منذ مطلع العام 2020، بدأت ملامح العالم تتغيّر، ليس فقط بسبب انتشار فايروس كورونا، بل أيضا بسبب النتائج الاقتصادية التي ترتبت عنه، والتي كان من تداعياتها توقف حركة الطيران، وإلغاء معظم الفعاليات الثقافية والفنية التي كانت تزدهر بها بعض البلدان وخاصة العربية منها، و”قافلة بين سينمائيات”، واحدة من تلك التظاهرات الثقافية التي اضطرت مجبرة إلى نقل فعالياتها من أرض الواقع إلى المنصات البديلة. انطلقت المخرجة المصرية أمل رمسيس منذ العام 2008 في تنظيم قافلة لسينما المرأة العربية واللاتينية، تحت عنوان “بين سينمائيات”، كانت التجربة حينها ضيقه الحدود واقتصرت على السينما العربية وسينما أميركا اللاتينية. بدأت القافلة نشاطها من القاهرة، بدعم من السفارة الإسبانية، ومن برامج التعاون الدولي في إسبانيا، إلا أنها سرعان ما انطلقت عبر جولات في كل من أميركا اللاتينية والعالم العربي، وكانت واحدة من جولاتها العربية في العام 2010 من المقرر أن تضم كلّا من سوريا والأردن ولبنان، ولكن لأسباب رقابية بحتة، اقتصرت الجولة على الأردن ولبنان، ولم تتح للجمهور السوري. ربما كانت فكرة جمع السينمائيات العربيات إلى جانب السينمائيات من منطقة جنوب القارة اللاتينية، محض صدفة، خاصة أن أمل كانت تعيش في إسبانيا ولديها معرفة كبيرة وعلاقات واسعة بسينما أميركا اللاتينية، إلا أن السبب الحقيقي كما تقول رمسيس “كان في شعوري بوجود فجوة كبيرة ما بين العالم العربي وأميركا اللاتينية من ناحية الإنتاج السينمائي، فرغم وجود الكثير من الأشياء المشتركة في ما بيننا على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي، إلا أنه ليس هناك أيّ اطلاع من الطرفين على تلك الإنتاجات”. عوالم مشتركة أمل رمسيس: ما يجمع بين السينما العربية ونظيرتها اللاتينية كبير وعميق أمل رمسيس: ما يجمع بين السينما العربية ونظيرتها اللاتينية كبير وعميق اكتشفت أمل رمسيس أن الطريق المثالي لوصول الأفلام العربية وانتشارها في أوروبا، يحتاج إلى ترجمة تلك الأعمال إلى الإنجليزية أو الفرنسية، ممّا يعني أن أوروبا هي همزة الوصل ما بين العرب وأميركا اللاتينية، ولأنها كانت تبحث عن شكل من أشكال التواصل المباشر دون المرور على أوروبا، فكّرت في موضوع القافلة، بحيث تترجم كل الأفلام اللاتينية إلى اللغة العربية مباشرة والأفلام القادمة من المنطقة العربية إلى اللغة الإسبانية مباشرة، وبالتالي يمكن لهذه الأفلام ألّا تكتفي بالعرض في القاهرة وإنما بإمكانها أن تجوب في بلدان أخرى من أميركا اللاتينية وإسبانيا والعالم العربي. استمرت جولات القافلة حول العالم وزارت فيها حوالي 60 مدينة، تقول رمسيس “في تلك الزيارات لم نتعرّف فقط على مخرجات سينمائيات، وإنما تعرفنا على الشعوب، وأقمنا مناقشات كثيرة واكتشفنا عوالم مشتركة في ما بيننا، أكّدت لنا أن ما يجمعنا بهم أكثر بكثير ممّا هو متخيّل”. ولم تقتصر القافلة على العروض ومناقشتها، بل أقامت العديد من الورشات مع مجموعة من النساء، كورشة فيلم الدقيقة الواحدة في بعض البلدان العربية وأميركا اللاتينية، وورشة الفيلم التسجيلي الإبداعي، وهي ورشة مكثفة جدا تمتد على مدى تسعة أشهر، ويشرف عليها مدربون من الوطن العربي وأوروبا وما زالت مستمرة حتى يومنا الحالي. في العام 2013، ونظرا للإقبال الجماهيري الكبير، كان لا بد للقافلة من أن توسّع نشاطها وأن تعرض في أكثر من دار عرض سينمائية، فتحوّلت القافلة لتصبح جزءاً من مهرجان فكان “القاهرة الدولي لسينما المرأة”، الذي حصل بدوره على دعم ليس فقط من السفارة الإسبانية وإنما أيضا من بعض السفارات التي كانت لها أفلام في القافلة، وهو دعم تحتاجه القافلة كنفقات لتغطية زيارات مشاركين وتأمين إقامتهم وكذلك للترجمة، كما حصلت على بعض الدعم من قبل المؤسسات الأهلية في البلدان التي كانت تزورها. كما أن أفلام المهرجان لم تقتصر على مخرجات المنطقة العربية ومناطق جنوب القارة اللاتينية، بل توسّعت لتشمل أفلاما سينمائية لمخرجات من كل أنحاء العالم، وبدأ المهرجان بعرض أضعاف الأفلام التي كانت تعرضها القافلة، إلى درجة أن دورة العام 2018، وهي الدورة الأخيرة التي أقيمت خلاله، قدّمت عروضها في خمس قاعات عرض على مدى أسبوع كامل. تحديات جديدة مبادرة سينمائية مستقلة تعرض أفلاما من صنع النساء مبادرة سينمائية مستقلة تعرض أفلاما من صنع النساء توقّف المهرجان لأسباب بيروقراطية لها علاقة بقوانين صدرت في مصر، ولكن القافلة بقيت مستمرة ولم تعد مقتصرة على المخرجات من الوطن العربي وأميركا اللاتينية وإنما أضيفت إليها أيضا أفلام مخرجات من كل العالم، واستبْقت على جولاتها حتى بداية العام 2020، حيث كان من المقرّر للقافلة في أبريل الماضي زيارة لبنان وتحديدا النبطية وصور وصيدا، ولكن فايروس كورونا والأحداث اللاحقة التي حلت بلبنان وقفا حائلا أمام القافلة، إلى أن بات من الأفضل وعوضا عن التأجيل مرة أخرى، أن تكون العروض أونلاين، وبالتالي أتاحت مشاهدة كل الأفلام المبرمجة للجمهور في كل أنحاء العالم وليس فقط في لبنان. وتضم قافلة “بين سينمائيات” التي انطلقت فعاليات دورتها الرابعة عشرة في الثالث من أكتوبر الحالي وتتواصل حتى الثالث عشر منه، ثلاثة أقسام، القسم الأول تحت عنوان “البانوراما العالمية”، وهو القسم الرئيسي الذي يعرض تسعة أفلام سينمائية لتسع مخرجات من الوطن العربي والعالم، أما القسم الثاني فيتضمن “تحية إلى لبنان: إعادة بناء الذاكرة” ويعرض 12 فيلما، أما القسم الثالث، وهو لا يقل أهمية عن القسمين الأولين ويعتبر من الأنشطة الموازية للقافلة، فقد تضمن لقاءات مع مخرجات الأعمال المشاركة في البانوراما لمناقشة أفلامهن وطرح الأسئلة عليهن، إلى جانب “ماستر كلاس” مع المخرجة الفلسطينية مي المصري، ومائدة مستديرة حول دور صانعات الأفلام في ترميم الذاكرة اللبنانية. وتعتبر نسبة مشاهدة الأفلام عبر الأونلاين أكبر، حيث يكون الفيلم متاحا لجمهور عريض، وبالتالي تقول رمسيس “مكنتنا هذه التقنية من تعريف شريحة كبيرة من الجماهير على أفلام هؤلاء المخرجات”، ولكنها لا تخفي في الوقت عينه أنها لا تشجّع فكرة مشاهدة الأفلام بطريقة الأونلاين ومن خلال أجهزة الكمبيوتر، لأن السينما بالنسبة إليها نشاط اجتماعي لا يقتصر على الخروج والوصول إلى قاعة السينما، وإنما يتميز بالعلاقة التي تجمع بين المشاهدين في نفس اللحظة وأمام نفس الفيلم، وبالمناقشات التي تحصل في ما بينهم. القافلة انطلقت كتجمع للسينمائيات بين الدول العربية ودول أميركا اللاتينية قبل أن تتّسع لكل سينمائيات العالم القافلة انطلقت كتجمع للسينمائيات بين الدول العربية ودول أميركا اللاتينية قبل أن تتّسع لكل سينمائيات العالم ولأن هذا النشاط في حد ذاته يدعم السينما كصناعه لها سوق وجمهور، ولا يمكن أن تقتصر العملية السينمائية على الشاشات في الأماكن المغلقة وبمعزل عن الناس، ولكنه يبقى الحل الوحيد للسينما في ظل الأزمات الراهنة لتُكمل مسيرتها ضمن معضلة الحجر الإجباري. لا تعتمد أمل رمسيس منظمة الحدث في برمجة الأفلام المشاركة في القافلة على أسلوب اختيار الأفلام الأكثر شهرة أو المعتمدة على صناديق الدعم السينمائي، أو حتى على الأفلام التي سبق وأن عرضت في مهرجانات كبيرة، بل تختار الأفلام ذات الجودة العالية والتي تحمل وجهة نظر ولديها من الناحية السينمائية شيئ مختلف. ومع ذلك لا تنكر رمسيس أن دورة هذا العام شملت أفلاما كان لها حضورا في مهرجانات هامة مثل: سنداس وبرلين وتورنتو وغيرها، أو سبق وأن نالت دعما، جنبا إلى جنب مع أفلام لم يسبق لها العرض أو الدعم، مؤكّدة على أن المحك في الموضوع يتوقّف حول تصوّر المخرجات ورؤيتهنّ للعالم المحيط بهنّ. كما أن عروض القافلة عبر الأونلاين، تخلّص القافلة من قيود الرقابة التي تفرضها بعض البلدان العربية، وبالتالي يسمح بعرض الأفلام ومشاهدتها من قبل الجمهور في البلدان التي لديها رقابة صارمة، وتوضّح رمسيس “هذه الرقابة لا تقتصر على العروض التي تقدّم في صالات العرض العامة، وإنما أيضا على العروض الخاصة كما في معهد جوته الألماني، وصالات وسط الجامعة الأميركية، وهي بشكل أساسي رقابة سياسية لم يسبق لأحد أن فرضها عليها”. وتعترف أمل رمسيس بأن الرقابة في أوروبا تختلف كمفهوم عن الرقابة المطبقة في المنطقة العربية، وتقول “الأوربيون يريدون أن يروننا بطريقة معينة، الأمر الذي يمنع أفلاما عربية مهمة جدا من العرض في أي مهرجان أوروبي، لذلك تعتبر هذه العملية نوعا من أنواع الرقابة رغم عدم وجود مؤسسة رسمية تمنع العرض”. وتضيف رمسيس “إنها أمور أعمق، ترتبط بالعقلية الأوروبية، التي تريد أن ترى عالمنا بطريقة أحادية، وفي حال قدمت بعض الأفلام العربية صورة مختلفة عن تلك الرؤية أو وجهة النظر، فإن تلك الأفلام لا تجد طريقها للعرض، وهي رقابة مرتبطة بالميديا والثقافة ووجهات النظر، ويعود القرار فيها للمبرمج في المهرجان، وهذا الأمر لمسناه بشكل ملحوظ مع الأفلام السورية التي عرضت مؤخرا في أوروبا، وتم الاحتفاء بها، وكأن السينما السورية اكتُشفت فجأة” .
مشاركة :