يعلمنا التاريخ، والتاريخ معلم كبير لمن يرغب التعلم، ان من السمات المميزة للقادة العظام في كل مراحل التاريخ البعيد والاوسط والحديث، قدرتهم على استشراف المستقبل، وتصور تحدياته ومتطلباته بوقت مبكر، بالشكل الذي يمكنهم من وضع الخطط والاستراتيجيات التي تمنح بلدانهم المنعة والقدرة على التعامل مع معطياته من موقع القوة لا الضعف، وبالتالي فانهم يصنعون مستقبل بلدانهم بما يتوافق مع مرئياتهم الوطنية التي تعبر عن المصالح العليا لشعبهم دون ان يتمكن غيرهم من فرض اجنداته عليها، هذا ما يجده ماثلا، المتأمل، بمضامين اللقاء الأول لصاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء مع رؤساء الصحف المحلية بعد نيله ثقة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بتكليف سموه برئاسة مجلس الوزراء في البلاد بالإضافة إلى مسؤوليات سموه الاخرى. فقد صاغ سموه الكريم خريطة طريق للوصول إلى المستقبل الزاهر للبلاد كما رسم معالمه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى منذ إعلانه لميثاق العمل الوطني، وارسائه لاستراتيجية الإصلاح ونهضة وتقدم مملكة البحرين، والتي لحقها بالرؤية الاقتصادية 2030م، وسارت البلاد على نهجها وحققت إنجازات كبرى خلال ما يزيد عن عقدين من الزمن. وقد عدها سموه الكريم أول ثلاثة عوامل دفع رئيسية حافزة لسموه لمواصلة نهضة مملكة البحرين والمعبرة عن الثقة الملكية العزيزة بسموه، والتي قال عنها «هي محل تقدير وامتنان ومسؤولية كبيرة أتشرف بحملها»، والثانية «الإسهامات الخالدة لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رحمه الله وما قام به طوال مسيرة حافلة بالعطاء في تأسيس العمل الحكومي وبناء الوطن، وأعتز بما نهلتُ من خبرات طوال فترة عملي مع سموه، وكان رحمه الله المعلم الأول في العمل الحكومي»، والثالثة ما تمتلكه البلاد من كفاءات وطنية تتميز بحب التحدي وعشق الإنجاز. وبالتالي فإن هذه العوامل تجد وقعا شديد الاثر لدى سموه الذي تميز بوقت مبكر برؤيته العميقة الفاحصة لعوامل النهضة المعاصرة، ومتطلبات استباق التطور وليس مواكبته فحسب، وقد عبر عن ذلك بالقول «أنا متفائل بمستقبلٍ واعد للوطن ولكل أبنائه». وفي تأكيد سموه على مواصلة العمل على «تحقيق تطلعات رؤية البحرين الاقتصادية 2030م من خلال برنامج الحكومة وإطار البرامج الحكومية ذات الأولوية تحقيقًا للغايات المنشودة». كما اشار سموه إلى اهمية تحويل التحديات إلى فرص للنهوض والتقدم، فمن خلالها تعبر الامم الحية عن مكامن قوتها الحقيقية، بقول سموه «في ظل الظروف الاستثنائية لفيروس كورونا يواجه العالم تحديات اقتصادية غير مسبوقة، ويجب علينا تحويل هذه التحديات إلى فرص، وبدأنا بالفعل، ومنطلق إيماننا بنجاح خططنا ومبادراتنا هو ارتكازنا على ثروتنا الوطنية «المواطن» فهو مصدر قوة اقتصادية». واردف سموه بالقول «نرى أن التحديات تمثل فرصة لتحقيق الأفضل وإذكاء روح المبادرة والابتكار بعيدًا عن البيروقراطية التي يجب أن تُزال بشكل تام». ولا تنحصر المرئيات المستقبلية لسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بتحقيق نجاحات اقتصادية محلية فحسب، بل يتطلع سموه إلى الارتقاء الإقليمي والعالمي للمملكة، مؤكدًا أهمية تطوير السياسات والتشريعات الداعمة للانفتاح ونمو القطاع الخاص باعتباره شريكا رئيسيا للحكومة في النهضة الاقتصادية، وفي ذلك شدد سموه على القول «نستطيع أن نخلق نهضة وطنية جديدة تكون قصة نجاح في خدمة المواطن وتمكينه، ومن المحلية ننطلق ونسعى إلى أن تكون البحرين مركزًا لخدمة اقتصادات المنطقة للاستفادة من نموها». كما أكد سموه على مواصلة التركيز على القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية (الخدمات المالية، تقنية المعلومات والاتصالات، السياحة، الخدمات اللوجستية، النفط والغاز، الصناعات التحويلية) التي سبق وان وضع مجلس التنمية الاقتصادية الخطط التفصيلية للنهوض بها، لما لها من دور مهم في «رفد الاقتصاد الوطني وتعزيز نموه وتوفير الفرص للمواطنين»، إلى جانب الاستثمار في الاستكشافات النفطية الجديدة، وبما يحقق المزيد من العدالة الاقتصادية في المجتمع، وفي ذلك قال سموه «بحيث ينعكس النمو والتوسع في الاقتصاد بشكل مباشر على الجميع في المجتمع». وانطلاقا من اهتمام سموه بالابتكار والابداع في كل المجالات فقد أكد سموه على «أننا سنواصل الاستثمار في المواطن من خلال تعزيز مفاهيم التنافسية التي تحفز الإبداع وتخلق الفرص». وفي معرض تفصيله لماهية التنافسية التي تعزز الابداع، اوضح سموه «سنعزز بيئة تنافسية مفتوحة ذات جسور متينة مع الاقتصاد العالمي تكافئ الإبداع والتميز، بما يسهم في خلق الفرص النوعية أمامه ومن ثم تحقيق تطلعاته وآماله التي سينعكس أثرها على نجاحات الوطن ونمائه وازدهاره». وفي ذلك ادراك عميق لدور الابتكار والابداع في التقدم العالمي المعاصر، فقد اضحيا محركًا رئيسيا في تنويع وتحديث اقتصادات العديد من البلدان الساعية إلى تحقيق التنمية المستدامة، بعد ان شكلا قاعدة تزداد اتساعا في البلدان المتقدمة، حيث أصبح امتلاك وحيازة وسائل المعرفة بشكل موجه ومبرمج، واستثمارها بكفاءة وفاعلية من خلال دمج المهارات وأدوات المعرفة الفنية والابتكارية والتقنية المتطورة، أمرا ملازما لتطورها الاقتصادي. وفي مملكتنا الحبيبة فقد كان سموه دائم الاهتمام والتأكيد على دعم وتعزيز ريادة الأعمال والابتكار، واتاحة المزيد من الفرص النوعية للمبتكرين واحتضان المشروعات الناشئة وتقديم المساعدة والاستشارة والتمويل لها، وتوفير مناخ اقتصادي وتشريعي ملائم لتحفيز الابداع والريادة والابتكار. أكاديمي وخبيراقتصادي
مشاركة :