تحدثت في مقالة يوم أمس عن الأعمال الأدبية الحديثة وتوظيفها للجسد؛ فالمشهود أن هذا التوظيف يتأرجح ما بين: الاستعانة به على رسم الحدث، والإثارة! وقد لا يجرؤ كثير من الكتاب على تناوله -التوظيف- خوفاً من العقوبة، أو لاعتبارات اجتماعية، وحدود دينية. ونقف هنا غير منكرين دور أدلجة القلم العربي والسعودي تحديدا في تناول الجسد أو بالأصح الجنس في العمل الأدبي. والمربك حقا للقلم الواعد أنه ما بين: وجوب حضور الجنس كوظيفة، وتغييبه كواجب يفرضه عليه الغلق الأيديولوجي مع إيمان الكاتب بوجوب حضوره؛ وهذا موطن الإرباك؛ ناهيك عن أن القلم الواعد من الممكن أن يتوه في المنتصف فلا هو الذي يحقق توظيف الجنس جيدا، ولا هو قادر على الاستغناء عنه وتغييبه تماماً، وهنا يقع المبتدئ في الكتابة ضمن مصيدة توجيه الجنس للإثارة فقط! لذا على الكاتب الواعد أن يلتقط بعض الإشارات الأدبية عند توظيف الجنس في العمل الأدبي حتى لا يخبو أدبه في أول لمعان له، ومن أهم تلك الإشارات الإرشادية: العناية بالنضج التخييلي، العمل على التمكن من أدوات الكتابة الأدبية حتى لا يفاجئ ويصدم المتلقي بنص ساقط غير أخلاقي مبتذل، وكأنه بذلك يسوق للرذيلة والمحزن أن هذا ما لاحظناه بالفعل في بعض الأقلام الواعدة، حيث يعتنق الجنس في نصه ظنا منه أن ذلك يرفع من شأن العمل، أو يبرزه ويجلب له الشهرة سريعا، أو يساهم في رفع مبيعات نتاجه، والمضحك المبكي حقا حدوث ما نخشاه!! فالبعض يكتسب الربح والشهرة من وراء مبيعات أعماله المبتذلة، وقد يحدونا الإنصاف أن وقوع مثل ذاك الأمر المؤسف والخلل الأدبي الممزوج بالخلل الأخلاقي والاقتصادي كمورد لتلك المبيعات. ليست مسؤولية الكاتب وحده؛ بل يشترك المجتمع والمربي والثقافة في تحمل نتائجه، وأوزاره. كما أنه على الكاتب المبتدئ أيضا قراءة أعمال الروائيين والكتاب الكبار الذين تمكنوا من توظيف الجنس في خدمة العمل الأدبي وعليه أيضا إخراج مفهوم الجنس من دائرة الغلق ليتسنى له ككاتب مبتدئ استشعار الدور المهم الذي يلعبه الجنس في العمل الأدبي كتعبير عن حياة متكاملة هو أحد محاورها، وليس النظر إليه كتجربة وممارسة مستقلة بذاتها مسلط عليها الضوء وبالتالي تصبح هي الهدف المنشود من قراءة العمل. يجب أن لا يغيب عنه أن الذوات المتخيلة لها بعد سلوكي، ومجتمعي، وثقافي؛ وأن واجبه الأدبي يحتم عليه إبرازها وفق بناء نصه بحيث يتناول الجنس بسلاسة حسب خلفية الشخصية المتخيلة. أما إن كان الكاتب الواعد «أنثى» فعليها مراعاة عدم تحسسها من تناول الجسد كما تفرضه عليها طبيعتها الأنثوية. ما الضير في تناوله ما دامت تحكي عن «ذوات متخيلة أدبية» صُنعت عبر ما رسمه خط الحدث لها ممزوجا بالشخصية.بقي القول إن الإشارات المذكورة في هذا الصدد ما هي إلا إرشادات ضوئية تدل الكاتب المبتدئ وتعينه، على التزود بكل ما يخدم النص الأدبي؛ على أن لا يأخذها كمُسلّمات بل يعتبرها خير معين له على التمكن من الكتابة الناضجة بحيث تأخذه ككاتب إلى عالم الإبداع، وتأخذنا معه كقراء إلى عالم الاستمتاع. تمت الاستفادة في هذه المقالة من كتاب لغة الجسد/ باربارا بيز، لغة الجسد/ إبراهيم فقي، التعبير عن العواطف عند الإنسان والحيوانات / تشارلز داروين.
مشاركة :