هيكل وصناعة الأسطورة (2 من 2)

  • 8/8/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

< عندما نشر محمد حسنين هيكل كتابه «خريف الغضب» الذي ألفه بعد اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات ذكر للمرة الأولى أو على الأقل بالنسبة إليَّ أن لديه عقدة من لونه الأسمر، وفسَّر هيكل كل تصرفات السادات والصلح مع العدو المحتل والقطيعة مع العرب وسجنه لمعارضيه وانقلابه في بداية حكمه على زملائه أعضاء مجلس الثورة (يقال إن هيكل أحد أو أهم مهندسي هذا الانقلاب)، فسَّر كل هذا بأنه نتيجة العقدة من اللون (ليؤكد تحليلاته قال إن السادات تزوج جيهان؛ لأنها كانت بيضاء جداً). طبعاً ما ذكره لا يستحق أن يُطلق عليه أكثر من كلمة هراء؛ فالسادات له أخطاؤه المميتة، وله مبادرة النصر في حرب «6 أكتوبر»، ولستُ بصدد الحديث عنه (أي السادات) إنما ربط ما فعله السادات بلونه هي عنصرية فجة وليست بمنطقية، ولو أنه ذكر أن السادات منبهر بالغرب لقلتُ ربما، أو أنه عاشق للاستعراض لقلتُ احتمال؛ فهو أمر انعكس بشكل ما على تصرفاته. وليس من قبيل المصادفة أنه لم يعترف بأنه إذا كان هناك خطأ فهو من عبدالناصر الذي اختار السادات نائباً له. هيكل يحب في كل كتبه أن يلجأ إلى تفسير ما فعله الزعماء العرب أو الغربيون أو الروس أو الآسيويون أو الأفارقة بالعامل النفسي أو الاجتماعي، إنما إضفاء كثير من البهارات على معظم هذه الروايات، فضلاً عن كونه تكاد لا تجد رواية له مثيرة للجدل إلا وكان صاحبها قد غادر الحياة قبل ما قاله هيكل عنه يجعلنا نتردد عشرات المرات قبل التسليم بصحتها. قد نتقبل أو نمرر بعض تفسيراته النفسية أو الاجتماعية إلى حد معين، لكن ما هو غير مقبول ولا يصدق هو عقدة اللون الأسود التي لم يتوقف فيها عند السادات، بل ها هو مرة أخرى يثيرها مرة ثانية في مقابلة له مع رئيس تحرير السفير اللبنانية طلال سلمان، والطريف أنه هذه المرة استخدمها للنيل من الرئيس الأميركي باراك أوباما، فيقول هيكل لهم -وهذا بعد الاتفاق الغربي الإيراني-: «ألم أقل لكم إن أوباما خطيب مفوه، ولكن لونه وأصوله يقفان ضده -بخصوص ماذا لم يوضح؟-. الغريب أنه يؤيد الاتفاق، وبدلاً من أن ينسب الفضل إلى سياسة أوباما تجاهل ذلك، واسترسل هيكل كيف وصل إلى سدة الرئاسة بينما السود لا يشكلون إلا 13 في المئة من الأميركان؟ أي أن هيكل ببساطة يعتقد بأن أميركا تنقسم إلى قبيلتين، بيض نسبتهم 87%، وسود 13%، ومن ثم فوصول أوباما في نظره لعبة، لكي يكون أداة يتحكمون بها من خلاله، طبعاً يكرر مقابلوه التلميع لكل ما يقوله ويصفوه بالأستاذ، ولا يحاول أحدهم أن يسأله عن تفاصيل هذه المؤامرة التي عرفها هو فقط من دون آلاف الصحافيين الأميركيين؟ نجاح أوباما مرتين متتاليتين واتفاقه مع إيران وقبلها مع كوبا أكان مرده إلى لونه الأسود؟ تجاهُل هيكل كل العوامل التي جعلت الديموقراطيين يراهنون على أوباما وينتخبونه، ولاسيما من الليبراليين وكارهي الحروب والمسلمين والأقليات واللاتينيين والنساء فضلاً عن السود! ولا أدري كيف لكاتب سياسي كبير ومراسل حربي سابق ومعاصر للرئيس جمال عبدالناصر ومقرب منه، وسبق أن كان قبلها قريباً من الأحزاب المصرية وله خبرة طويلة عريضة، ومع كل هذا لا يعي أن أميركا هم سكان ذوو أصول مختلفة من العالم، ولاسيما الإرلنديين، ومنهم جون كنيدي وأميركا اللاتينية والوسطى كالمكسيك وكوبا والإيطاليين والألمان والأفارقة، والهنود سكانها الأقدم، ناهيك عن الدول الأخرى من آسيا وأوروبا، أي أننا لو سلمنا بمقولة التقسيم المزعوم فإن البيض لا يمثلون 87% (هذا إذا بلعنا نظريته الهشة عن انتخاب أوباما) بل إن السود مؤثرون كونهم 13%. ألم يسأل هيكل نفسه سؤالاً: كيف تم انتخابه؟ أولاً أوباما تم انتخابه بعد ترشحه وهيلاري كلينتون (التي تعاني كونها امرأة من تمييز في المجتمع) من الحزب الديموقراطي، ومن ثم هذه الخطوة الأولى والمهمة جداً في السباق الانتخابي لا دخل للسكان وعدد السود بها أو كونهم أقلية، ومن جهة ثانية عند نجاحه فإن الديموقراطيين كلهم (بمن فيهم هيلاري كلينتون نفسها) وقفوا خلف أوباما الديموقراطي ضد جون ماكين الجمهوري، ولم يفكروا بأن أوباما أسود ضد جون ماكين الأبيض. لا يختلف اثنان على قيمة هيكل بصفته كاتباً كبيراً، ولكن للفترة الناصرية بحكم التصاقه بالرئيس الراحل بما يتضمنه ذلك مع تحالفات أو مواجهات مع الدول الأخرى، أما غير ذلك فإن كل رهاناته وتنبؤاته أصبحت في مهب الريح.

مشاركة :