حيث يأكل وينام ويقضي حاجاته. تقول عمته حسني التي تعتني به قرب مدينة بوليوالي في جزيرة سيلاويسي “نخشى عليه من أن يصاب بالفايروس” ما سيحول دون حصوله على العلاج ويجعله عنيفا ومؤذيا للآخرين. ولطالما كان تقييد الأشخاص الذين يعانون اضطرابات ذهنية خطرة القاعدة في الأرخبيل الواقع في جنوب شرق آسيا خاصة لدى العائلات التي لا تستطيع الحصول على العناية الطبية اللازمة لأفرادها. وفي بالي، لم يكن من النادر أن يقع السياح على مشهد رجال أو نساء مقيدين بالأغلال إلى شجرة خلال زيارتهم القرى المحلية للتمتع بمناظرها الخلابة. وباتت هذه الممارسات غير قانونية كما أن حملة وطنية ساعدت على تسهيل حصول المرضى على العلاجات والأدوية، غير أن المعالجين الذين كانوا يظنون أنهم حققوا تقدما حاسما باتوا يأسفون إزاء التراجع المسجل على هذا الصعيد بسبب الفايروس. وتقول كريتي شارما المكلفة بشؤون ذوي الإعاقات في منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية إن “الأمر مأساوي، وبسبب الجائحة يحصل ذلك في بلدان عدة وليس فقط في إندونيسيا”. وتضيف “إنها ممارسة منتشرة على نطاق واسع، وهي وحشية ولا تخفى على أحد”. حصول المرضى النفسيين في الريف على الرعاية الطبية الملائمة نادر بسبب تمركز المشافي المختصة في المدن وقد خلص تقرير نشرته المنظمة غير الحكومية، الثلاثاء، إلى وجود مئات الآلاف من الأشخاص من ذوي الاضطرابات الذهنية، بينهم أطفال دون سن العاشرة، يتعرضون لحجز الحرية أو التقييد في حوالى ستين بلدا. وقد نُشر هذا التقرير قبيل اليوم العالمي للصحة الذهنية السبت. وسجلت وزارة الصحة الإندونيسية أكثر من 6 آلاف حالة لأشخاص محتجزين أو مقيدين بسبب اضطراباتهم الذهنية في النصف الأول من سنة 2020، بزيادة ألف حالة مقارنة مع مجمل العام 2019. وتشير مديرة شؤون الصحة الذهنية في الوزارة سيني حليمة إلى أن “هذا الرقم قد يتضاعف إذا ما استمرت الجائحة”. وتقول، إن الأرقام الواردة ليست سوى “غيض من فيض” نظرا إلى أن حالات كثيرة لا يجري الإعلان عنها إما بدافع الخجل أو خوفا من النبذ الاجتماعي. وحالة سليمان، المريض المقيد بالسلاسل منذ عامين ويعاني من وهن كبير، ليست نادرة، فعائلته التي كانت في حيرة من أمرها عندما بدأ برمي الحجارة على جدران منزل أحد الجيران، رفضت أن تنقله الى مركز رعاية للمرضى النفسيين قرب مدينة بريبيس في وسط جزيرة جاوة. ويقضي هذا الرجل أيامه ولياليه مربوطا على سرير خشبي، سواء في رواق متهالك نتن أو في غرفة مظلمة خلف الجدران. وتلقت خدمات الصحة الذهنية ضربة قوية جراء القيود المتصلة بفايروس كورونا، إذ حال الوباء دون تمكن مرضى كثر من ارتياد العيادات كما منع أفراد الأطقم العلاجية من زيارة المرضى. ومن بين هؤلاء، تبرز حالة صدّيقين البالغ 34 عاما، فهو استعاد حريته في 2016 بعدما أمضى أكثر من ثماني سنوات مقيدّا في سيانجور بمنطقة جاوة الغربية. وقد أحرز تقدما كبيرا وكان يعمل في 2018 داخل مصنع للنسيج ويمد عائلته بموارد مالية، لكنه اليوم عاد ليعيش مقيدا بسبب القيود التي قطعت عنه كل نفاذ إلى الأدوية وخدمات الصحة الذهنية في المنطقة. ويقول شقيقه الأكبر مصطفى “لقد أصبح عنيفا بسبب نقص الأدوية، لذا أعدنا الإطباق عليه. لم يكن لدينا المال لتزويده بالأدوية اللازمة”. وعلى بعد بضعة كيلومترات، في مقاطعة أتشيه بجزيرة سومطرة، توضح ربيعة أنها لم تجد حلا آخر سوى تقييد قريبها في المطبخ. تقول المرأة البالغة 58 عاما “الوضع صعب لنا هنا، أنا أهتم به حقا لأنه يتيم. لا أنتظر شيئا في المقابل، أسلّم أمري لله”.

مشاركة :