مي رفقي تشكيلية تمزج المتناقضات المتآلفة في أعمال منقولة | ندى علي | صحيفة العرب

  • 10/17/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في الوقت الذي يتنصّل فيه التشكيليون من مفهوم النسخ أو النقل عن الآخرين، اختارت الفنانة المصرية مي رفقي بجرأة شديدة عنوان “منقول” لمعرضها المقام بغاليري “الزمالك للفن” حتى الثاني من نوفمبر المقبل، لتعلن أن لوحاتها منقولة ومأخوذة عن أعمال فنية سابقة. لكن هل بالفعل الأمر كذلك أم أن ثمة رسالة أرادت توصيلها؟ القاهرة - تتمتع لوحات الفنانة المصرية مي رفقي ببناء جمالي معاصر، تتجاور وتتمازج في إطاره الشخوص والزخارف والخطوط التي تغلفها طاقة لونية قوية، وتفاجئ المشاهد بقدر من التنافر بين عناصر لوحاتها للوهلة الأولى، ثم سرعان ما يلمس أنه تنافر شكلي خادع يحمل بين طياته حوارا مستمرا. ويمكن إطلاق عنوان “المتناقضات المتآلفة” على أعمالها، التي تجمع بين تجسيد الشخوص الحية بأسلوب واقعي، والتكوينات الساكنة بأسلوب تجريدي مسطح. بين سرعة وحرية حركة “مشخصاتها” وثبات زخارفها ومنمنماتها، إلى جانب التناقض بين الأبيض والأسود والألوان والكتلة والفراغ، تتّبع العين هذه المتناقضات لتتولّد داخل المتلقي حالة من الحيوية والشغف بمشاهدة المزيد والتعرّف على الجديد في أفكار الفنانة وأسلوبها، ما يضفي على أعمالها قدرا من التشويق والدهشة. قالت مي رفقي لـ”العرب”، “أمام هذا الدمج من المتناقضات أشعر بالمفارقة بين الحالتين، الحركة في الرسم الحر، والسكون في الزخارف وعناصر الطبيعة، وهو ما يخلق حالة من التحاور، ولطالما أجلس وقتا طويلا أمام لوحاتي كي استمع إليها”. وأضافت “هناك حالتان مختلفتان في لوحاتي دوما، والجمع بينهما يشدني، ويدفعني إلى البحث عن تنويعات لهما معا”. يمثل عنوان المعرض حالة من التشويق والدهشة، وإن كانت لسبب آخر هذه المرة، فثمة جرأة تدعو إلى الحيرة من هذا الاعتراف الصريح بالنقل، فماذا نقلت، ولماذا؟ ولِمَ لا تطلق عليه استلهاما، مثل الكثير من الفنانين؟ أوضحت مي رفقي “لأنه ليس استلهاما إنما بالفعل كانت أعمال الآخرين تمثل لي مرجعية بصرية، إذ كنت أنظر إليها طويلا ثم أنقلها حرفيا، بل إن كلمة منقول نفسها مأخوذة عن المنشورات التي تتم مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما يأخذ شخص منشورا عن شخص آخر فيكتب على سبيل الأمانة: منقول”. وأشارت إلى أن أعمالها في هذا المعرض قائمة على صور جمعتها بشكل عفوي وتلقائي تماما على مدى فترة طويلة، مقسمة إلى مجموعتين، الأولى صور لأعمال تنتمي إلى فنون أخرى، مثل تصميم الأزياء والأداء الحركي والتصوير الفوتوغرافي لفنانين بارزين، مثل المصوّر إدوارد ويستون، والمصمّم نك كيف الذي يجمع بين كونه نحاتا وراقصا، والثانية صور لمفردات من الحضارة المصرية القديمة والزخارف العربية والإسلامية ومجموعات من الزهور والنباتات، إضافة إلى الفنون التراثية من مختلف ثقافات العالم. وتشترك المجموعتان في أنهما نجحتا في جذب انتباه التشكيلية المصرية إليهما، ومن ثم رسم الكثير من محتوياتها قبل التوصّل إلى فكرة المعرض. وتواصل رفقي “لم يكن هناك هدف محدّد سوى الرغبة في الرجوع إليها مرات ومرات وقراءتها مجددا، لكن فوجئت حين انتقلت إلى مُسطحي التشكيلي أنها تخرج من سياقاتها الأصلية ليتم دمجها بعد ذلك في صور أخرى غير ذات صلة”. عندما يقارن المتلقي بين لوحات الفنانة والصور الأصلية التي نقلت عنها يلمس اختلافا كبيرا في الخامات والألوان والأسلوب والتناول، ويكتشف أنها جاءت محملة بمشاعر وأفكار وخبرات فنية وحياتية جديدة ومغايرة، ويساعد على ذلك انتماء الأعمال الأصلية إلى فنون أخرى، مثل الخزف والنحت وتصميم الملابس والأداء الحركي والتصوير الفوتوغرافي. ويدرك إلى أي مدى نجحت التشكيلية الشابة، في فتح مدى أوسع لرؤى متنوعة، وكشف تأويلات جديدة للأعمال الأصلية، كما يقود ذلك إلى مفهوم النقل عندها. ولفتت رفقي لـ”العرب”، إلى أن كل فنان ينفي النقل أو التأثر، وفي الوقت نفسه من المستحيل أن يأتي الفنان من فراغ، فكل عمل فني من الضروري أن ينبع من أعمال فنية أخرى بوعي أو دون وعي، المشكلة أن الجميع ينفي حدوث ذلك، وكأنه خطأ أو عار يتنصل منه، وفي الواقع إن الخطأ الحقيقي ادعاء الفنان أن أعماله وليدة إبداعه هو وحده. وأضافت “متعة أن نقوم من حين إلى آخر بعملية إعادة استكشاف أعمال فنانين آخرين، ونبحث عن الأسباب التي دفعتنا إلى ذلك، لنتساءل أي سحر أو خصوصية تحملها هذه الأعمال التي دفعتنا إلى الغوص فيها؟”. كانت فكرة الاستكشاف هي المحرك الأساسي لمي رفقي في خوض هذه التجربة، وكي تبعد عن نفسها اتهام النقل أو التقليد اختارت هذا العنوان الجريء لمعرضها، قالت “كي أعمل بحرية وأستكشف كيفما أشاء قرّرت منذ البداية وقبل المعرض بوقت طويل أن يكون عنوانه منقول دون خجل”. تطرح الفنانة المصرية أيضا عبر الفلسفة التي قامت عليها أعمالها بالمعرض أطروحات عديدة حول فكرة التكامل بين الفنون، والتأثير والتأثّر بها، وهنا تعلق قائلة “من المهم للغاية الأخذ والعطاء بين الفنون المختلفة، لأن ذلك يزيدها ثراء ويؤدّي إلى المزيد من التواصل بينها، ولاسيما حين نرفع عن كاهلنا هم إثبات البراءة من النقل”. لكن لا يمكن إنكار دور طفولة الفنانة في مدّ الجسور بين الفنون، إذ كانت تمارس منذ نعومة أظافرها فن الباليه والعزف على البيانو إلى جانب الرسم. ومع أن الجمال سمة أساسية في أعمالها، إلا أنها تنفي أنها تبحث عنه، “لا أسعى وراء الجمال في حد ذاته بقدر ما أفتّش عن عناصر القوة في كل شيء أرسمه، بحيث تنجح لوحاتي لاحقا، في أن تجعل المتلقي يتفاعل معها”. وعن لوحاتها التي تبدو في تحاور مستمر بين الثقافتين المصرية والغربية، قالت “مصر كانت ولا تزال منفتحة على ثقافات العالم، وتستقبل تيارات الفكر والفن من مختلف الحضارات، لتُعيد صياغتها وتقديمها بهويتها، وهو ما أعبّر عنه في لوحاتي وفق رؤيتي الخاصة”. ويضم معرض “منقول” نحو 40 عملا، لكن يعتبر عملها الذي أبدعته بطريقة “الباتش ورك” واحدا من أكثر أعمالها تميزا واختلافا، وهو يجمع ما يقرب من 70 أقصوصة صغيرة (20سم X 20 سم) من “التوال”، تشكل كل منها لوحة صغيرة، رسمتها على مدى أيام متفرقة كمدونات يومية بأساليب مختلفة. وقامت بحياكتها معا باستخدام الخيط، ومن ثم قامت برسم جسد إنساني عليها، وقالت لـ”العرب”، “كانت بمثابة ذكريات خاصة، كل يوم تحمل أقصوصة رسم مختلفة، وترتبط بذكرى مختلفة، والتحدي الكبير هو تحقيق التوافق والتناغم في ما بين الأقاصيص لتشكل كيانا واحدا أو رسالة واحدة في لوحة فنية واحدة”. تستخدم مي رفقي الألوان الصريحة والقوية التي خرجت للتو من أنبوبتها إلى مُسطح اللوحة، لتحتفظ بسخونتها وطاقتها بتأثيرها الحيوي على المتلقي، وتتنوّع بين ألوان الزيت والأكرويل والباستيل، إلى جانب الفحم على الورق. درست مي رفقي التصوير في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وتخرّجت عام 1998، ثم درست الفن والعمارة الإسلامية بالجامعة الأميركية في القاهرة، ثم تابعت بعد ذلك دراسة الخزف بمركز الخزف بالفسطاط، وشاركت في العديد من المعارض الفردية والجماعية بمصر وخارجها.

مشاركة :