تجربة جديدة قام بها المعهد التقاني للفنون التطبيقية بدمشق حملت حدثا استثنائيا في تاريخ السينما السورية، حيث أوجد القائمون على مهرجان سينما الطلاب بدمشق في دورته الأولى المنتهية، مساء الخميس، بقلعة دمشق حالة مهرجانية تفاعلية، قطعت مع الشكل التقليدي لمثل هكذا تظاهرات سينمائية التي كانت تكتفي في مجملها بعرض بعض الأفلام وربما مناقشتها من قبل الشغوفين بالفن السابع، ثم ينتهي كل شيء. دمشق – على امتداد خمسة أيام تفاعل عشاق الفن السابع مع فعاليات أول مهرجان لسينما الطلاب في تاريخ السينما السورية، الذي اختتم مساء الخميس في قلعة دمشق بحضور وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوح، حيث أعلن الممثل والمخرج السوري أيمن زيدان، رئيس لجنة التحكيم، نتائج الدورة التأسيسية من المهرجان بفوز الفيلم الإيراني “كارما” بالجائزة الذهبية، فيما ذهبت الجائزة الفضية للفيلم الدنماركي “اللحن الأخير” وآلت الثالثة للفيلم الفرنسي “إحساس”. كما منحت لجنة التحكيم الخاصة جائزتها لفيلم “روشن” السوري، وهو من إخراج الثنائي نورس بهلوان ومريم القوتلي، وهما خريجان من المعهد التقاني الذي أنتج لهما الفيلم. ومنح الفيلم السوري الجائزة بسبب “تميّزه في ضبط إيقاع زمنه ومحاولته خلق كوادر مختلفة وبحثه عن أسلوبية خاصة في الإضاءة والتصوير”. ونوّه زيدان بالمستوى العالي للأفلام العربية والأجنبية المشاركة في المهرجان، “أما الأفلام التي قدّمها الطلبة السوريون فكانت مبشّرة مع بعض الملاحظات”، مؤكدا “ضرورة دعم مواهب الشباب السوري ووضعهم على الطريق الصحيح لإنتاج مشهد ثقافي أفضل”. المهرجان يسعى إلى تكوين حاضن جمالي وفني يهتم بشريحة الشباب الدارسين لفن السينما بكل تخصصاتها وضمت لجنة التحكيم الفنان أيمن زيدان رئيسا، وعضوية كل من الناقد السينمائي عمار أحمد حامد والمخرج الصحافي علي العقباني والمخرج المهند كلثوم والفنان حسام وهب. وقال نورس بهلوان مخرج فيلم “روشن” بعد تسلّمه الجائزة إنه سعيد بالتتويج كونه قد حقّق حلما طالما راوده منذ أن كان طالبا. وأضاف “عملنا على الفيلم كفريق عمل، وكلفنا جهدا طويلا، لكن تنفيذه تم خلال أسبوع واحد. سعيد أنني مع زميلتي مريم حقّقنا هذه الجائزة، أعرف أنها مرحلة هامة وخطوة وضعتني على مفترق طرق مهني كبير وواسع، أنا أنظر إلى المستقبل بكثير من الجدية في تناول موضوعات سينمائية حارة يمكنها أن تعبّر عن هواجسنا وطموحاتنا”. وقالت مريم القوتلي المخرجة الثانية للعمل “كانت أياما مليئة بالتحدي والعمل، قدّمنا فيها كفريق كل الجهد، الفيلم كان بالنسبة لي طموحا كبيرا تحقّق بفضل المعهد والأساتذة الذين أشكرهم جميعا، سأتابع مشواري مع الفن الذي أحبه خاصة في مجال التصوير الضوئي”. حس جمالي أربع عشرة دولة شاركت في الدورة التأسيسية للمهرجان أربع عشرة دولة شاركت في الدورة التأسيسية للمهرجان مهرجان سينما الطلاب بدمشق في دورته التأسيسية أقامه المعهد التقاني للفنون التطبيقية بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما التابعان لوزارة الثقافة في سوريا. وهو يسعى كما يُؤكّد منظموه إلى تكوين حاضن جمالي وفني يهتم بشريحة الشباب الدارسين لفن السينما بكل تخصصاتها وكذلك للمهتمين بفن السينما من أصحاب الاختصاصات الأخرى، حيث يقدّم المهرجان فرصة نادرة للتعرّف على التجارب السينمائية المختلفة والتي تشكل أكبر طيف ممكن من النتاج السينمائي العالمي، وبالتالي تقديم ثقافة سينمائية بصرية عالية للمشاركين. كما يشكل فرصة للتعرّف على بيئات مختلفة وخلفيات ثقافية واجتماعية متعددة يحقّقها للجميع. وقال مدير عام المعهد التقاني ومدير المهرجان وضاح سلامة لـ”العرب”، “نسعى من خلال الدورة التأسيسية للمهرجان إلى تطوير الحالة الجمالية عند الطلاب والمتلقين، لأن سوية الأفلام المقدّمة في الأفلام عالية ممّا يعني أن الحالة التثقيفية كانت حاضرة، وهذا ما انعكس حتما على رفع الحس الجمالي عند الطلاب والمتلقين لتكون الذائقة البصرية في حدها الأعلى”. وعن إمكانية استمرار المهرجان لاحقا، أكّد عزم منظميه على استمراره كما هو مخطّط له، وأضاف “الدورة الأولى كلّفت الكثير من الجهد والوقت لكي نصل لهذه اللحظة، والاستمرار فيه أمر بالغ الأهمية وهو ما نتمناه”. وتحدّث حسام وهب المدير الفني للمهرجان لـ”العرب” عن فكرة إقامة المهرجان، وكونها فكرة جديدة في تاريخ الفن السينمائي، قائلا “تم اقتراح الفكرة في قسم التصوير الفوتوغرافي في المعهد التقاني للفنون التطبيقية كنشاط يستفيد من خلاله الطلاب في الإطلاع على تجارب دارسين في مثل أعمارهم تتحقّق لهم مثل الإمكانيات الإنتاجية المتاحة لطلابنا. هذا التفاعل يعني تحقيق جزء من الإضافة البصرية والثقافية التي يمكن أن تقدّم للطلاب، ثم توسّعت الفكرة لتصبح مهرجانا دوليا من حيث الأفلام المشاركة، رغم الإمكانات المادية المتواضعة جدا للمهرجان”. وأضاف “لكن بدعم معنوي كبير من عدد من الفعاليات مثل المعهد العالي للموسيقى ومديرية المسارح وجهات أخرى وصلنا لما هو مطلوب”. وعن السبب في إطلاق المهرجان في هذه الفترة تحديدا يبيّن “لأننا توقفنا عن الأنشطة الثقافية فترة طويلة، وآن الأوان كي تعود الفعاليات لتشكل جزءا من حياتنا رغم تفشي الوباء، فهذه الأنشطة تمكن من تثبيت الأهداف والعمل على ترسيخها”. وعن الأجواء البيئية الجديدة التي يقدّمها المهرجان للمشاركين فيه والفائدة والمتعة اللتين يمكن أن يحقّقهما، يرى حسام وهب “لا يستطيع مهرجان آخر في مكان آخر أن يقدّم للطلاب هذه المتعة أو الفائدة كاملة. وما يقال عن أن البيئة الافتراضية قادرة على تعويض هذا الفقد فيه شيء من المغالاة، فلا شيء يعادل الجو الاجتماعي والقدرة على مواكبة أفلام حديثة ومختارة بعناية تؤدّي إلى طرح نقاشات وطرح أفكار وآراء بالنسبة للمتلقي، أما بالنسبة لصانعي الأفلام والمهنيين فهو فرصة للمشاركة ومقارنة نتاجاتهم بإنتاجات تنتمي إلى ثقافات وبيئات أخرى متنوعة، وتعميق الفهم السينمائي للبيئة الفكرية وثقافة المجتمع المحلي”. مشاركة دولية واسعة حسام وهب: لا شيء يعادل مواكبة أفلام حديثة بشكل مباشر مع الطلبة حسام وهب: لا شيء يعادل مواكبة أفلام حديثة بشكل مباشر مع الطلبة شارك في مهرجان القلعة للسينما الطلابية بدمشق سبعة وثلاثون فيلما من أربع عشرة دولة هي: فرنسا، ألمانيا، الدنمارك، اليابان، إسبانيا، موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس، مصر، فلسطين، العراق، الأردن وإيران. وعن هذه المشاركة الدولية الواسعة في أول مهرجان سوري يعنى بالسينما الطلابية، قال حسام وهب “كنا منفتحين على كل المشاركات التي وردت علينا بعد الإعلان عن تنظيم المهرجان، إذ وصلت إلينا سبعون فيلما اخترنا منها خمسة وعشرين، انتقيناها كأفضل المشاركات سوية فنية وفكرية، ونأمل أن يكون المهرجان خطوة أولى في طريق طويل وناجح، رغم كل الصعوبات التي ستواجهنا، نطمح أن يصبح مهرجاننا دوريا وعلى خارطة النشاطات المحلية والدولية، إنه مجرد طموح اليوم نأمل أن يتحقّق قريبا”. وتضمن برنامج العروض إلى جانب الأفلام الدولية أفلاما سورية شاركت بها المؤسسة العامة للسينما، ضمن مشروع دعم سينما الشباب، كما قدّم المعهد التقاني للفنون التطبيقية مجموعة من الأفلام التي كانت مشاريع تخرج سابقة لطلابه. وكان المهرجان قد حدّد شروط المشاركة فيه وفق معايير ثابتة، منها ألاّ يزيد عمر المشارك عن الثلاثين عاما وأن يكون طالبا في إحدى أكاديميات السينما، ولو كان المشارك خريجا فيجب أن يكون الفيلم من إنجاز مرحلة ما قبل التخرج، كما اشترط أن يكون الفيلم من إنتاج آخر سنتين، وألاّ تزيد مدته عن العشرين دقيقة. وخصّص المهرجان ثالث أيامه لتقديم مجموعة من الأفلام الوثائقية ثم الحديث عنها من خلال ندوة مع مختصين سينمائيين. وافتتح المهرجان في الحادي عشر من أكتوبر الجاري، من خلال الفيلم الإسباني “حيث لا يمكنك الوصول” الذي يروي قصة فنانة شابة تعاني من مشكلات يومية في التعامل مع والدتها المريضة عصبيا، حيث لا يمكنها التحكّم في مداركها، وتصبح في حاجة إلى عناية خاصة، الأمر الذي يصل بهما إلى درجات قصوى من المواجهة العنيفة التي تصل للعنف الجسدي الذي تمارسه البنت على والدتها، لتعتذر منها في كل مرة متابعتين الحياة معا. لينتهي الفيلم بموقف عاطفي عندما تطلب الأم من ابنتها أن تحدّثها عن رسوماتها، فتأتي بحوائجها وتبدأ برسمها في نظرة حب نحو الأمل.
مشاركة :