مهرجانات السينما على شفير الهاوية | نضال قوشحة | صحيفة العرب

  • 8/9/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مع انتشار فايروس كورونا المستجد توقفت الكثير من الأنشطة الثقافية من معارض ومهرجانات أدبية وفنية، وخاصة مهرجانات السينما. وإن رأى البعض الحلّ في شبكة الإنترنت وإقامة المهرجانات السينمائية عن بعد، فإنهم يغفلون جوانب هامة في أيّ مهرجان، والتي لا يمكن تحقيقها في غياب اللقاء الواقعي. فما يهم في مختلف المهرجانات هو تلك اللقاءات خاصة الجانبية أو الهامشية، والتي تحقّق خبرات وتواصلا عمليّا هاما وتشهد ولادة أفكار وتلاقح أجيال وغيرها، ممّا لا يمكن للشبكة العنكبوتية أن تقدمه. وجد فن السينما في العالم آواخر عام 1895 وحقق خلال سنوات قليلة حضورا قويا سواء من حيث كونه حاملا فكريا لذهنيات وأيديولجيات محددة، أو من حيث كونه مكمنا مثمرا يدر مرابيح مالية جيدة. وسرعان ما تنبه البعض لأهمية هذا الفن وضرورة استخدامه كمنبر لتقديم حالة إعلامية تروج لأفكار سياسية واجتماعية محددة. وكان من أوائل من تنبهوا إلى ذلك الزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني الذي طلب من المعنيين في دولته تنظيم مهرجان سينمائي خاص، يقدم الأفلام السينمائية العالمية. وكان ذلك. ونظمت إيطاليا أول مهرجان سينمائي دولي حمل اسم مدينة البندقية في عام 1932 وقد حضر المهرجان أحد الشقيقين لوميير، وعرض فيه بحفل الافتتاح الفيلم الأميركي دكتور جيكل ومستر هايد. ثم توالى ظهور المهرجانات السينمائية في مختلف دول العالم لما قدمته من أهمية في الترويج للبلد والمدينة المضيفة سياسيا وسياحيا، كما دخلت هذه الصنعة تفاصيل عالم المال، فغدت آلية المهرجانات السينمائية عملية منظمة ومعقدة تكلف مبالغ خيالية وتدر كذلك مبالغ أهم. حتى بلغ عدد المهرجانات السينمائية في العالم قبل سنوات ما يقارب العشرة آلاف مهرجان سينمائي تغطي كل طيف الإنتاج السينمائي في العالم. مخاطر إنتاجية كانت حركة المهرجانات السينمائية في تطور كبير وصارت بعض أسمائها علامات فنية وإعلامية ومالية كبرى سواء عالميا أم اقليميا. فكانت مهرجانات كان وبرلين وموسكو ولندن وكارلو فيفاري وسان فرانسيسكو وميونخ وبكين وطوكيو والقاهرة ومراكش وقرطاج ودمشق وبغداد وبيروت والرباط ومسقط وآلاف غيرها. وباء كورونا جثم بظلاله القاتمة على حركة المهرجانات السينمائية في العالم، وضرب خططها في العام 2020 بشكل مباغت، فأوقفت العديد من المهرجانات دوراتها هذا العام. حتى “كان”، وهو أكبر المهرجانات، تأثرا بالوباء علق دورته الأحدث. تأثر الإنتاج السينمائي برمته، ففي الصين تم إغلاق سبعين ألف صالة سينما خسرت خلالها صناعة السينما ما يقارب الملياري دولار، وفي إيطاليا أغلقت كل دور السينما وتسبب ذلك بخسائر مالية كبرى، كذلك فإن معظم الدول قد قامت بإغلاق الصالات أو تخفيض حجم الحضور بحدود النصف أو الثلث. كما تعطلت أو ألغيت المئات من المهرجانات منها: مهرجان بكين السينمائي الدولي، مهرجان براغ السينمائي الدولي، مهرجان ثيسالونيكي للأفلام الوثائقية، مهرجان بيفرلي هيلز، مهرجان مترو مانيلا والمهرجان السويسري الدولي للسينما وحقوق الإنسان، وعربيا مهرجان البحر الأحمر في السعودية الذي كان سيطلق دورته الأولى كأول مهرجان في تاريخ المملكة. تأثر المنتجون السينمائيون بشدة، إذ تخلخلت برامجهم التسويقية وبالتالي المالية التي كانت خططهم قد أعدت لها. فباتت عملية تحصيل مرابيح مالية من هذه الأفلام مهددة بالفشل. وكان لا بد من إيجاد حلول بديلة عن الواقع المأزوم الذي خلفه وباء كورونا. وكان للغة العصر الحديث والثورة التقنية السبق لاقتراح البدائل، حيث استفاد صناع الأفلام من منصات التواصل الاجتماعي لكي يصمموا برامج مهرجانية عبر شبكات الإنترنت. وحقق الالتجاء إلى الشبكة العنكبوتية نوعا من التفاعل مع جمهور المهرجانات، لكنه لم يصل إلى درجة القبول به حلا دائما بديلا عن شكل المهرجانات السينمائية المعتادة. وانقسم صناع وجمهور المهرجانات السينمائية في هذا الموضوع إلى رأيين، فريق يرى أن إقامة مهرجانات السينما عبر منصات النت هو السبيل الوحيد لمقاومة عوائق الحجر الصحي والعزلة، وفريق آخر يرى في أنها لا تقدم الحل الأمثل للمشكلة. وبسؤاله عن إقامة مهرجان كان السينمائي عبر منصات التواصل، علق المندوب العام للمهرجان تييري فريمو “الفكرة لا تليق بتاريخ المهرجان الثري والملهم، ولا بأهميته ضمن محافل السينما الدولية، كيف للمهرجان أن يخلو من وجود أشهر النجوم والنقاد؟ أو كيف يمكن مشاهدة أفلام ويس أندرسون، وآخر أعمال بيكسار على شاشة كمبيوتر؟”. وأضاف “ماذا يعني مهرجان افتراضي؟ مَن هو جمهور هذا المهرجان؟ كيف ينظم على مستوى الزمان والمكان؟ هل منتج الفيلم ومخرجه على دراية بأن فيلمهما سيُعرض في هذا الإطار؟ كيف يتم منع القرصنة؟ ومَن هم الناس الذين سيتسنى لهم حضور هذا الحدث؟”. “العرب” تابعت هذا الموضوع الإشكالي الحار مع عدد من صناع المهرجانات السينمائية العرب المعنيين بالمهرجانات السينمائية داخل الوطن العربي أو خارجه فحاورت عددا منهم، خاصة مع صدور نتائج أول وأوسع مهرجان سينمائي عربي افتراضي يقوم به اتحاد الفنانين العرب وكذلك مع ظهور تأكيدات عالمية بأن وباء كورونا سوف يبقى فترة طويلة في حياتنا اليومية. في تفاعل عربي مع هذا الحدث، نظم الاتحاد العام للفنانين العرب مهرجانا سينمائيا افتراضيا، عبر النت، كان اسمه سينمانا، عن فكرة قدمها خالد الزدجالي المخرج السينمائي العماني الشهير ونائب رئيس اتحاد الفنانين العرب. وشكلت له لجنة تحكيم خاصة وأعلنت النتائج رسميا بعد مشاهدة الأفلام عبر النت. عن التجربة والتوجه يؤكد الزدجالي المشرف العام على المهرجان “نحن لا ننافس المهرجانات السينمائية أو الفنية الواقعية، إنما نحاول أن نوجد صيغا شبابية تهتم بهذا الشكل كونها متفاعلة جيدا مع لغة العصر التقنية، كان لا بد من إيجاد فعل سينمائي ما يقاوم حالة العزلة التي فرضها تفشي وباء كورونا. عملنا في ظروف استثنائية صعبة حيث واجهتنا أزمتان، صحية ومالية. معظم المؤشرات كانت تقول إن التجربة لن تنجح، ولكن توجه الناس إلى منصات التواصل الاجتماعي بسبب الحجر والفراغ الكبير الذي أحدثه ورغبتهم بملء هذا الفراغ بما هو مفيد وجدي جعل الفكرة تنجح وتأخذ مسارها الصحيح”. وعن التحضيرات التي بذلت، يضيف “خلال فترة ثلاثة أشهر عملنا بطاقة كبيرة على إتمام العمل، بداية كان لدينا تخوف من عدم التجاوب، ولكن بعد معرفة المشروع ومرور أسابيع بدأت الاتصالات تظهر، وبعد أن أغلقنا باب المشاركة مددنا لأسبوعين نتيجة إلحاح المتقدمين. وأغلقنا باب المشاركة، وكانت هنالك أفلام لم تقبل. استعملنا في سبيل إنجاز العمل كل الآليات التقنية الحديثة من وسائل تواصل أو تسجيل إلكتروني بالأفلام أو عمليات عقد الاجتماعات عبر غرف المحادثات البصرية واستطعنا كفريق إنجاز العمل بالوقت المطلوب وبالشكل الصحيح”. عن الطموحات بعد إنجاز الدورة الأولى، يتابع الزدجالي “الدورة الأولى انتهت للتو، وقد عرف الناس بالمهرجان وتفاعلوا معه بقوة، والسبب في ذلك كان الإعلام الذي وفر متابعة متميزة له ونشر عنه العديد من الملفات. وبكون الفكرة قد نجحت وتم إنجاز الدورة الأولى، فإننا نطمح الآن للمتابعة فيه، فقريبا سوف نعلن عن الدورة الثانية التي سنتوسع فيها لمواضيع أبعد من وباء كورونا والتي ستكون في مايو القادم غالبا”. على الضفة الثانية على نقيض ما ذهب إليه منظمو مهرجان سينمانا، يرى فريق آخر أن الحل لا يكمن في إقامة مهرجانات سينمائية افتراضية، لا يحضرها جمهور ولا نقاد أو مبدعون. في هذا الاتجاه يرى محمد قبلاوي، مؤسس ورئيس مهرجان مالمو للفيلم العربي الذي يقام سنويا في السويد، أن الصيغة المستحدثة عن المهرجانات السينماية يمكن أن تسمى أيا كان لكنها ليست مهرجانا سينمائيا. فالمهرجان هو بالضرورة تواصل كامل بين مجموعة من الضيوف والمبدعين حيث يحضر الفنان المخرج والممثل والفني والناقد وكذلك المهتم لكي يتابعوا خلال فترة محددة مجموعة من الأفلام والمناشط التي تعود بالفائدة عليهم جميعا. أما متابعة الفيلم السينمائي من خلال شبكات التواصل، فيشدد قبلاوي على أنها لا تقدم الحالة المهرجانية، خاصة مع وجود العديد من المنصات العالمية التي تقدم هذه الخدمة بدون المهرجانات. المهرجان السينمائي، في رأيه، هو حالة تفاعلية بين الناس. ويضيف “نحن في مالمو معنيون بالصيغة التقليدية، هنالك في المدينة مئة وخمسة وستون جنسية مختلفة، المهرجان سيكون محفزا لهم بالحالة الكرنفالية التي يحققها بالتواصل معه على أحسن حال، وهو ما لا يوفره بالضرورة مهرجان سينمائي افتراضي، هدفنا إيجاد حالة تفاعلية مع الحياة الثقافية العربية وهذا لن يأتي إلا من خلال مهرجان سينمائي بالصورة الطبيعية”. وفي ذات الاتجاه يقدم السينمائي العراقي نزار شهيد الفدعم رئيس مهرجان سومر السينمائي رأيه فيقول “المهرجان السينمائي يعني جمهورا، يعني لقاءات حميمة مع الجمهور ومع أصحاب الحرفة. المهرجان ندوات فكرية وسينمائية عن تجارب العمل السينمائي وكيفية تطوير العمل وتبادل الخبرات والمعارف، يعني صحافة وإعلام وفضائيات، ويعني نشرات ودوريات وإصدارات ورقية، يعني كتابا ومخرجين وممثلين ونجوما وخبرات فنية متنوعة حاضرة. يعني عروضا سينمائية حية ولقاءات مع الجمهور عندما نفقد كل هذا لن يبقى شيء من المهرجان فيما عدا ذلك كل الذي يحصل ليس مهرجانا ولك أن تسميه مثلما تشاء”. هناك مهرجان عالمي شهير يتضمن حوالي 20 مهرجانا مثل كان وترابيكا ونيويورك وصنداس وغيرها لتقديم عروض أفلام روائية ووثائقية طويلة وقصيرة وموسيقية على اليوتوب من أجل جمع مبلغ يدعم منظمة الصحة العالمية، مهرجان عروض أفلام سينمائية وبدون مسابقة تحت شعار “كلنا واحد مهرجان الفيلم العالمي”. هل نقدر أن نعمل كعرب بمستوى هكذا مهرجان؟ يجيب نزار شهيد الفدعم “هذا الذي كنت أتمنى أن يكون. فيما عدا ذلك لا أجد جدوى من قيام مسابقة أفلام على الإنترنت لأنها لن تترك أثرا عميقا ولا كبيرا لكن النيات كانت طيبة وأيدينا مع أيدي الجماعة مثلما يقولون”. وفي رأي السينمائي المغربي عبدالحق منطرش مدير مهرجان الرباط لسينما المؤلف يقول “أنا مع فكرة إقامة هذه المهرجانات الافتراضية، لأنها ستوفر الفرصة لمشاهدة الأفلام التي حرمتنا ظروف الحجر الصحي من متابعتها، ونحن في مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف ذهبنا مع الفكرة ونعمل على خلق قاعات افتراضية عن بعد على موقعنا سنعرض فيها أفلامنا والندوات ولجنة التحكيم ستشتغل عن بعد وفي حالة رفع الحجر سنضيف القاعات السينمائية لاستقبال الضيوف والجمهور”. أما عايدة شليبفر السينمائية العراقية والمديرة المشاركة في مهرجان زيورخ للفيلم العربي تذهب بين الاتجاهين فترى أن “مهرجان الفيلم العربي في زيورخ سيكون بشكله الطبيعي الاعتيادي، ولن نتجه به للشكل الافتراضي إلا إذا أعلنت الدولة الحظر الكامل، وهذا غالبا لن يحصل لأن الدولة لا تستطيع تحمل فاتورة ذلك ماليا، لذلك سيكون الحل هو التشديد على سبل المحافظة على الصحة الشخصية، غالبا سيكون المهرجان طبيعيا ولكن ضمن ضوابط محددة منها تقليل عدد الضيوف وكذلك جمهور الأفلام. وهذا ا سيؤثر على المهرجان ككل بالتأكيد، لكننا مصممون على إقامة الدورة وبشكلها الطبيعي وسيكون هنالك ضيوف رغم عوائق السفر والمطارات”. أما زينة صفير السينمائية اللبنانية والمديرة الفنية لأيام بيروت السينمائية فترى “أن المهرجانات الافتراضية هي حل مؤقت أوجد بعض النجاحات، ولكن موضوع تقييمه يحتاج لبعض الوقت، فالتجربة حديثة، والحكم عليها إيجابا أو سلبا مبكر الآن”.

مشاركة :