"موناليزا الموصل" قصص عمانية تصوّر الأمكنة العربية بتقنيات الرسم والموسيقى | | صحيفة العرب

  • 3/30/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أحيانا تغرق بعض كاتبات السرد العربيات في لغة شعرية فضفاضة وتهويمات تميل إلى الخواطر وتضعف من النص الذي يلبس ثوب السرد، ولكن الكاتبة العمانية زكية الشبيبية كانت على وعي بهذه المزالق فكرست قصصها بشكل واع لكشف قضاياها التي تتراوح من الفرد إلى المجتمع، بلغة سلسة ومسار سردي مرسوم بعناية. عمّان - تقدم الكاتبة العمانية زكية الشبيبية في مجموعتها القصصية "موناليزا الموصل"، مجموعة من المشاهد والصور التي تعبّر عن حياة المجتمعات العربية عموما والمجتمع العماني بشكل خاص. وعلى تنوع قصصها نجد الكاتبة تارة تدعو إلى التأمل، وتارة أخرى إلى التمرد، وتارة ثالثة إلى استعادة المنسيّ واستذكار الماضي، إذ تحمل مجموعتها بهواجسها وأفكارها التي تلبسها ثوبا سرديا مؤثرا يدفع المتلقي إلى التعاطف مع الشخصيات والتفاعل معها، لأنها مستمدة من واقعه ومحيطه. تشير الكاتبة في قصتها “حب عتيق” إلى مجتمع ما قبل النفط في الخليج، متناولة شخصية شيخ دأب على تلقين الأطفال الآيات الكريمة، حيث يرددها على مسامعهم حتى أزهرت بها قلوبهم وأصبحت ربيعا ماطرا إثر علمه الغزير الذي حظي به دون غيره، فنال به شرفا وتكريما بين أبناء عشيرته؛ ليكون قِبلة ومهوى للأفئدة المتعطشة للعلم، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الشيخ -معلم الأطفال- لم يُرزق بطفل، وهو في خلوته يفكر بالمرأة التي تزوجها وأحبها وتمنى أن ينجب منها طفلا لكن ذلك لم يحدث. قصص تصويرية قصة الطفلة الموصلية سبأ كما ترويها هي لأترابها قصة الطفلة الموصلية سبأ كما ترويها هي لأترابها يقرر الاثنان الافتراق لتتزوج هي بآخر وتنجب منه طفلة تشبهها “تمسمر في مكانه فجأة بوجوم عندما وقعت عيناه على طفلة صغيرة كان يعتني بها أحدهم، يساوره شك في أمر العينين النجلاوين، والشفتين المزمومتين، يشبه ذلك الجمال الذي طرق بابه منذ سنين خلت، اندفع نحوها، أجلسها على حضنه، سألها بلهفة عطشى: أمك رقية؟ وقبل أن تنطق الصغيرة بنعم، احتضنها بحرارة فاض بها كأس الحنين في أعماقه”. تكشف القصة على بساطة شخصياتها ملامح من مجتمع تحكمه العادات والتقاليد وتحركه العاطفة أكثر من أي شيء آخر، ولا نرى للكاتبة موقفا واضحا بل هي تكتفي بنقل التفاصيل دون أن تنحاز إلى شخص من شخوصها التي تكتبها. الكاتبة اتجهت نحو التصويرية حيث عملت على رسم ملامح الشخصيات والأمكنة كأنها فنانة تحمل ريشة وترسم وجاءت قصص المجموعة الصادرة مؤخرا عن “الآن ناشرون وموزعون" بالأردن، ضمن إصدارات الجمعية العمانية للكتاب والأدباء لعام 2022، بلغة سردية متماسكة، لا ضعف فيها أو ترهّل، كما لا تعقيد أو شعرية زائدة في الوصف لا تحتملها لغة السرد. واتجهت الكاتبة نحو التصويرية، حيث عملت على رسم ملامح الشخصيات والأمكنة كأنها فنانة تحمل ريشة وترسم؛ ففي قصة “إخفاء” نقرأ من الصور المرسومة بالكلمات "ترتادُ الشارع وحدها في ضاحيةِ النهار غير آبهة بأبواق السيارات المسرعة وفضاضة راكبيها وهم يختلسون النظر إلى المارة من النساء، تشق الرصيف كعادتها خالية الوفاض بظهر مائل وعباءة بالية سوداء لا تشي بملامح ذات زينة أو بريق وقد انتزعتها منها انتزاعا كما ينتزع دهن عود من خشبه، فلا شيء يبدو مثيرا في هذه المرأة المتلفعة بالسواد أمام المارة هنا، يغلفها ذلك الغطاء كسدّ منيع يصعب اختراقه أو العبث به". ومن الأمثلة على اللغة التصويرية أيضا ما ورد في قصة "موناليزا الموصل" التي أخذت المجموعة عنوانها منها، وهي تتحدث عن المصور العراقي علي الفهداوي الذي التقط صورة لفتاة بدا البؤس على ملامحها بسبب الحرب وتأثيراتها، وقد نالت هذه الصورة شهرة كبيرة دفعت المصور ليبحث عن الفتاة إلى أن عثر عليها بعد سنوات ورصدَ التغير الذي حلّ بحياتها. وتؤكد الكاتبة أن المصور مقاوم عنيد وصامد، يحمل بدل البندقية كاميرا يوثق فيها أحداث الحرب وجرائمها، تكتب "تأبط آلة التصوير السوداء كمقاتل محترف، ها قد أصبح جاهزا لخوض معركته الشرسة، يقاتل بآلته -رفيقةِ مهنته ولا سلاح غيرها يتسلّح به- يحلف لهم أيمانا غليظة بأنها شريفة وبريئة كوجوه أصحابها الذين تصيدتهم مرات ومرات لتختزلهم في شريطِ ذاكرتها". حالات تأمل قصص المجموعة جاءت بلغة سردية متماسكة لكنها بلا تعقيد أو شعرية زائدة في الوصف لا تحتملهما لغة السرد في لغة الحوار كانت ثمة مرونة في التعبير والتركيز على مستوى وعي الشخصية بعيدا عن التكلف والتصنع، فهي لغة قريبة مما يدور بين الناس من أحاديث، وقد جاءت في أغلبها قصيرة ومكثفة غير أنها موحية وذات دلالات رمزية، وهذا ما نطالعه مثلا في قصة "حالة جديدة" التي تتحدث عن فتاة تعاني من الاكتئاب ويعالجها الطبيب، ومن خلال الحوار الآتي يبرز الفرق في الوعي بين حديث الطبيب وحديث المريضة "أنتِ أفضلُ حالا يا عبير، والاكتئاب الذي تشتكين منه من الدرجة المتوسطة ونستطيع السيطرة عليه. وهل يحدثُ الاكتئاب هكذا دون سبب؟، سألته، ثم واصلت حديثها ناقمة مستنكرة: لقد كنت بخير يا دكتور، فماذا جرى لي؟ نظر إليها نظرة فاحصة وعاد يسألها: هل أنت متأكدة أنه لا يوجد أمر ما يضايقك ويحزنك؟ تساءل مجددا وهو يشير إلى قلبها بقلمه النحاسي: هل نظفتِ قلبك جيدا من سلة المهملات التي تغمره؟". وأثّثت الكاتبة مجموعتها بمفردات الموسيقى واللوحة والتأمل في الطبيعة، كما في قصتها "مشهورة العالم الأزرق" التي تنتقد فيها الانغماس في العالم الافتراضي، وما قد يجره ذلك من مخاطر على الفرد؛ فالبطلة التي كانت تقضي وقتها أمام الشاشة الزرقاء تتعرض لموقف محرج تنتشر فيه صورتها التي يلتقطها الصغير في غفلة منها وهي ترقص في حفلة زفاف، لكن المرأة في الصورة التي انتشرت مختلفة عن البطلة بسبب المساحيق التي رمزت لها الكاتبة بالأقنعة الافتراضية، لذا تستعيد البطلة صورتها الحقيقية عندما تمسح وجهها. تكتب الشبيبية "نهضتُ بتثاقل، نظرتُ إلى المرآة مليّا ثم عدتّ أنظر إلى الصورة مرة أخرى، لفتَ انتباهي أمر ما.. المرأة التي تظهر في المرآة تشبه تلك التي في الصورة لكنها في الحقيقة ليست أنا، النساء في القاعة أخبرنني أني مختلفة، ولم يستطعن التعرف عليّ أبدا بسبب طغيان المكياج الثقيل على هويتي. امتثلتُ لهذه الحقيقة وقد هدأتْ نفسي وأوشك ثغري أن يفتر عن ابتسامة ساخرة، عمدتُ إلى مناديل التنظيف المرطبة ومسحت وجهي مسحا وفركته كمن ينتزع من قوس قزح ألوانه المتفاوتة، حتى عاد إليّ وجهي الحقيقي البريء، نظرت مليا ثم قلت بدهشة: هذه أنا". تتجاور قضايا الذات والمجموعة جنبا إلى جنب في قصص المجموعة التي حاولت أن تكون حالات تأمل في الفرد والمجتمع في آن واحد من خلال تفاصيل هامشية جعلت منها الكاتبة رموزا لواقع كامل سعت إلى نقله. حالات تأملية عن الذات وانكساراتها

مشاركة :