لا ريب ان مستقبل التنمية المستدامة في العالم قد تأثر سلبا في ظل تداعيات جائحة كورونا، وان امكانية تحقيقها وفقا لأجندة الامم المتحدة لدى الكثير من الشعوب النامية اصبحت صعبة المنال، سيما وان العالم في ظل الجائحة شهد تراجعا كبيرا في مجال التعاون الدولي، وسادت النزعة القطرية الضيقة لدى الكثير من الحكومات والاحزاب الحاكمة، لا بل لدى الشركات ايضا، وقد يكون ذلك مبررا بالحجم الكبير والسريع والمباغت للازمة الناجمة عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، والتحديات التي نجمت عن تداعياتها في مجالات المواصلات والتمويل والانتاج والتوريد ومختلف حلقات سلسلة الإمداد. وعلى الرغم من الحرص الذي ابدته منظمات الأمم المتحدة لتفعيل التعاون الدولي في مواجهة تداعيات الجائحة، الا ان الطريق لا يزال طويلا لتحقيق ذلك، فضلا عن تحقيق تقدم نحو اجندات ومنهجيات التنمية المستدامة، وانطلاقا من الادراك العميق لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء اطال الله في عمره، للآثار السلبية الجسيمة الناجمة عن ذلك، على الشعوب والدول النامية، مما يتطلب وضع إطار دولي عام يراعي المصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لجميع الدول والشعوب، فقد دعا سموه المجتمع الدولي إلى تبني برامج دعم وتحفيز اقتصادي ميسرة لمساندة جهود الدول في بلوغ أهداف التنمية المستدامة، والعمل معا لتخفيف الآثار الناجمة عن جائحة كورونا، وخاصة ان الخروج من هذه الأزمة قد يستغرق وقتًا طويلا، ويتطلب تكثيف التعاون الدولي على مختلف الصعد، ودعم الجهود المشتركة لمساعدة الدول الاقل نموا لتمكين شعوبها من الصمود بوجه تداعيات الجائحة. وذلك ما تضمنته رسالة سمو رئيس الوزراء الموقر التي وجهها إلى العالم بمناسبة يوم الموئل العالمي في الخامس من شهر أكتوبر الجاري. مؤكدا حفظه الله ورعاه على «أن الواقع الجديد الذي يعيشه العالم في ظل هذه الجائحة، يجب أن يكون حافزا نحو إعادة ترتيب أولويات التعاون الدولي، والتركيز بشكل أكبر على مجالات التنمية التي يمكن أن تسرع من تعافي الاقتصادات وتحقق المنافع المشتركة للشعوب وتكفل لها الطمأنينة والأمن بمفهومه الشامل» وذلك ليس بمستغرب على سموه الكريم، فسموه في مقدمة رواد الفكر التنموي الانساني المعاصر، ولم تقتصر إنجازاته التنموية على الصعيد الوطني، وانما لسموه تاريخ حافل بالإنجازات الانسانية المتميزة التي تدعم السلام العالمي والتعايش السلمي، والتعاون الدولي في مجالات التنمية المستدامة والمبادرات الإنسانية ودعمه لمبادرات تطوير الموارد البشرية، فجاءت هذه الدعوة لتؤكد من جديد مرئيات سموه الكريم للتنمية الانسانية المستدامة التي تستند إلى العدالة والتعاون والسلام باعتبارها ارقى القيم الاخلاقية الانسانية، وانطلاقا من مرئيات سموه الحصيفة وخبرته العميقة وسجله الناصع في مواجهة التحديات، فقد اوضح سموه بأن «جائحة كورونا أثبتت أن البنية التنموية القوية في كافة المجالات الإسكانية والصحية والتعليمية، هي حجر الأساس في تعزيز قدرة الدول على مواجهة مختلف التحديات»، مستشهدا بالتجربة المميزة لمملكة البحرين بقيادة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حيث استطاعت أن تواجه التحديات الراهنة بفضل صلابة البنية التحتية التي أنجزتها على مدى سنوات في مختلف المجالات ولا سيما في مشروعات الإسكان والتنمية الحضرية والرعاية الصحية وغيرها، فضلا عن جهود فريق البحرين بقيادة صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، والشراكة المجتمعية الصادقة التي عبر من خلالها شعب البحرين الوفي ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص عن عظيم ولائهم والتزامهم بتوجيهات القيادة لمواجهة تحديات الجائحة. كما أكد سموه على اهمية الاحتفال بيوم الموئل العالمي، باعتباره مناسبة انسانية محفزة لتأكيد أهمية تضافر مختلف الجهود لدراسة الاثار العديدة لجائحة كورونا، ولا سيما على قطاع الاسكان. ولقد أكد سموه على «إن تنفيذ أهداف التنمية المستدامة أضحى أولوية وأكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل انتشار جائحة كورونا» الامر الذي يتطلب من المجتمع الدولي «مساعدة المجتمعات والشعوب التي تعاني من تراجع في مستوى ونوعية الخدمات الإسكانية، من خلال عمل منظم وفعال يرتقي بآليات التنمية المستدامة فيها» عبر التوسع بالمشروعات الاسكانية ورفدها بأحدث الخدمات الصحية والتعليمية ومتطلبات البنية التحتية المتطورة. وحيث ان تجربة مملكة البحرين في التنمية العمرانية والاسكانية تجربة ريادية تستحق التعميم عالميا، فقد قال سموه «إننا نفتخر في مملكة البحرين بأننا وضعنا منذ عقود برامج عمرانية واسكانية، ونجحنا في التعامل مع الملف الإسكاني وفق رؤية شاملة تضمنت قراءة الواقع واستشراف المستقبل، انطلاقا من إدراكنا لأهمية قطاع الإسكان كأحد المرتكزات التي تضمن للتنمية استدامتها وتوفر للمواطنين مقومات الراحة والعيش الكريم». ولم يفت صاحب السمو الملكي الامير خليفة بن سلمان ال خليفة رعاه الله الاشادة بالدور الحيوي الذي يقوم به القطاع الخاص في مساندة جهود الحكومة من خلال سلسلة من المشروعات الإسكانية التي نفذها بالتعاون مع وزارة الإسكان ضمن برنامج «السكن الاجتماعي» والتي قادت إلى نقلة نوعية هامة في توفير الطلبات الاسكانية نوعيا وكميا وخلال فترة زمنية قياسية. كما أشاد سموه بمبادرات وجهود برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية «الموئل» ومساعيه المتواصلة لتعزيز التنمية المستدامة في المجال السكني وتحسين الأوضاع المعيشية للشعوب على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. واعرب سموه عن استعداد مملكة البحرين لتوسيع «نطاق التعاون مع برنامج «الموئل» والاستفادة مما لديه من خبرات بما يدعم جهود النهضة العمرانية والاسكانية في المملكة واستدامتها». مرحى لك سيدي الامير الوالد خليفة بن سلمان وانت تنقل رسالة البحرين الحضارية للعالم، وتحقق للوطن والانسانية إنجازات جديدة على صعيدي الفكر والتطبيق. حفظكم الله وحفظ البحرين خليفية خليجية عربية مسلمة، ومنارة للإنسانية جمعاء. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :