طهران- يكشف اشتداد العقوبات الأميركية التي يفرضها الرئيس دونالد ترامب على إيران، وآخرها على قطاعها المصرفي، أن طهران يمكن أن تستغل ذلك في صالحها في طريق تجاوز محنتها من خلال توثيق علاقات التقارب مع كل من روسيا والصين، عدوي الولايات المتحدة. وتقول أوساط غربية إن الظروف باتت مهيأة الآن أمام إيران أكثر من أي وقت مضى، فعلى الرغم من أن الأوان قد فات لعكس جميع العواقب غير المقصودة للتحول في السياسة الأميركية تجاه طهران، إلا أن تخفيض العقوبات مقابل إعادة الالتزام بخطة عمل شاملة ومشتركة يمكن أن يسمح للجمهورية الإسلامية بإعادة تمثيل نفورها الاستراتيجي من التشابكات الأجنبية مع الدول العظمى الأخرى. ومع أن الصين وروسيا تحجمان في العلن عن تبني علاقات أوثق مع إيران، فإن ما يبدو واضحا هو أن عقوبات الضغط الأقصى تقرب الخصوم الأساسيين للولايات المتحدة، وأن العقوبات تفيد بالفعل الدول الثلاث تجاريا وأمنيا وعسكريا. بالنسبة لروسيا، فإن الحصار الأميركي شبه الاقتصادي على إيران مفيد على الصعيدين الاقتصادي والأمني لها، حيث بدأ توسيع اللجنة المشتركة بين إيران وروسيا في 2018 وأدى انسحاب إدارة ترامب أحادي الجانب من قرار مجلس الأمن حول خطة العمل الشاملة المشتركة أو الاتفاق النووي الإيراني وسن نظام عقوبات “أقصى ضغط” على إيران، إلى إضراب استراتيجي في اقتصاد هذا البلد البالغ عدد سكانه 80 مليون نسمة. ووفق ما ذكره المحلل السياسي ديفيد دي بلت، في تقرير نشره موقع “موديرن دبلوماسي”، كانت العقوبات الأشد “فتكا” تهدف إلى الدخول في ثورة مضادة سريعة من قبل عناصر أكثر علمانية و”حميدة” نسبيا، أو على الأقل إجبار النظام على المزيد من التنازلات في صفقة نووية منقحة، وبدلا من ذلك اتسمت بعواقبها غير المقصودة. ويرى بيلت، المهتم بسياسات التركيز الأوسع في الشرق الأوسط بجامعة الاستخبارات في واشنطن، أن عقوبات سرعت اتجاهات الثقافة السياسية الإيرانية لصالح التيار المحافظ، في مسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع الصناعات، بما في ذلك الأسلحة، وتقليل الاعتماد على عنصر ريع النفط في اقتصادها. لكن هذا ليس كل شيء، فبسبب ما يرقى إلى مستوى الحصار الاقتصادي، تحولت السياسة الخارجية الإيرانية بعيدا عن عادتها التقليدية المتمثلة في العزلة الاستراتيجية “لا الشرق ولا الغرب”، الذي أسسه آية الله الخميني، الحاجة، وهي في نظره “أم كل الاختراعات”. وقد اضطرت إيران إلى النظر إلى الصين وروسيا في كل حاجة أمنية لتجنب تأثير العقوبات. وبالنسبة لإيران فإن الصين وروسيا، اللتين تصعدان في الجغرافيا السياسية العالمية وتخوضان حربا باردة متجددة مع الغرب، لديهما نفس المواقف. ومن هنا يمكن القول إن هناك أرضية لتقارب وثيق يخلص طهران من سياط عقوبات ترامب. ويزن المنافسون الرئيسيون للولايات المتحدة بحذر تكاليف تكتل اقتصادي وأمني غير رسمي وذلك جزئيا للتخفيف من تأثير العقوبات الأميركية والضغوط الاقتصادية الأخرى عليهم أيضا. وتنعكس هذه الاستراتيجية الدقيقة جزئيا على بكين، في نية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” الموقعة عند زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى طهران في يناير 2016، بعد فترة وجيزة من تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني. ولكن، لتحقيق التوازن بعناية بين استراتيجيات عرض قوتها مع الجميع في المنطقة دون أن تبدو منحازة إلى جانب، وقعت الصين هذه الشراكة الاستراتيجية في نفس الوقت الذي وقعت فيه اتفاقية شراكة استراتيجية مماثلة مع السعودية. وبدلا من شيء فريد حقا يشير إلى تحول استراتيجي في موازنة القوة الجيوسياسية للصين، كانت رؤيتها المشتركة مع إيران مجرد إطار عمل معياري تستخدمه “جمهورية الشعب” عادة لهيكلة العديد من علاقاتها الثنائية. ويتضمن هذا المسار اتفاقيات أمنية سياسية واقتصادية وعسكرية، إلى جانب الهدف الاستراتيجي المتمثل في دفع “عملية تعدد الأقطاب في النظام الدولي”، في حركة رمزية لدحر الهيمنة الأميركية. ولم تتصرف الصين حتى الآن بشأن خطة الشراكة الاستراتيجية في إيران كما فعلت مع المنافسين الإقليميين لطهران، والذين يتمتعون بعلاقات عسكرية وسياسية واقتصادية أوثق مع بكين. وبالنسبة لروسيا، فإن الحصار الأميركي شبه الاقتصادي على إيران مفيد على الصعيدين الاقتصادي والأمني لها، حيث بدأ توسيع اللجنة المشتركة بين إيران وروسيا في 2018، فقد قاد رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين وفدا برلمانيا وحكوميا رفيع المستوى إلى إيران في أواخر يناير لغرض إدخال إيران في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الروسي. تخفيض العقوبات مقابل إعادة الالتزام بخطة عمل شاملة ومشتركة يمكن أن يسمح للجمهورية الإسلامية بإعادة تمثيل نفورها الاستراتيجي من التشابكات الأجنبية مع الدول العظمى الأخرى ويبدو أن إيران وافقت على أن تكون حلقة وصل رئيسية في روسيا ونظام السكك الحديدية والبحر في الهند والمعروف باسم ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب وهو نظام دولي متعدد الوسائط يربط الهند بمسافة بحرية قصيرة إلى ميناء إيران في خليج عمان عبر أذربيجان وروسيا وصولا إلى شمال أوروبا. وستتوازى هذه البنية التحتية التجارية الاقتصادية وتتنافس مع كل من قناة السويس المصرية ومع مبادرة الحزام والطريق الصينية، مما يؤدي إلى قطع المسافة من الهند إلى أوروبا بنسبة 40 في المئة والتكاليف بنسبة 30 في المئة. وتعمل موسكو بالفعل على تعزيز تجارتها القوية وتعاونها الأوسع مع إيران عبر عدة قطاعات تشمل الاستثمار المخطط له في العبّارات ومشاريع النقل الأخرى التي تربط بين البلدين والبنية التحتية وتعزيز السياحة المتبادلة والبحث والاستثمار في مختلف الصناعات مثل الفضاء والصحة والطاقة النووية والتقليدية والتعدين والتعليم العالي.
مشاركة :