مبروك كرشيد: تونس منحازة إلى تركيا في الأزمة الليبية | صغير الحيدري | صحيفة العرب

  • 6/25/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تتسارع التطورات الإقليمية والمحلية في تونس وسط سجالات كبيرة بين الإسلاميين وأطراف سياسية أخرى حول العديد من القضايا، حيث مثلت حادثة رفع صورة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي داخل البرلمان الأسبوع الماضي فرصة لمواصلة هذا التجاذب، وفي حديثه لـ"العرب" اعتبر النائب التونسي مبروك كرشيد ذلك محاولة من الإسلاميين لاستفزاز مصر وتوجيه رسائل أخرى للداخل. تونس - أثار رفع صورة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي خلال جلسة عامة للبرلمان التونسي ردود فعل متباينة حيث رأى البعض في ذلك تشبثا للإسلاميين بمرجعيتهم التاريخية (الولاء للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين)، بينما دافع آخرون على الخطوة معتبرين أن مرسي رئيس عربي ويحق لهؤلاء الترحم عليه ورفع صورته. واستنكر تونسيون تحويل بعض نوابهم وجهات النقاش داخل مجلسهم إلى خلافات جانبية وأيديولوجية لا تخدم مصالحهم. وفي حديث له مع العرب يقول وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية التونسي السابق والبرلماني الحالي المستقل مبروك كرشيد إن ما حدث يدفع إلى تسميم علاقات تونس بمصر وإن ائتلاف الكرامة المحسوب على حركة النهضة الإسلامية قام بتلك الحركة لتوجيه رسائل إلى الداخل واستفزاز الخارج (المصريين). وتأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه تونس احتقانا اجتماعيا جنوب البلاد وفي سياق إقليمي متوتر بعد تدخل تركيا لفائدة ميليشيات حكومة الوفاق الإسلامية ضد الجيش الوطني الليبي ما فاقم الصراع على الحدود الجنوبية لتونس. وفي هذا السياق يستنكر كرشيد الموقف التونسي إزاء الأزمة الليبية الذي وصفه بأنه لا يمثل شرفاء تونس الوطنيين مشددا على أن موقف بلاده الراهن تديره وتتحكم فيه حركة النهضة التي يترأس زعيمها راشد الغنوشي البرلمان. فوضى برلمانية موقف تونس إزاء الأزمة الليبية لم يكن الصمت، بل هو موقف لا يشرف الوطنيين التونسيين فهي منحازة إلى تركيا بطريقة واضحة خاصة بعد تهنئة الغنوشي للسراج بالسيطرة على قاعدة الوطية يواجه البرلمان التونسي في عهدته الحالية انتقادات واسعة ودعوات لإسقاطه أصلا حيث يعتبره كثيرون مسرحا للتجاذب الأيديولوجي الجديد بين الإسلاميين من جهة (حركة النهضة وائتلاف الكرامة وأحزاب أخرى) والدستوريين ممثلين في الحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه عبير موسي. وفي أحدث خلاف داخل المجلس، الذي لم يمر على انتخابه عام، تراشق نواب من الدستوري الحر وأحزاب أخرى وائتلاف الكرامة بالتهم بعد رفع نواب الأخير صورة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي الأسبوع الماضي. وفي تعليقه على الحادثة يقول مبروك كرشيد “لقد أطلقت عليها توصيف الصورة العقرب، لأن هؤلاء أرادوا توجيه رسائل إلى الداخل والخارج”. وأضاف في رده على سؤال بشأن المغزى الحقيقي من رفع الصورة “ماذا تريد أن تقول لمصر وشعبها برفع صورة رئيس سابق حوكم أمام القضاء وسُجن وتوفي في السجن؟ لقد أرادوا استفزاز مصر.. وهذا ليس دور البرلمان”. وتأتي هذه الخطوة من نواب ائتلاف الكرامة الشعبوي في جلسة تمكن خلالها البرلمان من تمرير قانون التضامن الاجتماعي والاقتصادي الذي يستهدف التسريع في تشغيل المعطلين عن العمل وهو ما فسره كرشيد بأنه محاولات للتشويش على هذا القانون الذي دفع به الاتحاد العام التونسي للشغل. كما يتعرض البرلمان التونسي لانتقادات واسعة بشأن ما بات يعرف بـ”حرب اللوائح” داخله حيث دفعت زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في البداية بلائحة ترفض التدخل الأجنبي في ليبيا (رُفض تمريرها) تلتها لائحة أخرى تطالب فرنسا بالاعتذار من تونس على الجرائم الاستعمارية ثم تم الدفع بلوائح أخرى سيُنظر فيها لاحقا. وفي هذا الصدد يقول كرشيد “هذا ما يسمى بالاستقطاب الثنائي بين الإسلاميين والدستوريين، عبير موسي مثلا ماذا تريد؟ إذا كانت تريد تصنيف الإخوان تنظيما إرهابيا فأنا أصنف هؤلاء تنظيما إرهابيا وبكل علانية لأن من جبة الإخوان خرجت كل التنظيمات الإرهابية في العالم”. ويضيف النائب التونسي متسائلا “الإشكال ليس في التصنيف الفكري للجماعة، هل نستطيع تصنيف النهضة تنظيما إرهابيا من خلال لائحة الدستوري الحر؟ لكن عبير موسي تريد إخوتها المحيطين بها لتقول للرأي العام إنها هي من تعارض فعلا النهضة لوحدها” في إشارة إلى صراع زعامات بين موسي وبقية الأحزاب التي تصنف نفسها وسطية. ويرهن كرشيد نجاح أي مبادرة تستهدف تنظيم النهضة والإخوان تنظيما إرهابيا بضرورة توفر 109 أصوات لتمريرها بالبرلمان التونسي. ولدى سؤاله عن لائحة اعتذار فرنسا من تونس يوضح كرشيد أن هذه اللائحة تندرج في سياق شعبوي قائلا “بعد سبعين سنة تقريبا من خروج فرنسا نطالبها بالاعتذار من البرلمان؟ لا يستقيم الحال، المفروض أن نطالبها بذلك في المحافل الدولية عندما تكون لنا الإمكانيات لفعل ذلك ونكون في موقع قوة”. وتدفع حالة الفوضى التي يشهدها البرلمان التونسي في كل مرة العديد من الأطراف إلى الدعوة لحله وتغيير النظام السياسي. بالنسبة لمبروك كرشيد فإن المشكل يكمن في القانون الانتخابي قائلا “النظام الانتخابي الحالي يسمح بدخول العرجاء والنطيحة وما أكل السبع إلى البرلمان.. هو نظام أفضل البواقي والقائمات (الانتخابات البرلمانية في تونس تتم على مستوى كل دائرة حيث يتم فيها حصر إجمالي عدد الأصوات التي تتحصل عليها كل قائمة في الدائرة ليقسم على عدد المقاعد في تلك الدائرة الانتخابية)”. ويضيف مهاجما زعيم حركة النهضة “لو راشد الغنوشي يريد إدخال قط هريرة إلى البرلمان لتمكن من ذلك.. القانون الانتخابي قانون سيّئ أدى إلى برلمان سيّئ” موضحا “علينا تغيير القانون الانتخابي في البداية ثم تغيير النظام السياسي”. الإسلاميون والعودة للوراء برلمان فسيفسائي يعمق الانقسامات برلمان فسيفسائي يعمق الانقسامات بالرغم من مرور أيام عن منع اعتصام ينادي بحل البرلمان التونسي إلا أن الجدل متواصل بشأن محاولات لإرساء دكتاتورية جديدة في تونس وسط مخاوف من ضرب مكتسبات ثورة 14 يناير 2011. ووجهت الاتهامات بشأن هذا المنع لحركة النهضة الإسلامية التي تعارض أي تغيير في النظام السياسي قد يُفقدها نفوذها أو ينهي حالة التشتت بين السلطات الثلاث (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان). في هذا الإطار، يعلق محدثنا “بالفعل هناك محاولات لضرب الحريات والعودة إلى الوراء نابعة من حب السلطة، بصمة حركة النهضة في منع الاعتصام موجودة.. وإن توجه المحتجون إلى القصبة (مقر الحكومة) فستغلق المنافذ المؤدية إليها أيضا”. ويُضيف “التوجه العام لمكونات السلطة السياسية في تونس هو الحفاظ عليها من خلال قمع التظاهر السلمي”. وتعيش تونس أزمة اقتصادية واجتماعية بدأت تؤدي إلى تحركات في الشارع مطالبة بالتنمية والتشغيل وعدم تجاهل الطبقة السياسية لوعودهم. ويرى كرشيد أن حركة النهضة هي التي تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد خلال فترة ما بعد 2011. ويقول “حركة النهضة هي التنظيم السياسي الوحيد الذي تولى إدارة جل المؤسسات والوزارات في تونس بعد ثورة 2011، لقد أطلقوا وعودهم وأعطاهم الناخبون تفويضا للحكم وبالتالي أنا أعتقد أن النهضة فشلت في تقديم أي شيء للتونسيين، وعدتهم بـ400 ألف موطن شغل، وعدتهم بـالخيرات (بترول، نفط، ملح..) ولم يروا شيئا”. ويضيف “النهضة مارست كل الشعبوية للوصول إلى السلطة فماذا قدمت للتونسيين، لا يمكن للنهضة أن تتنصل من مسؤوليتها إزاء ما يحدث في تونس”. ويعاني أكثر من 600 ألف تونسي من البطالة، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم بسبب تداعيات وباء كورونا ما جعل مراقبين يتوقعون أن تمر تونس بصيف ساخن تشهد خلاله البلاد احتجاجات اجتماعية. ويعتبر كرشيد أن الحوار الوطني بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية في تونس اليوم هو المطلوب قائلا “أنا أول من ناديت بحوار وطني وبمساعدة المنظمات النقابية والأحزاب غير الممثلة في السلطة من أجل تجاوز الأزمة الراهنة”. وفي تعليقه على بوادر تفكك حكومي تدفع نحوها حركة النهضة الإسلامية يؤكد كرشيد أن “النهضة تريد توسيع الائتلاف الحكومي لإدخال حزب قلب تونس (ليبرالي، 27 نائبا)، لماذا تريد ذلك؟ النهضة تريد ضمان بقاء رئيسها في رئاسة البرلمان.. تقايض بكل شيء من أجل ذلك لأن سقوط رئيسها هو سقوط نهائي للحركة في حد ذاتها”. الأزمة الليبية مرتزقة وفوضى ومشاريع توسعية تركية في ليبيا مرتزقة وفوضى ومشاريع توسعية تركية في ليبيا يستمر التصعيد في ليبيا بالرغم من الدعوات إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات السياسية حيث تدفع تركيا التي تدعم حكومة الوفاق نحو استهداف تمركزات قوات الجيش الليبي في سرت ما يسمح لها بالوصول إلى منطقة الهلال النفطي. وكانت مصر قد دفعت بمبادرة تستهدف استئناف المحادثات العسكرية 5+5 بين طرفي النزاع ووقف إطلاق النار مع الحفاظ على نفس التمركزات أعقبه إعلانها استعدادها للتدخل العسكري في ليبيا بعد أن رفضت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج المبادرة الأولى. وعن الدور التونسي حيال هذه الأزمة يقول كرشيد “ما يحدث في ليبيا هو منكر، والغزو التركي لليبيا هو منكر، وكان على تونس ألا تعترف بحضور ووجود أتراك على حدودها الجنوبية”. واعتبر كرشيد أن تونس كان عليها القول علنا بأن ما تقوم به تركيا في ليبيا هو غزو واضح قائلا “تونس قالت مرحبا بالأتراك على حدودنا بواسطة رئيس البرلمان من خلال تهنئته للسراج بالسيطرة على قاعدة الوطية”. ويضيف “للأسف موقفها (تونس) إزاء الأزمة الليبية لم يكن الصمت، بل هو موقف لا يشرف الوطنيين التونسيين فهي منحازة إلى تركيا بطريقة واضحة”. وفي هذه الأثناء، تُواصل تركيا تكديس المرتزقة السوريين لدعم الميليشيات الإسلامية في ليبيا وقيادة معاركها ضد قوات الجيش وهو ما جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث عن دور خطير تلعبه أنقرة في ليبيا. وطالب البرلماني التونسي الرئيس قيس سعيد “بأن يكون واضحا أكثر في تحديد موقف تونس إزاء القضية الليبية دون الخوف من أي طرف سياسي”. وكان سعيد قد لمح في وقت سابق من باريس خلال زيارة أداها إلى فرنسا لضرورة رحيل حكومة الوفاق المدعومة من أنقرة مؤكدا على ضرورة صياغة دستور ليبي يمهد لانتخابات وشرعية دائمة. وعن التدخل المصري المرتقب في ليبيا والذي يقول مراقبون حتّمته التهديدات المتزايدة لأمن المصريين يقول كرشيد “القاهرة اعتبرت أن سرت خطا أحمر، أنا أدعوها إلى أن تعتبر كل ليبيا خطا أحمر، لا فرق بين المنطقة الشرقية أو الغربية.. أدرك أن هناك أولويات لكن كل ليبيا تعنينا”. ويضيف “نحن مع مصر في نهاية المطاف غالبة أو مغلوبة، والعرب يجب أن يكونوا مع مصر ظالمة أو مظلومة”. وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد أعلن جهوزية الجيش المصري للدفاع عن ليبيا معتبرا أن سرت والجفرة خطا أحمر لا يجب أن تتجاوزه الميليشيات والمرتزقة الذين جلبتهم تركيا من سوريا.

مشاركة :