ككل مطلع أكتوبر من كل عام ينتظر محبو الأدب والأدباء والناشرون نتائج أهم جائزة أدبية عالمية، جائزة نوبل للآداب، ويتكهن المتكهنون ويراهن المراهنون ويكتب النقاد قائماتهم القصيرة للجائزة ويتجادل جمهور الأدب بين أحقية هذا من ذاك بالتتويج، وما أن يقع الإعلان عن اسم الفائز حتى يندهش الجميع، حيث غالبا ما يكون غير متوقع. ستوكهولم- نالت الشاعرة الأميركية لويز غلوك (77 عاما) الخميس جائزة نوبل للآداب العريقة في خطوة مفاجئة تتوج نتاجها الذي باشرته في نهاية الستينات، على ما أعلنت الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة. وأوضحت الأكاديمية في بيان، أن فوز غلوك بالجائزة لعام 2020 جاء “لصوتها الشاعري المميز الذي يضفي بجماله المجرد طابعا عالميا على الوجود الفردي”. شاعرة سيرة وفق ما جاء في بيان الأكاديمية المانحة للجائزة فإن الشاعرة “تسعى في قصائدها إلى طابع عالمي، وفي سعيها هذا تستوحي من الأساطير الحاضرة في غالبية أعمالها”. وأضاف البيان “في قصائدها، تستمع النفس لما تبقى من أحلامها وأوهامها، ولا يمكن أن يكون هناك من هو أشد منها في مواجهة أوهام الذات”. ولدت لويز غلوك عام 1943 في نيويورك وقد أخذت دروسا في كلية سارة لورانس وجامعة كولومبيا، لكنها لم تحصل على شهادة، وبالإضافة إلى حياتها المهنية كمؤلفة، فقد عملت في الأوساط الأكاديمية كمعلمة للشعر في العديد من المؤسسات. لم تسجل غلوك في الكلية كطالبة بدوام كامل بسبب حالتها الصحية حيث كانت تعاني من فقدان الشهية العصبي منذ مراهقتها ما خلف لها تأثيرات نفسية كبيرة، وقد خاضت رحلة علاج لتتمكن من تخطي المرض. وقد وصفت قرارها بالتخلي عن التعليم العالي لصالح العلاج بأنه كان ضروريا قائلة “جعلت حالتي العاطفية، وتطرف صلابة سلوكي، والاعتماد المحموم على طقوس معينة من أشكال التعليم الأخرى أمرا مستحيلا”. وبدلا من ذلك، أخذت غلوك درسا في الشعر في كلية سارة لورانس، والتحقت بورشات شعرية في كلية التعليم العام بجامعة كولومبيا في الفترة من 1963 إلى 1965، والتي قدمت برامج للطلاب غير التقليديين. درست أثناء وجودها هناك مع ليوني آدمز وستانلي كونتز. وقد صنفت هذين المعلمين كمرشدين مهمين في رحلة تطورها كشاعرة. وتعيش الشاعرة اليوم في كامبريدج، ماساتشوستس. وتعمل حاليا كأستاذ مساعد وكاتبة مقيمة ضمن برنامج روسينكرانز في جامعة ييل، حيث تعد واحدة من أبرز الشعراء في الأدب الأميركي المعاصر. وكان الظهور الأول لغلوك ككاتبة عام 1968 بمجموعتها الشعرية “فيرستبورن” (البِكر)، وركزت إثره في كتابتها للشعر على الجوانب المضيئة للصدمة والرغبة والطبيعة. فأصبح شعرها معروفا بتعبيراته الصريحة عن الحزن والعزلة، ونصوصها تستكشف هذه المواضيع وعوالمها الواسعة، وقد ركز الكثير من النقاد ممن قاربوا تجربة الشاعرة على بناء شخصيتها الشعرية والعلاقة التي تنحتها ببراعة في قصائدها بين السيرة الذاتية والأساطير الكلاسيكية. تجربة الشاعرة مكنتها من الفوز بالعديد من الجوائز الأدبية المرموقة في الولايات المتحدة الأميركية، مثل وسام العلوم الإنسانية الوطنية، وجائزة بوليتزر، وجائزة الكتاب الوطنية غالبا ما توصف غلوك بالشاعرة السير- ذاتية، حيث يعرف نصها بالشحنات المكثفة من العواطف وبتصويره المتكرر للخرافة أو التاريخ أو الطبيعة للتأمل في التجارب الشخصية والحياة العصرية. وتشكل الطفولة والحياة العائلية والعلاقات الوثيقة بين الأهل والأشقاء والشقيقات موضوعا مركزيا في عملها. ويُعتَبَر “افيرنو” (2006) ديوانها الرئيسي وهو تفسير رؤيوي لنزول بيرسيفونا إلى الجحيم وهي أسيرة هاديس إله الموت. ومن أبرز دواوينها أيضا “ليلة مخلِصة وعفيفة” وفيه تسبغ على الليل “أبعاد الأسطورة” كاتبة، “أخيرا أحاط بي الليل/ طفْتُ عليه، وربما فيه،/وحملني كما يحمل/ النهرُ قاربا”. التجربة الشعرية الفريدة لغلوك خولتها أن تصبح واحدة من أهم الشعراء الأميركيين في جيلها، ونشرت على امتداد مسيرتها 12 مجموعة شعرية وبعض مجلدات المقالات عن الشعر. وتتميز جميعها بالسعي إلى الوضوح. تجربة الشاعرة مكنتها من الفوز بالعديد من الجوائز الأدبية المرموقة في الولايات المتحدة الأميركية، مثل وسام العلوم الإنسانية الوطنية، وجائزة بوليتزر، وجائزة الكتاب الوطنية، وجائزة نقاد الكتاب الوطنية، وجائزة بولينجن، بالإضافة إلى جوائز أخرى. كما حازت على جائزة ولقب الشاعر الأميركي في الفترة من 2003 إلى 2004. كما عينت الشاعرة كمستشارة أدبية لمكتبة الكونغرس عام 2003. تمنح أكاديمية نوبل في ستوكهولم الجائزة الأبرز للآداب في العالم بعد خروجها من واحدة من الفترات الأكثر اضطرابا في تاريخها. وفي نهاية 2017، هزت الأكاديمية السويدية خلافات حول طريقة إدارة اتهامات استهدفت الفرنسي جان كلود أرنو، زوج أستاذة جامعية وشخصية نافذة على الساحة الثقافية السويدية. وقد أدين بالاغتصاب منذ ذلك الحين. وهزت الفضيحة المؤسسة في أوج حملة “أنا أيضا” وكشفت كواليسها التي تسودها مكائد، وهزت كل مؤسسة جوائز نوبل وحتى صورة السويد نفسها في ما يتعلق بالشفافية والنزاهة والمساواة. وأرجئ منح نوبل للآداب في 2018، في حدث غير مسبوق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وما إن بدأت الأمور تعود إلى طبيعتها حتى هزت قضية أخرى المؤسسة بعدما منحت في أكتوبر 2019 جائزتها للكاتب النمساوي بيتر هاندكه المعروف بمواقفه المؤيدة بشدة للرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش. وردت المؤسسة بالتأكيد أنها منحت جائزتها بعد تقييم أعمال الكاتب وليس شخصه. وكانت مواقع المراهنات هذا العام قد تكهنت بفوز الفرنسية ماريز كوندي أو الروسية ليودميلا أوليتسكايا والكندية مارغريت أتوود أو الياباني هاروكي موراكامي. الطفولة والحياة العائلية والعلاقات الوثيقة بين الأهل والأشقاء والشقيقات تشكل موضوعا مركزيا في نصوص الشاعرة وبعض النقاد رجحوا فوز الأميركية الكاريبية جامايكا كينكيد أو الكيني وا ثوينغو أو الشاعرة الكندية آن كارسن أو المجري بيتر ناداس أو الفرنسي ميشال هوليبيك. إلا أنهم اتفقوا على أنه من الصعب جدا التكهن بالفائز بالجائزة هذه السنة. وككل عام تفاجئ الجائزة المراهنين والنقاد والمتابعين باختيارها الذي غالبا ما يكون خارج التوقعات، حيث تفضل الأكاديمية مرشحين لا يتمتعون بالشهرة مصرة على أنها تختار الكاتب لمنجزه لا لشهرته. ومن بين كل المتوجين بجائزة نوبل على امتداد تاريخها، الذي يتجاوز مئة عام منذ تأسيسها نهاية القرن الـ19، تشكل النساء نسبة ضعيفة جدا من المتوجين، فالنساء رغم أنهن نصف البشرية لكن 16 منهن فقط فزن بجائزة نوبل للآداب في مقابل 101 رجل.
مشاركة :