تعمل سمو الأميرة مضاوي بنت عبدالرحمن آل سعود على مكافحة الاتجار بالبشر من خلال رفع مستوى الوعي بمخاطر الظاهرة ليكون لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي دورا بارزا في إنفاذ تشريعات منع الاتجار بالبشر، وذلك من خلال العديد من الاستراتيجيات التي تهدف لرفع جاهزية الحكومات لمساعدة الضحايا. وفي ظل سعيها الدؤوب للتصدي لهذه الظاهر الشنيعة والتي ذهب ضحيتها الكثير من النساء والأطفال والعمال المهاجرين في مختلف الشعوب، فازت مؤخراً في تجربتها مع شركة نومي وتورك الامريكية بجائزة مكافحة الاتجار بالبشر. ولأننا ندرك قيمة التصدي لهذه الظاهرة وما يحققه الأمر من استقرار وأمان للشعوب نقوم بإلقاء الضوء على المجهود الإنساني الهام التي تقوم به في حوارنا معها بمناسبة فوزها بالجائزة.. *حديثنا عن تجربتك مع مؤسسة نومي نيتوورك العالمية وشعورك بالفوز بجائزة مكافحة الاتجار بالبشر - تأسست شركة نومي نتورك العالمية في امريكا وهي شركة تُعنى بمكافحة الاتجار بالبشر، لاسيّما النساء والفتيات منهم لارتفاع حاجتهنّ وسهولة استغلالهنّ خصوصاً في المناطق الصغيرة والنائية. تهتم المنظمة بتعليم النساء وتمكينهنّ ليصبحن مستقلاتٍ مادياً بشكل لا يدفعهم إلى سلوك الطريق الخطر الذي يؤدي بهم ويصبحوا ضحايا هذه الجريمة البشعة. بالتأكيد أشعر بالفخر، وأطمح إلى الاستمرار بمحاربة هذه الظاهرة من خلال نشر الوعي والتثقيف وخلق تحوّل في هذا الجانب المُظلم والمجهول لكثير من أفراد المجتمع الذين لا يعون ماهيّته ومدى خطورته على الأجيال القادمة. وأثره على رفاهية المجتمع وجودة الحياة. ومن أجل نعيش بمبادئ جودة الحياة لأي مجتمع علينا أن نكافح الجرائم التي تهدد الأمان للإنسان، لأن الأمن والأمان من أساسيات الاحتياج الإنساني. ومن أخطر هذه الجرائم التي تهدد الإنسانية هي جريمة الاتجار بالبشر. نحن الآن كأشخاص نعيش بنعمة الأمن والأمان من واجبنا أن نقدم أعمال للإنسانية ونستخدم النعم بتسخريها لبناء مجتمع صحي سليم من كل اعتلال يمس الفرد أو المجتمع .هذه الجريمة “الاتجار بالبشر” لها مساوئ كثيرة على مستوى الفرد وأيضا المجتمع حيث أن الاضرار نفسية، ومجتمعية وأيضا اقتصادية. الدول المتقدمة تسعى حثيثا لدعم الجمعيات الإنسانية لمكافحة هذه الجريمة وتجفيف منابع الجريمة. *كيف يمكن التصدي للاتجار بالبشر وهل تختلف طرق مكافحته باختلاف المجتمعات سواء في العالم العربي أو الغربي؟ - الوعي الإنساني هو الذي يربط البشر باختلاف الثقافات والمجتمعات. ومن المستحيل أن تتحقق هذا الوعي للضحايا الذين يتم الاتّجار بهم. رفع الوعي في المجتمع هو الخطوة الأولى والأهم لمكافحة أي ظاهرة سلبية، الوعي بوجود هذه الجريمة أولاً.. والوعي بطرق محاربتها وإلغائها. يُعتبر الاتّجار بالبشر في العالم الغربي أكثر سهولة وانتشاراً نظراً للأسس الهشّة التي تبنى عليها أنظمتهم، ولانشغالهم بقضايا ومسائل أخرى في ظل سهولة تهريب اللاجئين والهاربين وغيرهم من الطبقة الفقيرة بسهولة بين الدول وبدء الاتجار بهم. أما في العالم العربي ولله الحمد في وجود انظمة راسخة ومتينٌة للغاية، مما تجفف منابع الجريمة ولا يسمح بالتهريب بين الدول بسهولة، ولهذا فالحالات لدينا أقل بكثير من متوسّطها لدى الغرب. *برأيك ما العوامل التي ساعدت في تفشي هذا النوع من الجرائم الإنسانية؟ ـ قلة الوعي لدى العائلة يؤثر بشكل كبير على وعي الفرد، وهذا مما يؤثر سلبا على المجتمع بأكمله. *غياب الأنظمة والقوانين الصارمة في الدول الفقيرة والنائية. *أنها تُعدّ الجريمة الثانية الأكثر إدراراً للدخل بعد جريمة تهريب المخدرات والمتاجرة بها، لذلك فهي مُحفّزة للغاية لمرتكبيها. *الفقر الاقتصادي في الدول النائية، وحاجتهم الملحّة للمال وتحسين المعيشة يجعل من السهل استدراجهم. *ما هو تقديرك للجهود الوطنية والدولية في مكافحة الاتجار بالبشر في الشرق الأوسط؟ - اهتمّت العديد من دول الخليج بإيواء الضحايا، وتهيء الأماكن التي توفّر لهم المعيشة الكريمة كباقي أفراد المجتمع. وقد تم إعداد الكثير من البرامج التأهيلية للأسر الفقيرة بهدف دخولهم لسوق العمل وإتمام تعليمهم ودراستهم. ودعما لمكافحة الجريمة سنّت القوانين وأنظمة الصارمة والواضحة التي تحدّ بشكل كبير من وقوع هذه الجريمة. وانتقلت الى دائرة اوسع وعملت على تأهيل العديد من المحامين الذين يملكون اطلاعًّا واسعاً على تفاصيل هذه القضية وكيفية التعامل معها والتواصل مع الضحية بطرق آمنة ومضمونة. وختاما قامت بتدريب الجهات المعنيّة بشكل عميق فيما يخص طريقة اكتشاف أماكن الضحايا ومواصفاتهم لتفادي وقوع الجريمة قبل حدوثها. *هل يشكل الاستقرار السياسي دور في التقليل من جرائم الاتجار بالبشر، ولأي حد تساهم الحروب والصراعات السياسية في تفشيها؟ - تُربّي الحروب أطفالاً غير مميزين للفطرة، وماهو طبيعيٌّ وخاطئ.. إذ أنهم ولدوا من رحم المأساة للمأساة، وفقد بعضهم والديه وإخوته أمام ناظريه دون شفقة مما يُسهم بشكل كبر في ضعف الثقة، والوازع الاجتماعي.. والثقافة وقلة الوعي والتعليم في أحيانٍ كثيرة. لذلك يسهل على المجرمين استدراجهم بسهولة وإغوائهم بالمال والحياة الكريمة في النهاية ينتهي بهم المطاف في وحل الجريمة. فبالتالي الاستقرار السياسي والأمني من أهم العوامل التي تحد من انتشار اي جريمة ويسهل التعامل معها. *ما الجهود التي تقدمها المنظمات المختصة لحماية اللاجئين من هذه الجريمة باعتبارهم الأكثر عرضة لها؟ - المأوى الآمن الذي يساهم في الأمان الجسدي والنفسي *الحماية القانونية لهم وتقديم التعليم وتوفير فرص كسب العيش والعمل والتجارة التي توفر الحياة الكريمة. *تقديم حق المواطنة من بعض الدول، بحيث يصبح اللاجئ مواطناً رسمياً *حمايتهم وعائلاتهم أمنياً حتى يتم التأكد تماماً من انخراطهم بالمجتمع *تقديم التعليم المطلوب، مع تأهيلهم لسوق العمل والكسب الصحيح. *كيف يمكن تعزيز قدرات الدول في مكافحة الاتجار بالبشر؟ - الوعي المتأخر خيرٌ من الجهل المستدام، وخلق الوعي لدى المواطن والفرد يُسهم بخلق مجتمعٍ واعٍ بحقوقه وما يهددّه من مخاطر. *تساهم الأنظمة والقوانين الصارمة من الحد من هذه الظاهرة بصورة كبيرة. *التواصل الفعّال والدائم بين الجهات المختصة لتطوير البنية التحتية باستمرار واكتشاف الثغرات قبل استغلالها. *تأهيل المحامين وتدريبهم بشكل عميق ومستمر على ملابسات هذه القضية وطرق التعامل معها. *تدريب وتثقيف موظفي الجوازات، والعاملين في الحدود البرية خصوصاً. *ما الفئة الأكثر استهدافا في جرائم الاتجار بالبشر؟ - النساء والأطفال من الدول الفقيرة والنائية، والدول التي دمّرتها الحروب *هل يشكل رفع مستوى العقوبة دور في التقليص والحد من جريمة الاتجار بالبشر؟ - تُشكّل العقوبة رادعاً كبيراً بالتأكيد، ولكن ما الفائدة من الردع بعد وقوع الحادثة واستغلال أحد الضحايا؟ العقوبة ليست هي الحل الوحيد، ولكنها أحد الأساسيات التي تضمن الحد من وقوع الجريمة، ومن هذه الأساسات: التثقيف ورفع الوعي لدى أفراد المجتمع. وسنّ القوانين والأنظمة الواضحة التي تساعد بدورها من إنهاء الشيء قبل وقوعه! ---------- سيرة تطوعية حالياً تعمل سمو الأميرة مضاوي على درجة الدكتوراة من جامعة كرانفيلد بالمملكة المتحدة، و تكتب أطروحة الدكتوراه حول الاتجار بالبشر الدوافع وطرق العلاج. كما عملت مع عدد من الجمعيات الإنسانية التي تساعد على توعية الضحايا و الخروج من وكر الجريمة وتساعدهم لينتقلوا من كونهم ضحية إلى مواطنين منتجين في بلادهم. تقدّم هذه الجمعيات الدعم النفسيّ اللازم لهم كما تساعدهم على بناء القدرات والمهارات الأساسية اللازمة للدخول لسوق العمل، وأن يكونوا أعضاءً فاعلين في مجتمعاتهم. تم تكريم سموّ الأميرة وعدد من الزملاء حول العالم على الأعمال التي قدموها لمساعدة العديد من الضحايا وحمايتهم قبل الوقوع في الجريمة من قبل أحد الجهات العالمية (Nomi Network) والتي تعمل بدورها على مكافحة الاتجار بالبشر منذ عام 2009م ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية - نيويورك، وقد أهدت سموّها هذا التكريم لعائلتها لأنهم الداعم الأول لها في هذا العمل الإنساني.. ولأولئك الأبطال الذين تجاوزوا تلك التجربة المريرة ليصبحوا أعضاءً فاعلين في مجتمعاتهم. وأضافت سموّ الأميرة: “نحن الآن في المملكة ولله الحمد نسعى لرفع جودة حياة المواطنين وأن نكون من أكثر الدول أماناً للجميع، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو سُيّاح. وعليه فإن المملكة تُحرز تقدماً رائعاً في ترسيخ الأمن والأمان من بناء أنظمة صارمة تجرّم أي أمر يهدد أمن الإنسان، وتفتح له الأفق ليكون مُنتجاً ومتقدّماً”.
مشاركة :