الموسيقى العربية في إسرائيل: من الخفاء إلى الفضاء العام | ليندا منوحين عبدالعزيز | صحيفة العرب

  • 10/12/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

منذ آخر عقدين من القرن العشرين تشهد الموسيقى العربية رواجا كبيرا في إسرائيل، سواء في شقها الكلاسيكي الذي يمثله أعلام الموسيقى العربية، أو في الجانب التجديدي الذي يقوم به فنانون شباب أغلبهم من أصول عربية. لكن النجاح والانتشار اللذين تعرفهما الموسيقى العربية في إسرائيل لم يكونا سهلين مطلقا بل هما يشبهان قصة كفاح. في صيف عام 1971 اصطحبتني خالتي إلى النادي الرياضي في تل أبيب الذي كان يعج بالإسرائيليين أيام السبت. كان مشهدا مشابها لمسبح الشعب البغدادي في الستينات. جلست على كرسي مريح وفتحت راديو الترنزيستور الصغير لأستمع إلى أغنية لأم كلثوم. سارعت خالتي لتطلب مني أن أخفض الصوت. كانت تلك مفاجأة صادمة بالنسبة إلي. فلم يمض على قدومي إلى إسرائيل سوى بضعة أشهر، بعد فراري من جحيم حزب البعث في العراق. قصة كفاح إسرائيل عام 2020 هي محطة معاصرة تتناغم فيها أنواع الموسيقى. وهذه هي قصة كفاح طغى فيها ذوق الجمهور على ميول منتجي البرامج الإذاعية الذين حاصروا الأغنية العربية، باعتبارها امتدادا للغة العدو. لكن اللغة العربية كانت اللغة المحكية لدى 850 ألف يهودي، قدموا من مختلف أنحاء الدول العربية، بيد أن الذوق العام كان متشابها إلى حد ما، عندما كان المشهد الغنائي يعج بأسماء أساطير الشرق مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش في مصر وسليمة مراد في العراق وغيرها. غير أن النزاع العربي الإسرائيلي ألقى بظله على الغناء العربي، وظل لفترة كأنه الابن غير الشرعي. يقول إيلي جرينفيلد المستشار الفني للمؤسسات الموسيقية والفنانين في إسرائيل “إن الانطلاقة الحقيقية للموسيقى العربية بدأت مع حضور سافو Sapho الفرنسية المغربية إلى إسرائيل عام 1988، حيث قدمت عروضا موسيقية في أكبر قاعات تل أبيب، غنت فيها لكوكب الشرق أم كلثوم”. هكذا حطت الموسيقى العربية في قلب تل أبيب النابض، وليس كما جرت العادة في حانات ومقاه جانبية. المثل يقول "إذا كان مصعد النجاح معطلا، استخدم السلم درجة درجة"، وهذا ما فعلته الموسيقى العربية في إسرائيل وفي نظري إن إسرائيل تخلصت شيئا فشيئا من عقدة النزاع العربي الإسرائيلي لاسيما بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر، وبعد عامين من التوقيع على معاهدة السلام مع الأردن، أصدرت سريت حداد، من أشهر المغنيين في إسرائيل والأكثر تأثيرا على المشهد الغنائي، في عام 1997 ألبومها “كرمل” مع أغان عربية تم تسجيل معظمها في الأردن. أتذكر في مطلع الألفين عندما شكلت جمعية لتطوير الموسيقى العراقية وأطلقت عرضا بعنوان “الملتقى في مقهى بغداد” استحضرت خلاله مساهمات الأخوين صالح وداود الكويتي في تطوير الموسيقى العراقية في النصف الأول من القرن العشرين، كان معظم الحضور من كبار السن. يقال “إن فرخ البط عوام”، وإذا بحفيد داود الكويتي، الموسيقار الموهوب دودو تاسا يدشن ألبومه “الأخوان الكويتي” بإطار فني جديد تحول إلى صرعة في المبيعات والحفلات الموسيقية التي استقطبت الشبيبة. والمفارقة أن هذا التوزيع الجديد استقطب الألوف من العراقيين خارج العراق وداخله. وليس أقل نجاحا زيف يحزقيل عراقي الجذور من خلفية دينية وهو ملم بالعزف الشرقي على العود والأداء على حد سواء، وهو يقدم عروضا لعمالقة الطرب العربي ويحظى بشعبية مبهرة داخل إسرائيل وخارجها. يتماهى زيف مع “فرقة النور” التي رفعت شعار الموسيقى العربية التقليدية التي كانت تعزفها فرقة دار الإذاعة الإسرائيلية، وتضم 25 عازفا بقيادة العازف أريئيل كوهين ووالديه المنحدرين من المغرب. ساهمت عوامل عدة في اعتلاء الموسيقى العربية العرش في فضاء إسرائيل، منها أن شريحة كبيرة من الشبيبة المتدينين استمعوا لأنغام عمالقة الطرب في الكنيس فشغفوا بها، بعد أن أجاز الحاخام الأكبر في إسرائيل الحاخام عوفديا يوسف تطويع هذه الموسيقى للترانيم الدينية. كما ساهمت مختلف مهرجانات السلام وفي مقدمتها مهرجان العود السنوي الذي يتم إحياؤه كل عام في استقطاب جمهور إسرائيلي ليست له جذور شرقية. وسرعان ما تحول المهرجان إلى عروض عديدة في عدة مدن والعشرات من القاعات، تُستثمر فيها ميزانيات كبيرة وتدعمها مختلف البلديات إضافة إلى وزارة الثقافة. “الفرقة المقدسية شرق غرب” بقيادة توم كوهين تخصص في السنوات الأخيرة عروضا لموروث المطربين الشهيرين في العالم العربي. وهي تتعاون مع كوكبة من الموسيقيين متنوعي الجذور، إذ تجد مثلا رفيد كحلاني، يمني الجذور نشأ على الموسيقى اليمنية والغناء بلهجات متنوعة، متأثرا بموسيقى شمال أفريقيا وموسيقى البلوز الأميركية لمايكل جاكسون وبرينس. وقد أصدر عدة ألبومات منها أسماء عربية مثل “ما أحلى السلام” “Ma’ahla Asalam”. ولعل أكثر ما هو رمزية في تبوء الموسيقى العربية مكانة مرموقة في إسرائيل، هو العروض الموسيقية التي قدمتها “فرقة النور” في مقر رؤساء إسرائيل، مع أنها حديثة العهد فهي تقدم 50 عرضا سنويا وهي الفرقة الوحيدة التي تتقن أداء الموسيقى العراقية إضافة إلى ألوان موسيقية أخرى. كما أنها مميزة في الحفاظ على التقليد الشرقي واللحن الأصلي دون مسه. وخلافا لهذا التوجه، نجد مبادرات الجيل الثاني من المنحدرين من جذور عربية في تحويل أنغام الطفولة إلى موسيقى عصرية تتماشى مع ذوق الشباب الإسرائيلي، إلى جانب إحياء الأغاني التراثية، ولعل قصة الثلاثي اليمني الأصل فرقة أيوا A-WA خير نموذج. فقد أطلقت 3 شقيقات تاير وليرون وتاغل أول ألبوم من الموسيقى اليمنية عام 2016 وسرعان ما تحولت إلى صرعة موسيقية للكليب الذي شاهده الملايين. يقول المثل “إذا كان مصعد النجاح معطلا، استخدم السلم درجة درجة”، وهذا ما فعلته الموسيقى العربية في إسرائيل. ولا شك أن التطبيع مع الإمارات والبحرين سيدفع الجمهور في إسرائيل إلى تعميق معرفته بالغناء في هذين البلدين ونتوقع أيضا مبادرات للتعاون الفني بين فنانين إسرائيليين وإماراتيين لترسيخ صرح السلام في المنطقة.

مشاركة :