في الوقت الذي تحتاج فيه القضية الفلسطينية إلى الأشقاء العرب لدعمها ونصرتها والوقوف معها، تخرج القيادات الفلسطينية «العتيقة» على الفضائيات المؤدلجة شتمًا وسبًا وتطاولاً، وتخوينًا وتشكيكًا في مواقف بعض الدول العربية وقياداتها، بل وكل من تستطيع النيل منه دون الاعتبار من دروس الماضي! لقد جاء التحليل السياسي للمواقف الفلسطينية من أجل تصحيح مسار القيادات الفلسطينية التي بدأت في الفترة الاخيرة بالتخبط في قراراتها حتى فقدت الكثير من الأصدقاء والحلفاء، ولم يتبقَّ حولها سوى بعض العقارب والثعابين وخفافيش الظلام، لذا جاءت مقابلة الأمير بندر بن سلطان آل سعود سفير الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية «الأسبق» لدى الولايات المتحدة الأمريكية والتي بثتها قناة العربية لتقديم مجموعة من النصائح للإخوة الفلسطينيين الذين أشهروا سيوفهم في وجه إخوتهم العرب. لقد كشف الأمير بندر بن سلطان (سفير لقرابة 22 سنة) عن مجموعة من الأخطاء التراكمية التي ارتكبتها القيادات الفلسطينية عبر تاريخها، ومنها: موقف عبدالقادر الحسيني حين راهن على الحركة النازية العنصرية للوقوف جانبه، فقد وقف مع الألمان ضد الإنجليز، فأضر بالقضية الفلسطينية، وكذلك الفصائل الفلسطينية حين وقفت ضد عودة الشرعية الكويتية بعد غزو النظام العراقي لها في العام 1990م، فقد أضروا بالقضية الفلسطينية دون قراءة الساحة جيدًا، وقد برز الخلاف بين القيادات الفلسطينية ليزيد الجرح إلامًا، وتجلت أبشع صوره حين وقع الانقسام بين قيادة حركة التحرير «فتح» في الضفة الغربية وحركة حماس في غزة، وقد جاءت المساعي المصرية لاحتواء ذلك الانقسام، وتحرك الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- الذي استضاف القيادات الفلسطينية في أرض الله الحرام (مكة المكرمة) بشهر الله المحرم لتصفية النفوس، فتم التوقيع على وثيقة المصالحة الوطنية تحت رعاية السعودية، وما هي إلا أيام حتى نكثوا على وثيقة مكة المكرمة التي تم التوقيع عليها مقابل الكعبة المشرفة. الأمير بندر بن سلطان في لقائه مع قناة العربية كان صريحًا غاية الصراحة، فقد كشف عن عقلية القيادات الفلسطينية التي نتعامل معها اليوم، فقد أكد على أن من أكبر الأخطاء التي ترتكبها القيادات الفلسطينية أنهم «كانوا يطلبون النصيحة، ونقف معهم، وكنا نبرر للعالم أخطاءهم، رغم معرفتنا أنهم مخطئون»، ومن المؤسف أن هذا السلوك جعل عندهم «حالة من اللامبالاة» والتي تكسب صاحبها الغرور والاستعلاء وحب الأنا، ومع ذلك يقول الأمير بندر: «لم نكن نرضى بأن نقف مع أي أحد ضدهم». لقد كشف الأمير بندر بن سلطان عن وضع خطير تعيشه القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي تنفض فيه القيادات الفلسطينية أيديها من إخوتها العرب الذين قدموا لها كل الدعم والمساندة طيلة السبعين عامًا اختارت اليوم حلفاء جدد دون الاعتبار لأهدافهم ومشاريعهم التوسعية بالمنطقة، فقد قال الأمير بندر بأن القيادات الفلسطينية اليوم تتحالف مع أطراف هي أكثر من يضر بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسهم إيران وتركيا، فإيران التي تتاجر بالقضية الفلسطينية ترى آثار تدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولا يحتاج الموقف إلى مزيد من الشرح، أما تركيا التي تحلم بعودة الخلافة العثمانية فهي اليوم ترى آثارها في العراق وسوريا وقطر وليبيا وقبرص وشرق البحر الأبيض المتوسط، ففي الوقت الذي ترفع شعار مناهضة إسرائيل هي ذاتها في علاقات وثيقة مع إسرائيل! لغة التخوين التي تمارسها القيادات الفلسطينية تجاه القيادات الخليجية ليست بجديدة، ولكن ارتفع سقفها بعد توقيع البحرين والإمارات على اتفاقية السلام مع إسرائيل، في الوقت الذي نرى فيه الاتفاق بين مصر والأردن والفلسطينيين أنفسهم مع إسرائيل إلا أن التطاول على دول الخليج قد بلغ ذروته، علمًا بأن لبنان كذلك تسعى لترسيم الحدود مع إسرائيل ضمن اتفاقية سلام جديدة! الكلام الواطي والبذيء كما وصفه الأمير بندر بن سلطان هي اللغة التي تستخدمها القيادات الفلسطينية تجاه البحرين والإمارات بعد توقيعهما على اتفاقية السلام مع إسرائيل! فاتفاقية السلام التي وقعت عليها بعض الدول العربية قد أثارت حفيظة إيران وقطر، فخرج الإعلام المأجور ليشن حربًا سوداء على البحرين والإمارات، فالقنوات الإيرانية وقناة الجزيرة القطرية أخذت على عاتقها قلب الحقائق وتزييف الوقائع، وخلط الحق بالباطل، مع أن الجميع يعلم بأن البحرين والإمارات متمسكون بالحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها قيام الدولتين التي وقعت عليها القيادة الفلسطينية في وثيقة أوسلو 1994م وعاصمتها القدس الشرقية.
مشاركة :