وسط بستانه المترامي الأطراف في وادي الحاصباني في شرق جنوب لبنان، بدأ المزارع الستيني جلال حرفوش، بقطاف الزيتون في موسمه الحالي، في ظل تداعيات أزمة إقتصادية ومالية وتدابير وقائية ضد مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) في البلاد. ويبدأ موسم قطاف الزيتون في جنوب لبنان عادة في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر من كل عام، ويمتد لشهرين ونصف الشهر تقريبا، ويعتبر من أهم المواسم الزراعية، إذ تعتاش منه ما بين 170 إلى 200 ألف أسرة لبنانية. ويقول حرفوش، الذي كان يرتدي كمامة غطت نصف وجهه ويتقي شمس تشرين بكوفية سوداء مرقطة، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "ينتابنا الخوف هذا العام، وبدلا من الاستعانة بورشة عمال لجني الزيتون، أعمل فقط مع أفراد عائلتي الأربعة". ويضيف أنه "بذلك سيمتد القطاف إلى ستة أسابيع بدلا من أسبوعين عندما كانت الورشة تضم أكثر من عشرة عمال". ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية ومالية حادة تجسدت في شح العملة الأجنبية وانهيار قيمة الليرة اللبنانية، والتوقف عن سداد الديون الخارجية والداخلية في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين، الذي يتجاوز 92 مليار دولار. ويبلغ سعر صرف الدولار، بحسب السعر الرسمي، 1515 ليرة لبنانية، لكنه يبلغ أكثر من 8 آلاف ليرة في السوق السوداء بسبب شح العملة الأجنبية. وأدت الأزمة إلى إقفال عدد كبير من المؤسسات وتسريح عشرات آلاف العمال وتصاعد البطالة وتراجع قدرات اللبنانيين الشرائية مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة تتجاوز 80 في المائة. وفاقمت تداعيات مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) وانفجار مرفأ بيروت الكارثي في أغسطس الماضي أزمات لبنان. ويشكو المزارع اللبناني شادي لمع، من ارتفاع تكلفة قطاف الزيتون وعصره هذا العام بسبب انهيار الليرة اللبنانية. ويقول لمع، الذي يملك بستانا من 120 شجرة زيتون في بلدة برغز بجنوب لبنان، ل(شينخوا) إن ارتفاع أسعار قطع غيار القطافات الآلية والنقل قد ضاعف من هموم المزارعين وخسائرهم. ويستخدم مزارعون في لبنان الطريقة التقليدية في قطف الزيتون بهز الشجرة أو ضرب الغصون المثمرة بعصا لتتساقط حبات الزيتون على مفرش من القماش أو النايلون، فيما يستخدم آخرون قطافات آلية حديثة. لكن ارتفاع ثمن قطع غيار القطافات الآلية أصبح مشكلة كبيرة يواجهها المزارعون هذا العام، بحسب رئيس الجمعية التعاونية لتحسين وتصريف إنتاج الزيتون رشيد زويهد. ويقول زويهد "إن بطارية التشغيل ارتفع ثمنها من 130 ألف ليرة لبنانية إلى مليون ليرة (125 دولار أمريكي بحسب سعر السوق الموازية)، وأصبع البلاستيك العائد للقطافة ارتفع سعره من 9 آلاف إلى 60 ألف ليرة (8 دولارات)". ويضيف أن هذا الارتفاع الجنوني لقطع الغيار سببه تدهور الليرة اللبنانية، مما انعكس سلبا على تكلفة جني الموسم ودفع بالمزارعين إلى التخلي عن استعمال المعدات الحديثة في القطاف واستبدالها بالأيدي العاملة. ولذلك اتخذت معظم البلديات في جنوب لبنان قرارات حددت فيها أجرة عمال جني الزيتون للتخفيف من تكلفة القطاف. ويقول رئيس بلدية حاصبيا لبيب الحمرا، ل(شينخوا) إن البلديات حددت 35 ألف ليرة لبنانية كأجرة للعامل في قطف الزيتون مقابل ست ساعات عمل يوميا. ويشير الحمرا إلى معاناة المزارعين هذا العام من تبدلات المناخ وانحباس الأمطار الخريفية الأولى في مطلع شهر أكتوبر المعول عليها في رفع نوعية ثمار الزيتون، لافتا إلى أن هذا الأمر انعكس سلبا على الموسم، إذ تشير التقديرات إلى انخفاض الانتاج بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المائة عن العام الماضي. ويقول المزارع عبد الله ابو عمر لـ(شينخوا) إن موسم هذا العام يواجه صعوبات عديدة تبدأ بأزمة تفشي مرض فيروس كورونا، وارتفاع تكلفة الانتاج، وضعف القوة الشرائية في الأسواق المحلية، والمنافسة الخارجية للزيت اللبناني بما يهدده بالكساد. ويعرب ابو عمر، الذي يمتلك 15 دونما مزروعة بأشجار الزيتون، عن تخوفه من تكبد خسارة كبيرة في نهاية الموسم، وأن تكون تكلفة قطف الزيتون والحراثة والرش والتشحيل وأجرة العصر تفوق تكلفة الانتاج. ويبلغ إنتاج الزيتون، بحسب إحصائيات التعاونيات الزراعية ووزارة الزراعة في لبنان، حوالي 200 ألف طن سنويا، إذ يحتل المرتبة الثانية من حيث العائد الاقتصادي بعد التفاح والحمضيات. ولمساعدة ودعم المزارعين، وزعت وزارة الزراعة على التعاونيات الزراعية براميل من الستانليس الستيل لحفظ الزيت، إضافة إلى أسمدة وأدوية ضد الحشرات لمكافحة الأمراض، التي تضرب شجرة الزيتون، خاصة مرض عين الطاووس، بحسب قائمقام منطقة حاصبيا أحمد كريدي. ويقول كريدي إنه طالب أصحاب معاصر الزيتون بتعقيمها واتخاذ كافة الأجراءات الوقائية وتخفيض عدد العمال داخل المعصرة إلى أدنى حد ممكن، تجنبا لانتشار مرض فيروس كورونا. ويحتل الزيتون، الذي تعتبر أشجاره رمزا للسلام والخير والبركة، المرتبة الثالثة من حيث المساحات الزراعية اللبنانية، إذ يبلغ عدد أشجاره حوالي 12 مليون شجرة، بينها أكثر من 2500 شجرة رومانية معمرة. أما أكثر المناطق شهرة بزراعة الزيتون فهي مناطق مرجعيون وحاصبيا في جنوب لبنان، والكورة وبشري في شمال البلاد. ويشكل زيتون المائدة 30 في المائة من إنتاج الزيتون اللبناني، أما الباقي فيتم عصره للحصول على زيت المائدة الغني بالفوائد الصحية، فيما يستخدم زيت الزيتون الأقل جودة في صناعة الصابون. ويتجاوز عدد معاصر الزيتون في عموم لبنان 500 معصرة زود معظمها خلال السنوات القليلة الماضية بمعدات تحويل بقايا عصر الزيتون إلى حطب للتدفئة، بحسب أمين سر تعاونية العناية بالزيتون في شرق الجنوب اللبناني علي فاعور.
مشاركة :